بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

كيف أنقذت امبراطورية الشمس نفسها من الكوارث والحروب؟

كيف أنقذت امبراطورية الشمس نفسها من الكوارث والحروب؟

الحل الياباني


تاريخ النشر: الخميس 04 ديسمبر 2014
بعد انتهاء ما يقارب ثلاثة قرون من السلام الداخلي والخارجي تحت حكم عائلة توكوغاوا التي فرضت على البلاد عزلة شديدة وانغلاقاً تاماً عن العالم، تعرضت اليابان في العصر الحديث لحروب شرسة أولاً مع جيرانها الصين وروسيا القيصرية، ثم بعد ذلك حروب عالمية، فخاضت الحرب العالمية الأولى وكانت من المنتصرين بعد تحالفها مع بريطانيا، وخاضت الحرب العالمية الثانية منفردة وإنْ كانت في تحالف شكلي مع ألمانيا وإيطاليا، إلا أنها فعلياً حاربت بمفردها ضد قوات الحلفاء في شرق آسيا والمحيط الهادئ، فنالت هزيمة فاجعة مدمرة انتهت بسقوط قنبلتين ذريتين عليها لأول مرة في التاريخ الإنساني. وفي كل مرة تتحول البلاد كليا أو جزئياً إلى ما يشبه أطلال دولة وتنهار فيها كل مقومات المدنية والحضارة.
ولكن العجيب أن بعد كل انهيار يحدث تعود اليابان إلى القمة من جديد، وتتم عملية إعادة الإعمار في سرعة هائلة تتقرب من المعجزات، خاصة بعد الحرب العالمية، حيث نهضت اليابان من الصفر لا بل من تحت الصفر بعد قنبلتين ذريتين وتدمير أغلب المدن الكبرى بما يسمّى القصف السجادي بالقاذفات العملاقة B29 وهو عبارة عن تقسيم المدينة إلى مربعات مثل لوحة الشطرنج طبقاً للإحداثيات، ثم القيام بتدمير تلك المربعات واحدة بعد أخرى في عملية انتقام رهيبة مما حدث في ميناء بيرل هاربر. وكانت المساحات التي دُمرت تزيد على 64 ألف هتكار، وهُدّمت 20 في المئة من إجمالي المنازل في اليابان.
أقول بعد هذا الدمار الشامل باستخدام أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل، فاجأت اليابان العالم بمعجزة كبرى، ففي خلال عقدين تحولت إلى دولة صناعية كبرى وثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.

فما السر يا ترى في ذلك؟
 
السر يعود في رأيي، إلى عامل أساسي: هو الإنسان.
اهتمام اليابان بالإنسان وبناء الإنسان وتأهيله ثقافياً وتعليمياً هو ما جعلها قادرة على استعادة زمام الأمور بعد كل كارثة طبيعية أو هزيمة حربية، حتى لو وصل الأمر إلى قنابل ذرية أو موجات تسونامي تأكل الأخضر واليابس أو تسرب إشعاعي يجعل جزءاً من البلاد مهجوراً لا يمكن الدخول إليه لسنوات عديدة حتى ينتهي أثر الإشعاع.
مقارنة أوروبية
ولكي نرى دور التعليم والثقافة في خلق وعي حضاري عال لدى اليابانيين، لابد أن نلقي نظرة على نسبة التعليم في اليابان على مدى التاريخ. فاليابان تفخر بأنها تحتل أعلى نسبة تعليم بين سكانها على مستوى العالم لقرون عدة.
ففي العصور الوسطى، حيث كانت الأمية والجهل منتشرين في أوروبا وبقية بقاع العالم، كان مستوى التعليم في اليابان عالياً للغاية من خلال تطبيق نظامين للتعليم. أولاً تعليم الصفوة أي الساموراي، وكانوا هم الطبقة العليا من المجتمع الذين يتولون شؤون الحكم والعمل في الجهاز الإداري للدولة، وكان يتم تعليمهم في مدارس شبه حكومية تُسمى (هانكو) يقيمها الحاكم العسكري لكل ولاية أو إقطاعية لكي يتعلم فيها أبناء الحكام والقواد من الساموراي لكي يخلفوا آباءهم في مناصبهم، وهذا النظام جعل نسبة معرفة القراءة والكتابة بين الساموراي مئة في المئة حسب المصادر الموثوقة. ونظام التعليم الآخر هو التعليم الأهلي الذين يشرف عليه المجتمع المدني بلغة العصر، وكان عبارة عن فصول تعليمية توجد داخل المعابد الدينية، خاصة البوذية وتُسمى (تيراكويا) وهي تشبه «الكتاتيب» في العالم الإسلامي. وكانت هذه الكتاتيب اليابانية تُعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب لأبناء الشعب من العامة. وتشير المعلومات التاريخية إلى أنه في حين لم تزد نسبة التعليم في أوروبا عن العشرة في المئة أو أقل في القرون الوسطى، إلا أنها كانت في اليابان تزيد على الخمسين في المئة وتقترب من الستين في المئة بين عامة الشعب، فضلاً عن كونها مئة في المئة بين الطبقة العليا. رغم أنه لم يكن هناك تعليم إلزامي في القرون الوسطى، ولكن كان إقبال الشعب الياباني ورغبته المحمومة في تعليم أبنائه ذكوراً وإناثاً هو السبب في المحافظة على تلك النسبة العالية جداً على مستوى العالم وقتها. ففي منتصف القرن التاسع عشر، كانت نسبة التعليم في المدن الصناعية الكبرى في بريطانيا ما بين 20 و25 في المئة. وكانت النسبة عشرة في المئة في الطبقات الدنيا من المجتمع في لندن ذاتها.
بعد بداية الدولة المدنية الحديثة بنجاح ثورة ميجي في عام 1868، بدأ نظام التعليم الإلزامي في اليابان ووضعت حكومة ميجي خطة للقضاء تماماً على الأمية بين جميع أفراد الشعب في خلال جيل واحد، وتحقق لها ذلك، ففي بداية القرن العشرين قضت اليابان على الأمية تماماً بين أفراد جميع الشعب.
وحالياً نسب التعليم في اليابان هي كالتالي: 99,9% من الشعب خريج مدارس متوسطة، أي تلقي التعليم الإلزامي كاملاً لمدة تسعة أعوام. ثم أكثر من سبعة وتسعين في المئة من الشعب خريج المدارس الثانوية. ومن 65 إلى 70 في المئة من الشعب اليابان خريج جامعة أو معهد عال أو مدرسة متخصصة بعد الثانوية (المصدر إحصائيات وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلم والتقنية اليابانية).
توازن المحتوىوعند النظر إلى محتوى التعليم في اليابان، نجد أن مرحلة التعليم الإلزامي (تسع سنوات)، وهي مجانية تماماً، يتعلم فيها الأطفال تعليماً يعتمد أساساً على التربية السليمة عقلياً وروحياً وجسدياً واجتماعياً. وفي هذه المرحلة، يتم إهمال الجانب التنافسي والصراع من أجل الدرجات والنجاح.
عندما يكون الاهتمام بتنشئة جيل جديد فلا يهم من الأول ومن الأخير. وكذلك في هذه المرحلة العمرية يتم انتقال الأطفال إلى السنوات الأعلى تلقائياً من دون إسقاطهم مهما كانت نتائجهم في الامتحانات. لأن الغرض هو التعليم والتربية وليس العقاب.
في المدارس الابتدائية، حصص الرسم والموسيقى والغناء والألعاب في غاية الأهمية، مثلها مثل حصص اللغة اليابانية والعلوم والتاريخ والجغرافيا إلخ. وأهم حصة في اليوم هي وجبة الغداء. نعم وجبة الغداء حصة، حيث يتناول كل التلاميذ معاً الوجبة التي تم إعدادها داخل المدرسة بعد أن يتم جلبها من المطبخ وتوزيعها بواسطة التلاميذ أنفسهم، حيث يتم تقسيم الفصل إلى مجموعات عدة، كل مجموعة تقوم بدور ما من هذه الأعمال، ويتم تبادل الأدوار بشكل مستمر على مدار العام الدراسي.
من خلال المدرسة، تتم تربية الفرد الياباني لكي يكون جزءاً من المجتمع مشاركاً فيه بفاعلية، ثم من خلال التعليم العالي يتم تأهيله بما هو أهله له حتى يفيد نفسه وبلده. ولذا تنجح اليابان في تخطي كل الأزمات التي تواجهها سواء كانت كوارث طبيعية أو حروباً أو احتلالاً أو غيرها من الأزمات.
المصدر: الملحق الثقافي بجريدة الاتحاد الإماراتية
 

السبت، 15 نوفمبر 2014

بوح القرآن

بَوْحُ القرآن

تأليف: ماساهيكو شيمادا
ترجمة: ميسرة عفيفي

(ماساهيكو شيمادا: روائي وكاتب ياباني ولد في عام 1961 في طوكيو وتربى بمدينة كاواساكي بمحافظة كاناغاوا المجاورة لطوكيو من ناحية الغرب، وتخرج من جامعة طوكيو للغات الأجنبية قسم اللغة الروسية. نشر أول أعماله الأدبية سنة 1983 وهو لازال طالبا في الجامعة، وهي رواية "أغاني مبهجة من أجل اليسار اللطيف"، ورُشحت للفوز بجائزة أكوتاغاوا. ولكنه لم يفز بهذه الجائزة العريقة حتى الآن، حصل شيمادا على جائزة نوما الأدبية عام 1984 للعمل الأول، وجائزة كيوكا إيزومي عام 1992، وجائزة إيتو عام 2004، وعلى جائزة وزير التعليم والعلوم عام 2008. غير كتابة الروايات يكتب شيمادا مسرحيات ومقالات وأدب رحلات ونصوص أوبرالية ومحاورات مع مشاهير وترجم رواية للروائي الأمريكي ستيف إريكسون. وإضافة على هذا قام ببطولة عدد من الأفلام والمسلسلات الدرامية. / المترجم)

