بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 أبريل 2016

ابن رشد واليابان - تأثير غير مباشر


ابن رشد واليابان

 

ميسرة عفيفي

 

تمثل العلاقة بين اليابان والثقافة العربية الإسلامية إحدى العجائب. فبرغم أن العرب نشروا الإسلام في ربوع الدنيا ووصلوا إلى أغلب أصقاع الأرض، حتى أنه توجد دراسات حديثة تشير إلى عبور المسلمين للمحيط الأطلنطي في وقت مبكّر وأن الهنود الحمر سكان الأمريكتين الأصليين كان بينهم مسلمين، وبالرغم من وصول الإسلام إلى الصين، وسيطرة المسلمين تماما على البحار في العصور الوسطى، بدليل أن من أرشد فاسكو داجاما وماجلان عبر البحار والمحيطات بحارة مسلمون، رغم كل ذلك لا يوجد أي ما يشير إلى وصول العرب أو المسلمين إلى اليابان قبل نهاية القرن التاسع عشر. ورغم أن طريق الحرير التي كانت تصل قلب العالم الإسلامي بشرق أسيا كانت محطتها النهائية هي مدينة كيوتو؛ عاصمة اليابان القديمة لأكثر من ألف عام، وكانت كيوتو أبرع الأماكن في صناعة الحرير الذي سُمِّيَت الطريق باسمه، ولكن يبدو أن الجزء الأخير من رحلة طريق الحرير كان يقتصر على العلاقة بين الصين واليابان. فيبدو أن التجار العرب والمسلمين لم يكونوا بحاجة إلى الذهاب بنفسهم إلى كيوتو أو أي من مدن اليابان، واستكشاف تلك الإمبراطورية الغامضة التي تضرب أصولها في عمق التاريخ لأكثر من ألفي عام، وتلك عجيبة من العجائب. فرغم حرص المسلمون الأوائل على الذهاب إلى آخر الدنيا لتبليغ رسالة الإسلام، إلا أنه لا يوجد أي ما يشير إلى وصولهم اليابان قبل العصر الحديث، ورغم أن المبشرين المسيحيين كانوا هم السباقين في الوصول إلى اليابان إلا أن حتى المسيحية لم تصل إلى اليابان إلا على يد المبشر البرتغالي فرانشيسكو دي خافيير في منتصف القرن السادس عشر ميلادي.

ولم يحقق دي خافيير أية نجاحات في التأثير على اليابانيين وجعلهم يتخلون عن ثقافتهم وأديانهم بل على العكس جعلت نجاحاته البسيطة الدولة اليابانية والحكومية العسكرية تقوم بحملة شعواء على الأجانب ومن تنصّر من اليابانيين وتبيدهم عن آخرهم، بل وقررت حكومة توكوغاوا العسكرية تطبيق سياسة انغلاق كاملة ومنع دخول وخروج البشر من وإلى اليابان على مدى ما يقرب من ثلاثة قرون لحماية نفسها من الغزو الفكري والثقافي. ولم تنفتح اليابان مرة أخرى على العالم إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وكان ذلك بعد إجبارها على الانفتاح بقوة السلاح؛ ممثلة في الأسطول الأمريكي الذي اقتحم موانئ اليابان وأجبرها عنوة على اتفاقية تبادل تجاري تمكن السفن الأمريكية من دخول اليابان.

القصد من هذا الشرح المبسط هو إيضاح أن تأثير العرب والمسلمين على اليابان كان منعدما تقريبا ولم يبدأ التلاقي إلا مع بداية عصر التحديث في اليابان بنهاية القرن التاسع عشر.

لذا فتأثير ابن رشد وغيره من العلماء والفلاسفة العرب والمسلمين على اليابان بدأ في مرحلة التحديث في اليابان بنهاية القرن التاسع عشر وخاصة من خلال الغرب.

ولقد بدأت الدراسات الخاصة بابن رشد مع البروفيسور تشيساتو تاناكا (1924 – 1998) الأستاذ بجامعة كينكي في غرب اليابان، والذي يعتبر أول وأشهر من بحث في فلسفة ابن رشد وقدمه للقارئ الياباني. فبعد تاريخ طويل من البحث أصدر البروفيسور تاناكا كتابه المميز "الثقافة الإسلامية وغرب أوروبا: دارسة في فكر ابن رشد" في عام 1991، وكان قبل ذلك قد نشر كتابه "نشر الدين والعلم - أوروبا في العصور الوسطى والشرق الإسلامي" عام 1962. وكذلك ترجم تاناكا كتاب "تهافت التهافت" الذي كتبه ابن رشد ردا على كتاب أبي حامد الغزالي "تهافت الفلاسفة"؛ وصدرت ترجمة الكتاب عام 1996 من دار نشر كينداي بونغيشا. ولكن الملاحظ أن تاناكا لم يكن يعرف اللغة العربية واعتمدت أبحاثه ودراسته على اللغات الأوروبية وخاصة اللاتينية والإنجليزية. ومما يذكر أيضا أن تاناكا كان مسيحيا بروتستانتيا، مثل أبيه، إلا أنه بعد تخصصه في فكر ابن رشد بدأ يتشكك في إيمانه المسيحي، ويتجادل كثيرا مع قسيس كنيسته حول عقيدة الثالوث ويقول له إنها غير مذكورة في الأناجيل المختلفة.