تباع أقراص القرآن المدمجة (CD) في اليابان ضمن ركن موسيقى الأعراق وموسيقى الشرق الأدنى والأوسط داخل محلات السي دي. لقد حاولت تخمين من هو الذي يقوم بشراء القرآن في اليابان؟ هل هو شخص - مثلي تماما - لا يوجد لديه دافع إلا الفضول الخالص؟ أم هل هو مسلم رحل عن موطنه وجاء إلى اليابان سعيا للرزق، ويحاول أن يجعل غرفته الضيقة مسجدا يقيم فيها صلواته؟ أم يا ترى هو شخص يريد استخدام هذا الصوت الرائع كخلفية صوتية لمكان ما؟
لو حاولنا على سبيل المثال جعل صوت ترتيل القرآن يتردد صداه في حجرة المنزل أو أحد المحلات التي تنساب منها في المعتاد أغاني موسيقى البوب ذائعة الصيت أو الموسيقى الخفيفة. سيتغير الجو العام للمكان في اللحظة ذاتها، وكأن زمنا آخر قد تدفق في المكان، فيعم الهدوء وتسيطر السكينة على المكان بشكل عجيب.
قرّاء القرآن الذين يُسمّون حُفّاظ، يُرتلون آيات القرآن التي يفيض الإيقاع في كل أركانها، من خلال تغيير نمط ومزاج التلاوة، بتفعيل اهتزاز الصوت، أحيانا بالتمهل، وأحيانا بالإسراع المدمدم، أحيانا بنبرة منخفضة مهيبة، وأحيانا بنبرة عالية بدرجة أوكتاف أعلى يبدو وكأنها ستخرق طبلة الأذن. كلمات القرآن جميعها هي وحي "الله" للنبي محمد، الذي بلّغها بصوته للبشر، ولذا فهؤلاء القرّاء يرتلون كلمات القرآن المقدسة وهم في حالة تقترب من حالة "الترانس". اللغة العربية، ذات الحروف الساكنة على الأغلب، عند قراءة القرآن يتردد صداها وكأنها موسيقى ساحرة.
لا توجد موسيقى مصاحبة ولا ألحان سهلة الحفظ، بل مجرد قارئ منفرد لا يقوم إلا بقراءة آيات القرآن بشكل متواصل. بل والأكثر من ذلك باللغة العربية التي لا أفهم منها أي حرف على الإطلاق، وفي الأول وفي الآخر أنا لست مسلما. ولكن رغم ذلك كله فهذا القرآن (معناه بالعربية الذي يُقرأ كثيرا)، يعطيني من الهدوء والسكينة ما لا تفعله المهدئات والمسكنات. وكأنه يزيل تماما كل القلق والتوتر اللذين تراكما بفعل معاناة الحياة اليومية. ولسبب ما، ابني ذو الخمسة أعوام أثناء سماعه القرآن، يمكث هادئا رزينا بدون أن يُحدث أية ضوضاء. وأعتقد أن القرآن سيكون له بالتأكيد مفعول مؤثر لزوجتي لو استمعت إليه في تهدئة حالة الهستيريا التي تصيبها أحيانا.
كل من زار العالم الإسلامي يعرف أن القرآن ينساب خمس مرات في اليوم والليلة من مآذن وسماعات المساجد الموجودة في كل ركن وكل طريق. والقرآن يجب أن يبدأ بقول "أعوذ بالله ..."، ثم يتلو القارئ ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم ....
ثم يلي ذلك حمد الله العليم القدير وتسبيحه، وينتهي بصدق الله العظيم.

تنبثق الموسيقى الإسلامية جميعها من القرآن، ويتولد الأدب الإسلامي كذلك من آيات وسور القرآن. على سبيل المثال ملك فن "القوّالي" وهو فن المديح والموسيقى الإسلامية "نصرت فاتح علي خان" الذي توفى منذ زمن، طريقة غنائه عبارة عن استلهام طريقة ترتيل القرآن مع إضافة ارتجالات بطريقة فنية مبهرة، وإدماجها مع ألحان بالغة التعقيد، يُسبّح فيها لله ويمدح نبيه ويمجد الصديقين وفي نفس الوقت يهمس بالغزل لحبيبته، وهنا تمتلئ أغانيه بالنشوة والوجد والإثارة، لتصبح شبه متناقضة مع هدوء وسكينة القرآن. عندما تستمع لفن القوالي تجد عضلات جسدك تتأثر تلقائيا به ويبدأ الجسد في التمايل والاهتزاز معها.
أو لنأخذ مثلا أشعار ابن حزم، الذي يحكي عن الفرحة بكونه مسلما وعن النشوة بتجارب الحب، ليعلمنا ما لا نعلم عن عمق ونضج أفكار المسلمين.
لو كان الإسلام مجرد دين ضيق الأفق، يفرض بالقوة الأخلاق المتزمتة ويطارد مخالفيه، لم يكن ليستطيع أن يصير ديانة عالمية بهذا الحجم. لا يمكن قياس التأثير الضخم الذي تأثرت به أوروبا من العالم العربي الذي كان يفخر بامتلاك أعلى مستوى من الثقافة والعلم والحضارة في القرن الثالث عشر الميلادي. اليوم يجب علينا أن نتجنب سوء فهم العالم الإسلامي بسبب الانسياق وراء المصالح السياسية الضيقة. لأنه بدون العالم الإسلامي لم تكن لأوروبا أن توجد اليوم، وبالتالي لأمريكا كذلك. لقد أصبح دين الإسلام ديانة عالمية بسبب تسامحه الكبير وفكره القائم على العقلانية. كثيرا ما يوصف الإسلام بمقولة: "القرآن في يد والسيف في اليد الأخرى"، ولكن هذه الصورة تعكس مفهوم الإجبار والقهر المصاحب للمسيحية منذ الحملات الصليبية وما بعدها.
وكذلك عند ذكر الأصوليين لا يتبادر إلى الذهن إلا صورة المسلمين، ولكنها صورة صنعتها السياسة الأمريكية التي لا يمكن أن تقوم فيها الرأسمالية بوظيفتها بدون وجود عدو افتراضي محتمل طوال الوقت. ولكن الأصوليين يوجدون حتى بين المسيحيين الأمريكيين. وفي الماضي كان يطلق على ستالينييّ روسيا كذلك أصوليين، وفي ألمانيا على النازيين. وفي اليابان أقرب فئة لذلك هم الجماعات اليمينية المهووسة. في أي مجتمع يوجد الصراع الدائم بين سياسة العنف وسياسة التسامح.
فيلم "المصير" ليوسف شاهين - على سبيل المثال - يعيد تصوير هذه الأزمة السياسية على أحد صفحات التاريخ.

ولكن هذا الفيلم يمتلئ بنشوة الموسيقى الإسلامية التي تظهر فجأة وتختفي فجأة في كل مشاهده، مما يمكن أن نصنّفه بسبب ذلك كأوبرا سياسية (بوليتيكال أوبرا). يوجد في هذا الفيلم تنفيس تطهيري متواضع يختلف جذريا عن أفلام هوليود التي يُستخدم فيها طوفان من الأموال والأجهزة ذات التقنيات العالية، والمتفجرات المرعبة وكميات لا حد لها من الدماء. يتردد صدى القرآن في كل ركن من أركان الفيلم، ويمكننا من اختلاس النظر إلى ابتسامات المسلمين. يوجد في هذا الفيلم شكل آخر من تطور صناعة السينما لم نكن نحن اليابانيين نعرفه من قبل.

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

نص مترجم للأديب أوسامو دازاي موجه إلى ياسوناري كاواباتا مع النص الياباني

 
إلى ياسوناري كاواباتا
 
بقلم: أوسامو دازاي
ترجمة: ميسرة عفيفي
 
إلى ياسوناري كاواباتا: لقد كتبتَ فيّ سبابًا في عدد سبتمبر من مجلة "بونغيه شونجو". وكان كما يلي:
 
(بعد التحية، ... مفهوم، لقد جمّع المؤلف في "زهرة المهرج" العديد من نظرته للحياة وللأدب، ولكن وفقًا لرأيي، فما يحيطه في حياته الشخصية حاليًّا من سحب كريهة جعله للأسف غير قادر على التعبير عن مواهبه بتلقائية)
 
ليمتنع كل منا عن الكذب المفضوح. لقد قرأتُ كلامك هذا في إحدى مكتبات بيع الكتب، فأصابني باستياء مريع. وعندما رأيت ذلك، بدا لي أنك الوحيد الذي قرر الفائز بجائزة أكوتاغاوا. كلا هذا ليس كلامك. من المؤكد أنك جعلت شخصًا آخر يكتبه. ثم ها أنت تبذل كل جهدك لكي تذيعه على الملأ.
لقد كتبتُ قصة "زهرة المهرج" في صيف عامي الرابع والعشرين قبل ثلاث سنوات. وكان عنوانها "البحر". وقرأها اثنان من أصدقائي هما كانئيتشي كون، وأوهيه إيما، وكانت في غاية السذاجة عند مقارنتها بما هي عليه الآن، ولم يكن بها أثر لاعترافات الراوي. كانت تحتوي على القصة مكتملة بترتيب جيد فقط. ولكن في خريف نفس العام، وبعد أن استعرتُ من جارك السيد غيسّن أكاماتسو كتابَ "دوستويفسكي" لأندريا جيد، جعلني أعيد التفكير مرة أخرى، فعملت على تمزيق تلك القصة البدائية الخالصة المسماة "البحر" شر ممزق، وجعلت الراوي يطل بوجهه في عدة أماكن من العمل، ثم دورت بها على أصدقائي متعاليًا عليهم وأنا أقول إنها رواية لا مثيل لها في اليابان. ثم جعلت صديقيَّ تشيهيه ناكامورا، وريوئتيشيرو كوبو، وكذلك جارك السيد ماسوجي إيبوشي يقرأونها وكان تقييم الجميع لها جيدًا. فشجعني ذلك، لعمل بعض التعديلات، بالحذف والإضافة لدرجة أنني أعدتُ كتابتها خمس مرات تقريبًا، وبعد ذلك وضعتها في مظروف وحفظتها في درج خزانتي. وفي بداية هذا العام الجديد قرأها الصديق كازوو دان فقال لي: "هذه تحفة فنية لا تتكرر، يجب أن ترسلها إلى مجلة أدبية لنشرها. سأذهب إلى ياسوناري كاواباتا لأطلب منه المساعدة. إن السيد كاواباتا سيفهم هذا العمل بالتأكيد"
وأثناء ذلك وقعتُ في أزمة نفسية تجاه كتابة القصص والروايات فذهبتُ في رحلة لإعادة اكتشاف نفسي. ولكن تحولتْ تلك الرحلة إلى ضجة نوعًا ما.
  فقد كنتُ أحتاج لاقتراض خمسمئة ين من أخي الأكبر مهما لعنني. ثم بعد ذلك قررت العودة إلى طوكيو ومحاولة الكتابة مرة ثانية. وبفضل جهد وعناء أصدقائي تقرر أن أستلم من أخي كل شهر مبلغ 15 ينا خلال السنتين أو الثلاثة سنوات القادمة. وأثناء بحثي المتعجل عن بيت أستأجره، أصيبتُ بالتهاب في الزائدة الدودية فأُدخلت مستشفى شينوهارا بحي أساغايا. كان الصديد قد نقح على الحاجب الحاجز، فصارت حالتي متأخرة إلى حدٍ ما. دخلت عنبر المستشفى في الرابع من أبريل من هذا العام. ثم جاء تاكاو ناكاتاني لزيارتي. وكانت كلماته لي: "عليك بالانتماء لطائفة الرومانسيين اليابانيين. ولنحتفل بذلك بنشر رواية زهرة المهرج"
كانت "زهرة المهرج" عند كازوو دان، وأيّد كازوو دان إرسالها إلى ياسوناري كاواباتا، وأنا مع آلام فتح البطن، لا أستطيع التحرك نهائيًّا. ساءت في أثناء ذلك حالة رئتيّ. وظللت عدة أيام فاقدًا للوعي. وأخبرتني زوجتي فيما بعد أن الطبيب قال لها إنه لن يتحمل مسؤولية ما يحدث لي. ثم قضيتُ شهرًا كاملًا بتلك المستشفى، عاجزًا عن الحركة راقدًا على ظهري في قسم الجراحة، وأقصى ما أستطيعه هو إنهاض جذعي فقط. وفي شهر مايو نُقلتُ إلى مستشفى باطنة تديرها بلدية حي سيتاغايا. ومكثتُ هناك شهرين. ثم تغير هيكلية المستشفى في الأول من يوليو وتبدل جميع العاملين، فكان نتيجة ذلك أن طُرد جميع المرضى من المستشفى. فانتقلتُ إلى أرض في مدينة فوناباشي بمحافظة تشيبا قررها لي أخي الأكبر بعد التشاور مع صديق له يتاجر في الملابس الغربية اسمه شيرو كيتايوشي. كنت أرقد هناك طوال اليوم على كرسي من الخيزران، واتمشى قليلًا في الصباح والمساء. ويأتي طبيب من طوكيو مرة واحدة في الأسبوع ليراني. استمرت هذه المعيشة لمدة شهرين، وفي نهاية شهر أغسطس، قرأت مجلة "بونغيه شونجو" في مكتبة لبيع الكتب، وجدت كلامك. "يحيط حياته الشخصية حاليًّا سحب كريهة ... إلخ"، وفي الواقع لقد استشطتُ غضبًا. ولم أذق طعم النوم لليال عدة.
هل ما تفعله أنتَ من اقتناء العصافير ومشاهدة حفلات الرقص هي حقًا حياة عظيمة؟ سأطعنه! فكرتُ جديًّا في طعنك بخنجر أو ما شابه. وفكرتُ أنك مجرم أثيم!. ولكن فجأة أحسست في أعمق أعماقك بمشاعر حب قوية وملتهبة تجاهي ولكنك تسوقها بتلك الطريقة البالية. لا ... لا ... هذا مستحيل. هززت رأسي مرارًا، ولكن تلك المحبة المضطربة بعنف بشكل دوستويفسكاوي التي تكنّها تجاهي، صارت تدفئ جسدي بعنف وسرعة. ولكنك لا تنتبه إلى ذلك بتاتًا.
أنا لا أحاول الآن هنا أن أقارن بينك وبيني في كثرة العلم والمعرفة. لقد أحسستُ في كلامك بوجود المجتمع المتفرد لليابان، وشممتُ رائحة "العلاقات المادية" المحزنة. أنا فقط أريد إعلام اثنين أو ثلاثة من القراء الذين يميلون للفكر أحادي الجانب. من المحتم والضروري إعلامهم بذلك. لقد بدأنا الشك والارتياب أخيرًا في جمال الفضيلة بين البشر.
إنني أبتسم بدون قصد عندما أتخيل منظر السيد كان كيكوتشي وهو يمسح بمنديله العرق عن جبهته ويقول ضاحكًا: "على كلٍ هذا أمر جيد. من الجيد أنك بخير" وأعتقد أنه أمر جيد حقًا. رغم حزني على ريونوسكيه أكوتاغاوا، ولكن هذا أيضًا هو "مجتمع اليابان المتفرد". إن السيد إيشيكاوا إنسان معيشة عظيم، فهو يجتهد بجد وعزم في هذه المجال.
ولكن أنا أشعر بالأسف. أشعر ببالغ الأسف لهذا الكذب المفضوح الذي حاول ياسوناري كاواباتا أن يحيكه بدون أن يشعر به أحد ولكنه لم يستطع ذلك. لم يكن من المفترض أن يحدث هذا. بالتأكيد لا يفترض حدوثه. يجب عليك أن تعي بكل وضوح أن الكاتب هو الذي يعيش داخل "غباء حقيقي".




川端康成へ

太宰治

あなたは文藝春秋九月号に私への悪口を書いて居られる。「前略。――なるほど、道化の華の方が作者の生活や文学観を一杯に盛っているが、私見によれば、作者目下の生活に(いや)な雲ありて、才能の素直に発せざる(うら)みあった。」

 おたがいに下手な嘘はつかないことにしよう。私はあなたの文章を本屋の店頭で読み、たいへん不愉快であった。これでみると、まるであなたひとりで芥川賞をきめたように思われます。これは、あなたの文章ではない。きっと誰かに書かされた文章にちがいない。しかもあなたはそれをあらわに見せつけようと努力さえしている。「道化の華」は、三年前、私、二十四歳の夏に書いたものである。「海」という題であった。友人の今官一、伊馬鵜平(うへい)に読んでもらったが、それは、現在のものにくらべて、たいへん素朴な形式で、作中の「僕」という男の独白なぞは全くなかったのである。物語だけをきちんとまとめあげたものであった。そのとしの秋、ジッドのドストエフスキイ論を御近所の赤松月船氏より借りて読んで考えさせられ、私のその原始的な端正でさえあった「海」という作品をずたずたに切りきざんで、「僕」という男の顔を作中の随所に出没させ、日本にまだない小説だと友人間に威張ってまわった。友人の中村地平、久保隆一郎、それから御近所の井伏さんにも読んでもらって、評判がよい。元気を得て、さらに手を入れ、消し去り書き加え、五回ほど清書し直して、それから大事に押入れの紙袋の中にしまって置いた。今年の正月ごろ友人の檀一雄がそれを読み、これは、君、傑作だ、どこかの雑誌社へ持ち込め、僕は川端康成氏のところへたのみに行ってみる。川端氏なら、きっとこの作品が判るにちがいない、と言った。

 そのうちに私は小説に行きづまり、()わば野ざらしを心に、旅に出た。それが小さい騒ぎになった。

どんなに兄貴からののしられてもいいから、五百円だけ借りたい。そうしてもういちど、やってみよう、私は東京へかえった。友人たちの骨折りのおかげで私は兄貴から、これから二三年のあいだ、月々、五十円のお金をもらえることになった。私はさっそく貸家を捜しまわっているうちに、盲腸炎を起し阿佐ヶ谷の篠原病院に収容された。(うみ)が腹膜にこぼれていて、少し手おくれであった。入院は今年の四月四日のことである。中谷孝雄が見舞いに来た。日本浪曼派へはいろう、そのお土産として「道化の華」を発表しよう。そんな話をした。「道化の華」は檀一雄の手許(てもと)にあった。檀一雄はなおも川端氏のところへ持って行ったらいいのだがなぞと主張していた。私は切開した腹部のいたみで、一寸もうごけなかった。そのうちに私は肺をわるくした。意識不明の日がつづいた。医者は責任を持てないと、言っていたと、あとで女房が教えて()れた。まる一月その外科の病院に寝たきりで、頭をもたげることさえようようであった。私は五月に世田谷区経堂の内科の病院に移された。ここに二カ月いた。七月一日、病院の組織がかわり職員も全部交代するとかで、患者もみんな追い出されるような始末であった。私は兄貴と、それから兄貴の知人である北芳四郎という洋服屋と二人で相談してきめて呉れた、千葉県船橋の土地へ移された。終日籐椅子(とういす)に寝そべり、朝夕軽い散歩をする。一週間に一度ずつ東京から医者が来る。その生活が二カ月ほどつづいて、八月の末、文藝春秋を本屋の店頭で読んだところが、あなたの文章があった。「作者目下の生活に厭な雲ありて、云々。」事実、私は憤怒に燃えた。幾夜も寝苦しい思いをした。