أما عن تأثير ابن رشد في المجال الأدبي؛ فيعتبر الروائي الياباني المعاصر كيئتشيرو هيرانو المولود عام 1975، أحد أبرز المتأثرين بابن رشد من أدباء اليابان. حيث اعتمد بشكل كبير على حقيقة وجود فكر ابن رشد والفلسفة الرشدية في أوروبا في العصور الوسطى في كتابة أولى روايته "الكسوف" التي نُشرت عام 1998 في اليابان وحازت على جائزة أكوتاغاوا المرموقة في عام 1999 (صدرت الترجمة العربية عن المركز القومي للترجمة بمصر في ديسمبر من عام 2015) وتدور أحداثها حول الصراع الفكري الذي كانت كتابات ابن رشد وغيره من الفلاسفة المسلمين أحد أسبابه، وتأثر أغلب فلاسفة ومفكري أوروبا بها ومنهم توماس الأكويني، الذي يتخذه بطل الرواية الراهب الكاثوليكي نيقولا قدوة له في محاولته إخضاع كتابات "الأغيار" وعِلْمهم للاهوت المسيحي بعد دحض ما بها من أفكار تتناقض مع الفكر المسيحي. ويحشد هيرانو في صلب روايته عددا كبيرا من الفلاسفة والعلماء الغربيين الذين تأثروا بالفكر والفلسفة الرشدية ويذكر كذلك بعض الكتب العربية التي تُرجمت للغات أوروبية خاصة اللاتينية ومن ضمنها كتب ابن رشد التي نقل فيها فلسفة أرسطو للغرب مع تعليقاته عليها.

يمثل هذان المثالان اللذين أوردناهما التأثير المباشر لابن رشد في الثقافة اليابانية وغنى عن الذكر أنه يوجد بشكل أكبر من هذا بكثير تأثير غير مباشر خاصة؛ غير الواعي منه، من خلال التأثر بالكتابات الغربية التي تأثرت بابن رشد وفكره وفلسفته.

يذكر كذلك أن أكثر فيلم عربي لقى إقبالا حين عُرض في قاعات السينما اليابانية هو فيلم "المصير" للمخرج المصري يوسف شاهين وعُرض تحت اسم ياباني هو "لهيب الأندلس"، ولا يخفى أن سبب نجاح الفيلم هو موضوعه وأنه يحكي حياة ابن رشد وفكره الفلسفي، وإن كان الفيلم يُطعّم ذلك بالموضوع الأكثر إلحاحا في العالم وهو علاقة الإسلام بالإرهاب ورفض اختطاف المجموعات الإرهابية للإسلام والتحدث باسمه.

 