 小鳥を飼い、舞踏を見るのがそんなに立派な生活なのか。刺す。そうも思った。大悪党だと思った。そのうちに、ふとあなたの私に対するネルリのような、ひねこびた熱い強烈な愛情をずっと奥底に感じた。ちがう。ちがうと首をふったが、その、冷く装うてはいるが、ドストエフスキイふうのはげしく錯乱したあなたの愛情が私のからだをかっかっとほてらせた。そうして、それはあなたにはなんにも気づかぬことだ。

 私はいま、あなたと智慧(ちえ)くらべをしようとしているのではありません。私は、あなたのあの文章の中に「世間」を感じ、「金銭関係」のせつなさを()いだ。私はそれを二三のひたむきな読者に知らせたいだけなのです。それは知らせなければならないことです。私たちは、もうそろそろ、にんじゅうの徳の美しさは疑いはじめているのだ。

 菊池寛氏が、「まあ、それでもよかった。無難でよかった。」とにこにこ笑いながらハンケチで額の汗を拭っている光景を思うと、私は他意なく微笑(ほほえ)む。ほんとによかったと思われる。芥川龍之介を少し可哀そうに思ったが、なに、これも「世間」だ。石川氏は立派な生活人だ。その点で彼は深く真正面に努めている。

 ただ私は残念なのだ。川端康成の、さりげなさそうに装って、装い切れなかった嘘が、残念でならないのだ。こんな筈ではなかった。たしかに、こんな筈ではなかったのだ。あなたは、作家というものは「間抜け」の中で生きているものだということを、もっとはっきり意識してかからなければいけない。


السبت، 20 سبتمبر 2014

من قتل هيتوشي إيغاراشي؟ - القضية أقفلت بسبب التقادم والقاتل طليق


ميسرة عفيفي

مشهد أول
في الساعة الثانية بعد ظهر العاشر من رمضان عام 1393 الموافق السادس من أكتوبر عام 1973 قامت قوات الجيش المصري بعبور قناة السويس وتحطيم خط برليف على عدة محاور والاشتباك مع العدو الصهيوني في معارك دامية برا وجوا، مكبدة له خسائر فادحة على كل المستويات. مما جعل الحكومة الأمريكية تأخذ قرارا بمد جسر جوي بينها وبين إسرائيل من أجل تعويض الخسائر التي أصابت على عدة جبهات الجيش الأقوى في الشرق الأوسط والذي كان يوصف بأنه الجيش الذي لا يقهر.
عندها اجتمعت كلمة القادة العرب ربما للمرة الأولى معربين عن تأييدهم الكامل لمصر ولدول المواجهة مع العدو الصهيوني. وفي الرابع والعشرين من شهر رمضان 1393 الموافق للعشرين من أكتوبر 1973 قررت الدول العربية المصدرة للنفط استخدام البترول كسلاح لأول مرة في معركتهم ضد عدوهم، وأخذت تلك الدول قرارا تاريخيا بمنع تصدر النفط العربي لأية دولة تؤيد إسرائيل أو تدعمها.

مشهد ثاني
في السادس عشر من نوفمبر لعام 1973 يجتمع مجلس الوزراء الياباني برئاسة رئيس الوزراء كاكوئيه تاناكا في طوكيو لبحث تداعيات قرار وقف تصدير النفط العربي على الأمة اليابانية والمجتمع الياباني بعد أن انتشرت الشائعات في عموم الدولة اليابانية بالوقوع في أزمة اقتصادية طاحنة وحدوث شح في المواد البتروكيماوية مما نتج عنه تكالب الشعب على تخزين تلك المواد ووقوفهم في طوابير لا تنتهي من لأجل الحصول على المواد التي توقعوا نفاذها من الأسواق بسبب قلة النفط وكانت أشهر هذه المواد هي أوراق التواليت التي لا يستغنى عنها اليابانيون لقضاء حاجتهم لأنهم لا يستخدمون الماء في الطهارة من الحدث. اتخذ مجلس الوزراء عدة قرارات لمواجهة الأزمة وأحد هذه القرارات هي البحث عن بديل ولو مؤقت للدول العربية لكي تستورد اليابان منه النفط بأسعار معقولة بعد عقد اتفاقية استراتيجية معه، وكانت إيران الشاهنشاهية هي الدولة المقترحة. وبالفعل تم توقيع عدة اتفاقيات بين الدولتين في عام 1974 وكانت إحدى هذه الاتفاقيات هي اتفاقية لتشجيع التبادل السياحي بين البلدين، وبالتالي إلغاء شرط الحصول على تأشيرة دخول موطني إحدى البلدين إلى الأخرى بغرض السياحة، والسماح لمن يحمل جواز سفر إحدى البلدين بالدخول للدولة الأخرى دون تأشيرة والبقاء فيها للسياحة لمدة ثلاثة أشهر.

مشهد ثالث
في الأول من فبراير عام 1979 يعود الإمام الخميني إلى طهران ليقود آخر مرحلة من مراحل الثورة الإيرانية ضد الشاه محمد رضا بهلوي وبقايا حكمه، ليتم في الأول من أبريل إجراء استفتاء شعبي عام على جعل إيران جمهورية إسلامية يقودها روح الله الخميني. وتبدأ الدولة الجديدة في تدعيم أركانها باستبعاد كل من يعارض التوجه الجديد للدولة ممثلا في قائدها الأعلى، وبدأ ما سُمّي بالثورة الثقافية فتم إعدام عدد كبير من جنرالات الجيش السابقين، وتم غلق الجامعات لفترة مؤقتة، وإبعاد آلاف الضباط عن الجيش وعشرات الآلاف من المدرسين عن التدريس.
وبدأت أعداد كبيرة من الإيرانيين الذين كانوا يؤيدون الخط الذي كانت تسير عليه الدولة في عهد الشاه في البحث عن بلد يهاجرون إليه بعد سيطرة الثورة الإسلامية الشيعية على مقاليد الحكم وبدأت تضيق الخناق على المخالفين لأفكارها حتى أولئك الذين قاموا بالثورة مع التيار الإسلامي من تيارات ثورية غير إسلامية. وهاجر الكثير من هؤلاء إلى العالم الغربي سواء أوروبا أو أمريكا. ووجد جزء من أولئك الذين لم يرضوا بما آلت إليه الثورة من حكومة إسلامية متشددة في نظرهم، وجد فرصة في الاتفاقية التي بين بلدهم واليابان السابق ذكرها، فشدوا الرحال إلى طوكيو وغيرها من المدن اليابانية التي استقبلتهم في فترة استثنائية من تاريخ اليابان يطلق عليها فترة ازدهار اقتصاد الفقاعة. وهي الفترة من عام 1986 حتى عام 1991.

مشهد رابع
بعد عقدين كاملين من النمو الاقتصادي المتسارع منذ منتصف الستينات وحتى منتصف الثمانينات وصلت اليابان إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى وحققت نهضة صناعية واقتصادية حقيقية أدت إلى زيادة مطردة في الدخل القومي وبالتالي الدخل الفردي للمواطنين مما زاد من كمية الأموال الموجهة للاستثمار ولكن بسبب ارتفاع سعر الين الياباني تدريجيا بعد إجبار اليابان على تحرير سعر الصرف، ولأسباب عديدة أخرى تقلصت إمكانية زيادة الاستثمارات بالطرق الطبيعية وهي بناء المصانع وزيادة التصنيع والإنتاج. فاتجه الجميع سواء الأفراد أو المؤسسات إلى الاستثمار في العقارات والأراضي والأسهم والسندات وغيرها من أشكال الاستثمار غير المنتج. مما أدى إلى زيادة غير حقيقية في أسعار تلك الأشياء فزاد الطلب عليها أكثر وزادت أسعارها أكثر وأكثر، فوصل سعر المساحة التي داخل نطاق خط يامانوتيه الدائري للسكك الحديدية في مركز طوكيو والتي تبلغ 63 كيلومتر مربع، إلى سعر يمكن به شراء مجمل أراضي الولايات المتحدة الأمريكية. وحدث انتعاش اقتصادي غير حقيقي جعل اليابانيين لديهم فائق في الأموال مما جعلهم أيضا لا يرغبون في العمل في الأعمال التي توصف دائما في اليابان بأعمال الثلاثة "K" هو الأعمال الشاقة والخطرة والقذرة وهذه الصفات الثلاثة تبدأ بحرف "K" في اللغة اليابانية، وأدى ذلك لتهاون الحكومة مع وجود عمالة أجنبية غير شرعية لكي يقوموا بالعمل بهذه الأعمال التي ابتعد عنها اليابانيون للأسباب السالفة الذكر.

مشهد خامس
يتجمع في حديقة يويوغي التي تقع بجوار معبد ميجي الكبير بمدينة طوكيو، أعداد كبيرة من المقيمين غير الشرعيين، الأغلبية العظمى منهم إيرانيين دخلوا اليابان بناء على الاتفاقية التي تسمح لمن يحمل الجنسية الإيرانية بالدخول إلى اليابان للسياحة لمدة ثلاثة أشهر، ويعمل الكثير منهم في أعمال مشبوهة في نطاق منطقة رمادية قانونيا، بل وعدد منهم كذلك يعمل بشكل صريح في أعمال الجريمة المنظمة كبيع المخدرات وتزييف بطاقات الهاتف والعملات المعدنية المستخدمة في آلات البيع الإلكترونية. ولكن في عام 1992 ألغت اليابان اتفاقية التبادل السياحي المشار إليها بينها وبين إيران لأسباب عديدة أشهرها هي الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أصابت اليابان وجعلت نسبة البطالة ترتفع وبالتالي شدّدت الحكومة اليابانية قبضتها على المقيمين غير الشرعيين الذين يعملون بشكل غير قانون وشددت من العقوبات على المخالفين. فقل عدد الأجانب المقيمين بشكل غير شرعي في البلاد وخاصة الإيرانيين ليصبح عدد الإيرانيين المقيمين في اليابان يزيد قليلا على الأربعة آلاف (إحصائية وزارة الخارجية اليابانية لعام 2010) بعد أن كان يقدر عددهم في وقت الذروة بأكثر من أربعين ألفا في كل أنحاء اليابان.

مشهد سادس
في الحادي عشر من شهر يوليو عام 1991، يقف د. هيتوشي إيغاراشي الأستاذ المشارك بجامعة تسوكوبا القومية وحيدا في بهو مبنى الأبحاث المكون من سبعة طوابق والخاص بدراسات الاجتماع والإنسانيات الذي يعمل به د. إيغاراشي، ينتظر المصعد بعد انتهائه من عمله ذلك اليوم، وفجأة يأتي شخص من خلفه حاملا آلة حادة يطعن بها د. إيغاراشي عدة طعنات نافذة حتى يرديه قتيلا، ثم يفر هاربا من المكان دون أن يراه أحد. ولا يتم اكتشاف جثة د. إيغاراشي إلا صباح اليوم التالي.
كان د. إيغاراشي قد ولد عام 1947 في محافظة نييغاتا بشمال اليابان، وتخرج من جامعة طوكيو القومية أفضل جامعات اليابان عام 1970 في قسم الرياضيات بكلية العلوم، ولكنه حول تخصصه بعد ذلك إلى الدراسات الإنسانية لينهي دراسة الدكتوراه عام 1976 من نفس الجامعة في تخصص عام الجمال والفنون، ثم يسافر إلى إيران في نفس العام ليعمل كباحث في الجمعية الإيرانية الشاهنشاهية للفلسفة حتى قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، ليعود إلى اليابان في نفس العام ويواصل دراساته وأبحاثه حول الإسلام وخاصة مرحلة النهضة الإسلامية وعلاقتها بنقل العلوم والفنون من اليونان إلى أوروبا، ويصدر مؤلفات عدة مثل "أبحاث ابن سينا – طب الشرق ومعرفته"، و"عصر النهضة الإسلامية"، و"الموقف المتأرجح سوف يقضي على اليابان – هل نحتاج العرب أم لا نحتاجهم؟"، ويقوم بالاشتراك مع أخرين بترجمة "موسوعة الطب" لابن سينا، وأخيرا في عام 1990 يقوم د. إيغاراشي بترجمة رواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي التي صدرت عام 1988 والتي أثارت جدلا واسعا ولاقت استهجان واستياء الغالبية العظمى من المسلمين وبسببها أصدر الإمام الخميني في فبراير من عام 1989 فتوى بإهدار دم مؤلفها سلمان رشدي الذي يعيش منذ ذلك الحين متخفيا لا يظهر علانية إلا في حماية مشددة من الشرطة.

مشهد سابع
تقلع ظهر الثاني عشر من شهر يوليو عام 1991 طائرة من مطار ناريتا شرق طوكيو عليها شاب بنغالي يرحل من اليابان فجأة وبدون مقدمات بعد أن جاء منذ فترة قصيرة ليدرس في جامعة تسوكوبا، عائدا إلى دكا عاصمة بلاده بنغلاديش دون أن يخبر أحد أو يودعه أحد من أصدقائه أو معارفه.

مشهد أخير
الشرطة اليابانية تعقد مؤتمرا صحفيا تعلن فيه عدم توصلها لأية قرائن أو أدلة تساعد في الوصول إلى معرفة الجاني الذي قام بطعن د. إيغاراشي وتلمح إلى اكتشافها بضعة أوراق في مكتب د. إيغاراشي بالجامعة بها أربعة سطور يُعتقد أن د. إيغاراشي قد كتبها بنفسه باللغة اليابانية واللغة الفرنسية يقول في الجزء الفرنسي منها: "سأقُتل تحت بئر السلم"، مما يعني أن د. إيغاراشي كان يشعر بمن يتربص به ويريد قتله. لكن الشرطة قالت إنها لا تستطيع أن تحدد هوية القاتل أو أسباب القتل وإنها لا تستبعد أن تكون مشاكل شخصية هي التي وراء الجريمة. ولكن حتى هذه اللحظة لم يتم توجيه الاتهام إلى أحد. وفي الحادي عشر من يوليو 2006 أعادت الشرطة مقتنيات الضحية التي كانت ضمن أحراز القضية إلى أهل القتيل بسبب مرور خمسة عشر عاما على وقوعها وانتهاء المدة القانونية لمقاضاة الجاني لو كان يعيش طوال تلك الفترة داخل اليابان، أما لو كان خارج اليابان فتخصم فترة وجوده خارج اليابان من فترة الخمسة عشر عاما حسب قانون العقوبات الياباني.


المصادر: عدة مواقع باللغة اليابانية على الإنترنت.

جريدة الاتحاد الإماراتي الملحق الثقافي
http://www.alittihad.ae/details.php?id=79131&y=2014&article=full

الخميس، 11 سبتمبر 2014

أفكار تتزيّن بالأقراط والثعابين

نموذج من الاتجاهات الأدبية عند الروائيين اليابانيين الشبّان

أفكار تتزيّن بالأقراط والثعابين


تاريخ النشر: الخميس 04 سبتمبر 2014
ميسرة عفيفي
* «هيتومي كانيهارا» تقود أبناء جيلها ضد نواميس المجتمع
* حبكة روائية غريبة عن إعادة تشكيل الجسد
هيتومي كانيهارا أديبة يابانية شابة ولدت في 8 أغسطس من عام 1983 وتبلغ حاليا الثلاثين من العمر.
 
 
فازت كانيهارا بعدة جوائز أدبية رفيعة منها جائزة أكوتاغاوا الشهيرة وحصلت عليها في عام 2004 مناصفة مع الأدبية ريسا واتايا، وكانتا وقتها أصغر من حصل على تلك الجائزة المرموقة، إذ كانت واتايا في التاسعة عشرة من العمر وكانت كانيهارا في العشرين في عمرها.
تعتبر كانيهارا حاليا أكثر الأدباء اليابانيين الشباب الذين تتسلط عليهم أنظار النقاد بوصفهم أفضل من يعبر عن الحركة الأدبية اليابانية في الألفية الثالثة.
وتترجم أعمالهم إلى العديد من اللغات الأجنبية.
تعتبر هيتومي كانيهارا ظاهرة غريبة بين الأدباء الشباب الحاليين في اليابان، فرغم أن والدها أستاذ في جامعة مشهورة في اليابان، وهي جامعة هوسيه وهو متخصص في دراسة أدب الأطفال، ومترجم شهير، إلا أنها تركت الدراسة رسميا في المرحلة الثانوية، وتقول إنها لم تذهب للمدرسة تقريبا منذ سن العاشرة، أي منذ كانت في الصف الرابع الابتدائي.
وإن كانت قد التحقت كطالبة مستمعة بالحلقة الدراسية (سيمينار) لوالدها في الجامعة وهي في سن الخامسة عشرة.
بداية مبكرة
وبدأت كانيهارا كتابة الروايات في سن الثانية عشرة، وهي السن التي ذهبت فيها مع والدها إلى الولايات المتحدة الأميركية بسبب عمله هناك، ورجعت إلى اليابان بعد قضاء عام في سان فرانسيسكو.
تعتبر حياة كانيهارا الشخصية مليئة بالأحداث والمعاناة لدرجة إدمانها في سن الخامسة عشرة من عمرها عادة قطع الرسغ (وهي عادة تعبر عن رغبة الشخص في إيذاء نفسه بجرح الرسغ بسكين أو موسى وإن لم تصل إلى الحد الذي يؤدي إلى الانتحار).
وترتبط هذه العادة عامة بإدمان الخمر أو المخدرات أو كلاهما معا.
أما في حالة كانيهارا فلا يعرف مدى وقوعها في تلك العادات السيئة، وإن كان محتوى رواياتها ينم على معرفتها بتفاصيل دقيقة عن العالم السفلي للشباب الياباني في العصر الحالي وخاصة عصر ما بعد بداية الألفية الثالثة.
حيث ابتعد الشباب الياباني رويدا رويدا عن تقاليد بلده العريق واقترب كثيرا من الثقافة الغربية الحديثة، حيث لا وجود لقيود أو حدود على التصرفات إلا ما يفرضه القانون الوضعي الذي يتغير ويتبدل مع مرور الأيام والأعوام.
ورغبة الشباب عامة بتحدي أي قانون وأي قواعد.
إلا أن الملاحظ في روايات كانيهارا أن شخصيات الشباب ليس بها أية تعقيدات نفسية أو خلل اجتماعي أسري يدعو إلى تلك السلوكيات التي تبتعد عما هو مألوف في المجتمع الياباني، بل هي تنقل ما يعيشه الشباب بلا أي محاولة لإظهار أن ذلك غير طبيعي، أو أن هناك وراء تلك التصرفات أسباباً ما دعت شخصيات الرواية إلى تلك التصرفات.
ربما لأنها ترى أن ذلك هو الطبيعي وأن اختلاف سلوك البشر وأخلاقهم أمر لا مفر منه مع مرور الزمن وتتطور المجتمعات.
رأي مخضرم
على سبيل المثال في روايتها «السقوط على نجم» الصادرة عام 2007 عن دار نشر شوئيشا، تحكي بمنتهى التلقائية قصة فتاة كانت ترتبط بشاب في مثل عمرها وتعيش معه في نفس المنزل، ولكنها بعد أن أصبحت روائية مشهورة، تتعرف على شخص أثناء العمل فتقع في حبه وتترك منزل حبيبها الأول، لتسكن بمفردها بالقرب من منزل حبيبها الجديد، الذي نفاجأ أنه يعيش مع شخص رابع في علاقة مثلية شاذة.
وتستمر أحداث الرواية لتحكي تفاصيل هذه العلاقات المتشابكة الغريبة بين فتاة وثلاثة ذكور.
حبيبها السابق الذي لا ييأس من محاولة حثها على العودة له ومواصلة العيش معه في منزله كما كانا، وحبيبها الحالي الذي يعاني هو الآخر من تمسك شريكه المثلي به وعدم سماحه له بفسخ تلك العلاقة الشاذة بينهما وتهديده له بالانتحار إذا ما فكر في مغادرته منزلهما، بل ومحاولته ذلك أكثر من مرة.
كل هذه الأحداث ترويها البطلة بلسان المتكلم بدون أي شعور بالغرابة وبدون أي محاولة للتبرير.
لأنها تروي واقعا معاشا بدون افتعال وبدون النظر له نظرة استعلائية رافضة.
وتنتهي الرواية كما بدأت بمشهد للبطلة مع حبيبها وهو يقول لها بسهولة: لنتزوج، ولكن البطلة تجاريه وتقترح مازحة عدة أيام بدون الوصول إلى قرار نهائي وتنتهي الرواية بدون معرفة مصير كل أبطالها.
تقول الأديبة المخضرمة والراهبة البوذية جاكوتشو سيْتوأوتشي (92 عاما) إنها من أشد المعجبين بروايات هيتومي كانيهارا لأنها ترى بها جِدّة وحيوية لا توجد لدى المخضرمين من الكتاب والروائيين.
وإنها من خلال قراءة روايات الأدباء الشبان في اليابان تحصل على الدهشة والمفاجأة التي لا تحصل عليها من قراءة كبار الكتاب الذين تعرف على الأرجح ماذا سيكتبون حتى من قبل أن تقرأ أعمالهم.
وتقول جاكوتشو عما يجذبها في روايات كانيهارا: أن شيئا ما منها يظل باقيا داخل عقل قارئها بعد انتهاء القراءة ولا ينفلت منه طويلا.
تشكيل الجسد
في روايتها الأشهر «أقراط وثعابين» والتي حازت جائزتي سوبارو وأكوتاغاوا معا، تحكي كانيهارا قصة الفتاة «روي» التي تقابل الفتى «أما» الذي يحادثها بود في أحد النوادي الليلية دون سابق معرفة، ويقول لها: هل تعرفين اللسان المشقوق؟ فلما تسأل مندهشة عن معنى ذلك، يُريها لسانه وقد انشق من منتصفه إلى جزأين ليتشابه مع ألسنة الثعابين.
انبهرت روي من ذلك اللسان وجذبها حديث «أما» عن فكرة إعادة تكوين الجسد، فلازمته منذ تلك الليلة وأصبحت حبيبة له تسكن معه في غرفته.
ويأخذها «أما» معه إلى شخص يدعى شيبا سان صاحب محل للوشم والأقراط، لتبدأ معه مشوار إعادة تشكيل جسدها، بداية من ثقب لسانها ووضع قرط به استعدادا لشقه إلى نصفين، وانتهاء برسم وشم ضخم على ظهرها لصورة تنين يتصارع مع حيوان خرافي يظهر كثيرا في الأساطير الصينية ويسمى كيلين أو (Qilin).
وخلال عملية إعادة تشكيل الجسد تلك، يقع رسام الوشم شيبا سان تدريجيا في حب روي، ولا تمانع روي في إقامة علاقة جسدية معه رغم استمرار حبها وإقامتها مع «أما».
في أحد الليالي وأثناء سير روي و«أما» في الطريق يحاول بعض الشباب الماجن الاعتداء على روي، وهنا يتحول «أما» الشاب الهادئ الوديع الذي لا ينم مظهره الخارجي المنفر عن ميله للعنف.
فهو يتميز بشعر حلقه من الجانبين وأطال وسطه مثبتا لأعلى في تقليد لخوذة الجنود الرومان في العصور الغابرة، وبكمية الأقراط التي يضعها في جسده وبلسانه المشقوق ووشمه على أغلب جلد البشرة.
كل ذلك لا ينم إلا على مدى طيبة قلبه ووداعته، ولكن «أما» ذلك الطيب الوديع يتحول إلى وحش كاسر عندما يحس أن أحدهم يحاول إيذاء روي، فينقض على واحد من هؤلاء الشباب المعتدين وينهال عليه ضربا، بعد أن هرب الآخرون عندما رأوا أمامهم هذا الوحش العنيف، ولا يتركه إلا بعد استعطاف لوي له بتركه وضرورة الهرب من المكان.
يهرب الاثنان بعد أن يتركا المكان ويعودا إلى منزلهما.
بعد أيام تقرأ روي في الجرائد خبرا عن موت أحد الشباب بعد الاعتداء عليه بالضرب وتحطيم وجهه.
وتعرف من تفاصيل الخبر أنه الشاب الذي ضربه «أما»، وأن الشرطة تبحث عنه.
تخفي روي الخبر عن «أما» وتحاول بشتى الطرق تغيير مظهره الخارجي بحلق شعره وصبغه بلون مختلف، ولكن دون أن تخبره بالسبب بل تقول له فقط إنه يبدو بذلك أكثر وسامة وأنها تحب مظهره الجديد.
وفجأة يختفي «أما» وتحاول روي البحث عنه، فتجد أنها لا تعرف عنه أي شيء، حتى اسمه الحقيقي لا تعرفه، لا تعرف إلا أنه «أما» ذلك الشاب الطيب الوديع الذي يرتكب جريمة قتل من أجلها.
وهنا تلجأ روي إلى شيبا سان الذي لم تنقطع علاقتها الجسدية معه طوال الرواية، فيساعدها في البحث عن «أما» ويذهبا معا لإبلاغ الشرطة وإعطائها صورته ومواصفاته.
وبعد ذلك يتصل شيبا سان بروي ليخبرها أن الشرطة تريد منهما الذهاب إلى القسم للتعرف على جثة يشتبه أنها جثة «أما».
وتذهب روي لتجد أن الجثة جثة «أما» فعلا، ولكنها قد تحولت إلى جسد مشوّه بعد الاعتداء عليها بشدة لدرجة لا يمكن معها معرفة ملامح وجهه ولكنها تتعرف عليه من سمات جسده ومن الأقراط والوشم المميز له.
وتعرف بعد ذلك أنه تم الاعتداء عليه جنسيا قبل قتله.
وهنا تشك روي في أن شيبا سان هو الذي قتل «أما»، ليزيحه عن طريق زواجه منها.
ولكنها لا تملك الدليل ولا الشجاعة لتسأل شيبا سان عن ذلك.
وتنهي كانيهارا الرواية بشكل غامض فلا نعرف من قتل «أما» هل هو شيبا سان أم أصدقاء الشخص الذي قتله «أما» والذي يبدو أنهم أعضاء في عصابة من عصابات الجريمة المنظمة.
ولا ندري هل ستتزوج روي من شيبا سان كما عرض عليها الزواج، أم ستتركه وتعود إلى حياتها الهادئة قبل التعرف على الاثنين.
الرواية تمتاز بسلاسة وتلقائية شديدة في السرد بحيث تأخذ بتلابيب عقل القارئ فلا يتركها إلا وقد أنهاها في جلسة واحدة، ولا يستطيع التخلص من التفكير في محتواها بعد قراءتها كما قالت الراهبة العجوز والأديبة الأريبة جاكوتشو سيْتوأوتشي ذلك عن حق.
جائزة مستحقة
يقول الروائي الشهير ريو موراكامي عضو لجنة اختيار جائزة أكوتاغاوا العريقة إنه ظل الليلة التي سبقت اجتماع تقرير الجائزة يجهز الأسباب التي يقنع بها اللجنة بالموافقة على إعطاء الجائزة لرواية أقراط وثعابين، وظل يفكر في كيفية إقناع أعضاء اللجنة، وقد ظن أن الأغلبية ستعارض بشدة لما في الرواية من لغة جريئة تتناول حياة الشباب كما هي بدون تجميل وبعبارات صريحة وأحيانا بشكل خادش للحياء، ولكنه فوجئ بأن اللجنة قررت إعطاء كانيهارا الجائزة بالإجماع تقريبا ولم يعترض أحد، وبذلك لم يكن هناك أية فائدة لما حشده من وسائل الإقناع، فالرواية وحدها كانت كفيلة بإقناع جميع أعضاء اللجنة.
تعيش كانيهارا في باريس حاليا هي وابنتاها، بعد حدوث الزلزال الضخم في شرق وشمال اليابان وبعد حدوث انفجار إشعاعي في محطة «فوكوشيما دايئتشي»، خوفا على طفلتيها من خطر الإشعاع النووي.


* المصدر الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الإماراتية
http://www.alittihad.ae/details.php?id=76940&y=2014&article=full
 

السبت، 14 يونيو 2014

العراق وخطورة سقوط الموصل


العراق: خطورة سقوط الموصل

تأليف: كيكو ساكاي
ترجمة: ميسرة عفيفي

(البروفيسورة كيكو ساكاي ولدت في عام 1959، وتخرجت من جامعة طوكيو القومية، ثم حصلت على ماجستير من جامعة درهام البريطانية مركز أبحاث الشرق الأوسط والإسلام. عملت كباحثة في مركز أسيا للدراسات الاقتصادية، وأستاذة في جامعة طوكيو للغات الأجنبية، وتعمل حاليا كأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والقانون في جامعة تشيبا القومية. تعتبر البروفيسورة ساكاي أكثر اليابانيين معرفة وتخصصا في الحالة العراقية سياسيا واقتصاديا. عملت لفترة كباحثة في السفارة اليابانية في بغداد في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، ودرست لفترة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة كباحثة زائرة في منتصف التسعينات.)


بدأ - ما كنت أخاف وقوعه - يقع بالفعل.
الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) "ISIS"، شديدة التطرف - لدرجة قطع علاقتها مع تنظيم القاعدة نفسه - بدأت في اجتياح العراق ووضعت يدها على الموصل ثالث أكبر المدن العراقية. وكانت داعش قد أنشأت لها معاقل بالفعل في الفلوجة غرب العراق منذ بداية هذا العام، ودارت بينها وبين الجيش العراقي مناوشات ومعارك متكررة، ثم حاولت في بداية شهر يونية اجتياح مدينة سامراء التي تبعد حوالي 125 كيلومتر شمال بغداد، موسّعة بذلك من نطاق عملياتها القتالية بسرعة كبيرة. وفي العاشر من هذا الشهر وصل الأمر إلى سقوط مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى التي يوجد بها مقر المحافظة. وقد أحكمت الجماعات المسلحة التابعة لداعش سيطرتها على المراكز الحيوية في المدينة مثل مقر مجلس وبلدية المدينة والمطار. أما قوات الشرطة والجيش العراقيين، التي من المفترض أن تحمي المدينة فقد هرب جنودها بأجسادهم بعد أن خلعوا زيهم العسكري، وأما سكان الموصل المدنيين الذين فقدوا من يحميهم فقد حارت بهم السبل وهم يحاولون الهرب خارج حدود المدينة وحدود المحافظة. ويقال إن عدد النازحين المدنيين وصل إلى 450 ألف شخص. ولكن رغم ذلك إقليم الحكم الذاتي الكردي المجاور الذي اندفع إليه النازحين طلبا للأمان، أغلق أبوابه في وجوههم في محاولة مستميتة لتجنب التورط في الصراع.

بدء الوضع الأمني في العراق يزداد سوءا مع الوقت بعد جلاء قوات الاحتلال الأمريكي في عام 2011، ولكن منذ بداية هذا العام وصل متوسط عدد القتلى من المدنيين إلى حوالي 50 شخصا في اليوم الواحد. وبالمقارنة مع متوسط عدد القتلى في اليوم الواحد في عامي 2011 – 2012 - الذي كان حوالي 10 أشخاص - نجد أن عدد القتلى تضاعف خمسة مرات. علاوة على ذلك في الأسبوع الأول فقط من شهر يونية هذا، تخطى متوسط عدد القتلى حاجز الثمانين شخصا، وإذا استمر الحال على ذلك، فمن السهل توقع أن يعود الوضع القهقري إلى ما كان عليه بين عامي 2006 – 2007 حيث شهدت البلاد أسوء حرب أهلية في تاريخها والتي كان متوسط عدد القتلى في اليوم الواحد وقتها يفوق المئة شخص.

لماذا وصل الأمر إلى هذا الحال؟!
من المفترض أن رغبة الحكومة العراقية الجيش الأمريكي في إنهاء الحرب الأهلية واستخدامهما كل الوسائل المتاحة، قد أنهت بشكل كبير النشاطات القتالية لدولة العراق الإسلامية في عام 2008. ففي محافظتي الأنبار ونينوى غرب العراق حيث كانت الجماعات المسلحة تقاوم الجيش الأمريكي بشراسة، نجحت الحكومة في قطع الطريق على وجود أي علاقة تعاون بين المواطنين وبين الجماعات المسلحة من خلال دعم وتقوية الجماعات العشائرية المتعاونة مع الحكومة العراقية والتي أطلق عليها اسم مجالس الصحوة. تلك الطريقة في "استمالة قلوب المواطنين"، أُطلق عليها وقتها اسم "معادلة بتريوس"، لدرجة أن يقال عنها إنها أكثر الأمثلة نجاحا لإنهاء الجيش الأمريكي لحروبه.
ورغم ذلك، لماذا عادت الحرب الأهلية لتشتعل من جديد؟!
من الواضح جدا تأثّر العمليات القتالية في داخل العراق بنشاط الجماعات المسلحة في سوريا، لدرجة تسمية التنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ولكن الفشل الأكبر هو إضاعة الحكومة العراقية لقلوب المواطنين التي نجحت في استمالتها سابقا.

كان أحد سبل استمالة قلوب المواطنين هو توزيع حقائب وزارية على الفئات المهمشة البعيدة عن التيار الرئيس للسلطة الحاكمة، وكذلك خلق حالة وعي بضرورة المشاركة في العملية السياسية لدى السُنة الذين يشعرون بعدم الرضا من الوضع السائد. ظلت حكومة المالكي وحتى عام 2010 - أي حتى بداية فترة حكمه الثانية – تحافظ على مبدأ تقاسم السلطة من خلال إعطاء مناصب حكومية هامة للسياسيين الرئيسين من السُنة. ولكن بعد جلاء الجيش الأمريكي تبدّل الحال وبدأت عملية إبعاد السياسيين السنة واعتبارهم أعداء سياسيين.

ومن ضمن ذلك، ما حدث في عام 2012 - وسبّب أزمة سياسية كبرى - ألا وهو البدء في إبعاد رافع العيساوي وزير المالية المنتمي لمحافظة الأنبار. وكانت تلك القضية أحد أسباب عودة حالة انعدام الثقة في الحكومة لدى أهل الأنبار التي كانت قد هدأت وخفت حدتها. ولذا استمرت المظاهرات المعارضة للحكومة في محافظة الأنبار، وليس من الصعب تخيل قدرة مجموعات مسلحة من أتباع دولة العراق الإسلامية في بناء معاقل لها مرة أخرى في تلك المنطقة وسط الفوضى التي حدثت أثناء إخماد الحكومة العراقية للمظاهرات بعنف وصرامة.
حاولت الحكومة العراقية إعادة استخدام مجالس الصحوة مرة ثانية، تلك التي كان استخدامها في الماضي سببا في استمالة قلوب المواطنين، ولكن من الصعب جدا استعادة الثقة التي فقدتها مرة.

ولكن مقارنة بأحوال محافظة الأنبار تلك، فإن سقوط الموصل هذه المرة يشكل كارثة في منتهى الخطورة. والسبب أن سكان الموصل السنة ورغم وجود إحساس بالغبن وعدم الرضا تجاه الحكومة، إلا أنهم ظلوا مشاركين في العملية السياسية من خلال النظام النيابي والبرلمان. فبخلاف السياسيين السنة في محافظة الأنبار الذين تم إبعادهم، يوجد مثلا من السياسيين من أهل مدينة الموصل، أسامة النجيفي رئيس البرلمان الذي له قاعدة قوية في الموصل ويعتبر حاليا من أكثر السياسيين السنة تمتعا بتأييد الجماهير. لو افترضنا أن وقوع محافظة الأنبار في براثن الجماعات المسلحة هو نتيجة طرد سياسيّها من السلطة، فلم تكن الموصل في نفس الظروف. لو بدّلنا القول، فذلك يعني أن قوات دولة العراق الإسلامية المقاتلة أصبحت تملك قوة تجعلها قادرة على إخضاع مدينة كبرى بأكملها، رغم عدم وجود ثغرات تنفذ منها الجماعات المسلحة وتحصل على تأييد المواطنين.

ربما تكون الأوضاع قد أصبحت أكثر خطورة من حالة الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 2006 – 2007. والسبب أن ما يجري الآن ليس صراعا دينيا. ففي وقت الحرب الأهلية كانت توجد ضرورة لدى الجماعات المسلحة للانخراط وسط المواطنين، فقامت متعمدة بعمليات إرهابية عشوائية من أجل إشعال فتيل الصراع الديني. وتفجير ضريح الإمام العسكري في مدينة سامراء أحد الأماكن المقدسة للشيعة، يعتبر أشهر الأمثلة على ذلك. ولكن الذي يحدث حاليا عبارة عن عمليات عسكرية حقيقية لجيش شبه نظامي، وليست مجرد عمل أخرق لتحدي مشاعر الآخرين الدينية. أثناء مواجهة عمل أخرق يستفز مشاعر الصراع الديني، كانت توجد قدرة على التعامل معه بضبط النفس وعدم الانجرار وراء الاستفزاز. ولكن في مواجهة الهجوم الأخير مهما قام المواطنين بضبط النفس، فلن يكون لذلك أي فائدة.

بعد سيطرتها على الموصل والأنبار أصبحت دولة العراق الإسلامية، تطل على بغداد من غربها وشمالها. وأصبح يحيط بالعراق قلق محتواه أن كابوس سقوط بغداد في يد داعش، ربما لم يعد الآن مجرد كابوس.



الثلاثاء، 10 يونيو 2014

النزاع العرقي والطائفي، وكيفية حله


النزاع العرقي والطائفي، وكيفية حله

 

تأليف: د. هاجيمه يوشيكاوا – بروفيسور بجامعة صوفيا اليابان

 

ترجمة: ميسرة عفيفي

 

1-    حتمية تفادي النزاع العرقي

تؤول الدولة التي خاضت صراع عرقي بعد انتهاء النزاع العرقي فيها إلى طريقين مختلفتين.

 

l      في حالة البوسنة: تم تثبيت حالة التقسيم العرقي في داخل البوسنة (تقسيم أماكن السكن بين الأعراق الثلاثة المتنازعة في الدولة)، وبقيت تركيبة الصراع العرقي على ما كانت عليه سابقًا.

l      في حالة كوسوفو: أعلن الاستقلال وتم الانتهاء من التطهير العرقي. ولكن على اعتبار أنه أصبح من المستحيل الوصول إلى حالة من السلام مع الصرب المجاورين لهم، فإن الوضع لايزال غير مستقرا، ولازال النزاع العرقي على المستوى الدولي مستمرا.

 

يوجد في الدول الأوروبية نظام لحماية الأقليات. كما يوجد نظام لمراقبة تلك الحماية، ولأن هناك جاذبية في الانضمام إلى حلف الناتو أو إلى الاتحاد الأوربي لذا تم تحقيق التعايش بين الأعراق المتعددة وحماية الأقليات في الدول الأوربية. ولكن للأسف لا يوجد نظام كهذا النظام الدولي في بلدان أسيا والشرق الأوسط. فما أن تبدأ السياسات القائمة على أساس عرقي، حتى يصبح احتمال الوقوع في حرب أهلية لا تحمد عقباها على أساس العرق كبيرا للغاية.

إنه لمن الصعوبة بمكان العودة إلى نظام ديمقراطي طبيعي، بعد حدوث نزاع عرقي. بعد انتهاء الحرب الطائفية أو العرقية، تستمر داخل الدولة حالة التطهير والفصل العرقي وينتهي الأمر إلى الفصل التام بين الأعراق داخل الدولة الواحدة. ويتم تثبيت تركيبة الصراع والتناحر، حتى في إطار النظام الديمقراطي الحر على الطريقة الغربية.

 

السؤال هو: ما هي الإجراءات التي يجب القيام بها من أجل تجنب الوقوع في سياسة تقوم على الأساس العرقي؟

 

2-    السياسة العرقية والنزاع العرقي

إن عملية تغيير النظام السياسي تكون عملية صعبة ومليئة بالمتاعب. وغالبا ما يحدث تقهقر فيها. إذن كيف يمكن تلافي ذلك التقهقر؟ وخاصة في فترة الانتقال الديمقراطي لدولة بها تعدد عرقيات أو تعدد طوائف، خطورة الوقوع في "عرقنة" السياسة كبيرة للغاية. فعندما يقوم النظام الحاكم بمحاولة توحيد الدولة حول محور عرقي أو طائفي أو ديني، تصبح المجموعات الأخرى طرف منافس، ويتطور الأمر ليشكل خطورة على وجودهم من أساسه.

إن احتمال الوقوع في حرب أهلية في الدول التي مضى على تطبيق الديمقراطية فيها عشرة أعوام يكون أكبر بكثير من احتمال وقوعها في دولة لم يمض عليها سوى عام واحد في التجربة الديمقراطية. وهذا بسبب أن عملية انتخاب الرئيس أو رئيس الوزراء تصبح أكثر شفافية، وبازدياد المشاركة السياسية، ومن أجل المحافظة على الدعم الشعبي، يكون هناك اتجاه إلى رفع المبادئ العرقية والطائفية، وعندها تتوتر العلاقات مع البلدان المجاورة، ويصبح من السهل وصول الوضع إلى حالة الحرب.

إن الدولة التي تكون في فترة التحول إلى الديمقراطية، مقارنة بالدول المستقرة، تكون أكثر عدوانية وتتجه بسهولة إلى الحرب، وتكون فرص استخدام قوة السلاح كبيرة. إن احتمال حدوث حروب في البلدان التي في فترة التحول إلى الديمقراطية يكون ضعف احتمال حدوث الحروب في الدول الديكتاتورية.

إن عدم القدرة على التحكم في "الإثنية" السياسية هي الأزمة الكبرى في عملية التحول الديمقراطي.

 

3-    هل تطبيق النظام الفيدرالي هو الحل؟

في مراحل التحول الديمقراطي انهارت دول فيدرالية مثل الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا بسبب مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، كما أن كندا أيضا تواجه خطر التفكك. وفي سيريلانكا لم يتوقف "التاميل" عن تحيّن أي فرصة للانفصال. وافقوا على النظام الفيدرالي مرة، ولكن مطالبتهم بتوسيع سلطات حكمهم الذاتي كان سببا في عودة حالة النزاع من جديد. وقد رفضت مقدونيا النظام الفيدرالي وحققت حالة من التعايش بتوسيع سلطات الحكم الذاتي. وتشكيل جهاز الشرطة اعتمادا على نسب التوزيع العرقي في البلاد.

لماذا لا يستمر النظام الفيدرالي طويلا؟ السبب هو إنه في الدول الموحدة هناك ضرورة لتمازج ثقافي، وسيطرة الحكم الديمقراطي على الجيش، وتوحيد العلاقات الخارجية، ومساواة في التقدم الاقتصادي، لكن في حالة النظام الفيدرالي فإنه:

      بسبب الاستقلال الثقافي والتعليمي، يقوم كل إقليم بتقوية هوية الإقليم المتعلقة بالعرق أو الطائفة.

      بسبب استقلال هيئات الجيش والشرطة تضعف سلطة الحكومة المركزية وتفقد السيطرة عليهما.

      بسبب الفوارق بين الأقاليم، تقوى الرغبة في الانفصال لدى حكومات الأقاليم الغنية بالموارد.

 

4-    هل يتحقق الاستقرار من خلال عملية اقتسام السلطات؟

أحد أشكال النظام الديمقراطي لدولة تقر بوجود مجموعات عرقية وطائفية متنازعة، هو تقسيم السلطات بينها. نظام تقاسم السلطات هو نظام يضمن للجماعات العرقية والأقليات الاشتراك كمجموعة عرقية أو كأقلية في تشكيلة الحكومة بموجب الدستور. وهو أحد الخيارات القليلة التي يتم التفكير في تنفيذها على الفور، في الدول التي لا زالت تركيبة الصراع العرقي والطائفي فيها ساخنة. الحل بواسطة تطبيق نظام تقاسم السلطات هو الحل المناسب للمجتمع الذي يواجه خطر الانقسام والتحارب.

هناك أربعة طرق لتطبيق هذا النظام.

الطريقة الأولى: طريقة الائتلاف الكبير (مثل البوسنة)، التي يتم فيها تداول مناصب الحكومة والرئاسة، وأيضا كبرى الوظائف الحكومية بالتبادل بين الأعراق المختلفة كل فترة.

الطريقة الثانية: هي الفصل الكامل للأعراق والطوائف وإعطاء كل منها حكما ذاتيا مطلقا.

الطريقة الثالثة: اشتراك الأعراق أو الطوائف في العملية السياسية وتوزيع المناصب عليها حسب تعداد سكان كل منها (مثل لبنان).

الطريقة الرابعة والأخيرة: إعطاء الأقليات حق النقض أو الفيتو في القرارات المصيرية الهامة.

 

5-    الخلاصة

إن أوضاع العالم تتغير بشكل دائم. ولقد انتهى عصر إعطاء العرقيات حق تقرير المصير. ولن يكون هناك على الأرجح استقلال على أساس عرقي. حركات التحرر القومي التي لاقت تأييدا في الماضي يتم تصنيفها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 على أنها حركات إرهاب دولية.

هناك الآن اتجاه عالمي نحو "الدمقرطة"، وتجريم سياسات الهضم والامتصاص. وأصبح لا بديل عن التعايش بين الثقافات المختلفة.

بعد انتهاء النزاع العرقي أو الطائفي تكون شرعية الحكم ضعيفة، كيف يمكن بناء دولة مستقرة، من حطام دولة لا يملك مواطنيها شعورا بالوحدة والانسجام؟ في حالة إجراء انتخابات حرة، فإنه من الواضح أنها ستصب في صالح الأكثرية العرقية في الدولة. وعندها كيف يتم الاحتفاظ بالتوازن في المشاركة السياسية بين الأكثرية العرقية والأقليات؟ المجتمع الذي ينقسم فيه المواطنون إلى تكتلات، يدور فيه الناقش حول القضايا المركزية مثل الفيدرالية والحكم الذاتي بالإضافة إلى تقاسم السلطات.

 

-        الحل يتلخص في حتمية تجنب الصراع والنزاع العرقي والطائفي. ورغم أنه لا توجد وسيلة مؤكدة للتحصن ضد الوقوع في الحرب الأهلية، إلا أنه يوجد أمثلة لحلول سابقة تم اللجوء إليها مثل:

-        في الجانب السياسي: تطبيق نظام الحكم الذاتي، والانتظار حتى تنضج الأحزاب الوطنية (التي لا تقوم على أساس عرقي أو طائفي).

-        في الجانب الثقافي: تطبيق مبكر لمبدأ تعدد الثقافات الذي يحترم تقاليد وثقافات ولغات الجميع، بالإضافة إلى توحيد مناهج التعليم (وبصفة خاصة مناهج التاريخ).

-        تشجيع الشراكة الثقافية من خلال توحيد وسائل الإعلام، (مما يؤدي إلى تمازج انسجام جميع المواطنين).

-        الجانب الأمني: من الأفضل تعيين رجال الشرطة لكل إقاليم بحسب عدد سكان كل طائفة أو عرق فيه.