السبت، 27 يونيو 2015

انتحار الأدباء في اليابان ظاهرة محيرة

انتحار الأدباء في اليابان
ظاهرة محيرة

بقلم: ميسرة عفيفي

كنا في جلسة من جلسات جماعة إييداباشي الأدبية (التي دعا لإنشائها الأديب الشاب كيئتشيرو هيرانو عام 2012 وتتكون من نخبة من أفضل الأدباء الشبان في اليابان مع عدد من أساتذة الأدب في الجامعات اليابانية وعدد من مترجمي الأدب من لغات عدة)، فقال الروائي الشاب فومينوري ناكامورا فجأة: "لقد تخطيت الأديب ريونوسكيه أكوتاغاوا، وهدفي القادم هو تخطي الأديب أوسامو دازاي."
تعجّبنا جميعا من قوله هذا وجرائته في إعلان هذا الرأي، فرغم علمنا بموهبته وتميّزه الأدبي إلا أنه لا يوجد من يعتقد أنه يتخطى هذين العملاقين بهذه السهولة وحتى لو كان هو يعتقد أنه يتفوق عليهما، فلا يعقل أن يقول ذلك أمام أعضاء جماعة أدبية تضم عدد من أفضل أدباء اليابان الشباب بالإضافة إلى عدد من أساتذة الأدب في أعرق الجامعات اليابانية وكذلك عدد من مترجمي الأدب سواء يابانيين أو أجانب.
وعندما وجد ناكامورا الجميع قد أصابهم الوجم وظلوا حائرين في كيفية تقبّل هذا الرأي والرد عليه، ضحك في استمتاع وبدأ يشرح لنا ماذا يعني بكلامه. فقد كان ناكامورا المولود في الثاني من شهر سبتمبر عام 1977، قد بلغ السادسة والثلاثين من العمر عندما تحدث بهذا الحديث، وكان يعني أنه تخطى سن الخامسة والثلاثين التي انتحر فيها الأديب العملاق ريونوسكيه أكوتاغاوا، دون أن ينتحر مثله، وأنه حاليا يستمد الرغبة في الحياة من خلال الاعتقاد أنه ببلوغ سن التاسعة والثلاثين فأنه سيتخطى الأديب أوسامو دازاي الذي أقدم على الانتحار في عمر الثامنة والثلاثين. حتى لو كان التفوّق عليهما لا يعتدى الاستمرار في هذه الحياة دون الإقدام على الانتحار وإنهاء حياته بيده.
قلتُ له: "ولكن بعد أوسامو دازاي سيكون عليك الصبر مدة أطول حتى تستطيع تخطي يوكيو ميشيما الذي انتحر في الخامسة والأربعين من عمره، أليس كذلك؟" ضحك صديقي ناكامورا وقال: "حقا هو كذلك، ولكن يا لها من متعة ويا له من مجد لو استطعت التفوّق على ميشيما وتخطيه." وللعلم فهؤلاء الأدباء الثلاثة بالذات هم أول من يذكرهم ناكامورا من الأدباء الذين يحبهم وتأثر بهم خلال مسيرته الأدبية.
بالطبع كان الحديث من بدايته لنهايته مجرد مزاح من هذا الأديب الشاب، ولكن بسببه تطرق الحديث بعد ذلك إلى ظاهرة انتحار الأدباء والمشاهير في اليابان بكثرة لدرجة أن توجد صفحة ضخمة في موقع ويكيبيديا باللغة اليابانية عن المشاهير من الأدباء والفنانين والسياسيين ... إلخ، الذين أنهوا حياتهم بأيديهم، وتشكل ظاهرة ربما تنفرد بها اليابان خاصة في العصر الحديث. وربما يحبذ الرجوع إلى مقال كاتب هذه السطور الذي كتبه منذ سنوات بعنوان "اليابان وثقافة الانتحار" وهو متوفر على شبكة الإنترنت لمعرفة نظرة اليابانيين للانتحار. ولكن هذا المقال نخصصه لألقاء نظرة على هؤلاء المشاهير الذين سعوا للانتحار.
عند دراسة قائمة المنتحرين من مشاهير اليابانيين والذي بلغ عددهم حوالي خمسمئة شخص، أصغرهم هو ماسافومي أوكا الذي انتحر عام 1975 وهو في الثانية عشر من عمره وبعد موته نُشرت أعماله الشعرية تحت عنوان "أنا عمري 12 سنة"، وتحولت بعض قصائده إلى أغاني وتم تحويل محتوي الكتاب إلى مسلسل تلفزيوني. وأكبرهم سنا هو دانزو إيتشيكاوا ممثل الكابوكي الذي انتحر عام 1965 وهو في الرابعة والثمانين من العمر بعد اعتزاله، نجد عدة ملاحظات جديرة بالاهتمام منها: أولا نسبة عدد النساء المنتحرات قليل للغاية مقارنة بالرجال فعددهن لم يتجاوز نسبة 13% من المجموع الكلي للمنتحرين، فهل هذا يدل على قوة المرأة النفسية والمعنوية وتحملها لمتاعب هذه الحياة؟ وربما يكون السبب هو أن المرأة منبع الحياة وهي التي جعلها الله تعالي وعاءً لتلك الحياة وسبيل ميلادها، فهي بذلك تدرك أكثر من الرجل بكثير قيمة الحياة الإنسانية وقيمة الروح التي وهبها الله للبشر. ولكن هناك من يقول العكس، أي أن الانتحار في حد ذاته يحتاج إلى عزيمة قوية وإنه عمل يعتبر ثورة على الفطرة الإنسانية ولذا فهو قرار لا يقدر عليه إلا الرجل بحكم تركيبة عقله التي تنحو تجاه السيطرة على عواطفه وتحدي القيم والمعايير المتعارف عليها مجتمعيا وأخلاقيا ودينيا. والمرأة بحكم سيطرة العاطفة عليها فهي تفشل في النهاية في أخذ هذا القرار المصيري بإنهاء حياتها.
والملاحظة الثانية هي أنه مع تنوّع الوظائف التي يعمل بها هؤلاء المنتحرون المشاهير إلا أن النظر لهذه القائمة نجد طغيان نسبة عدد الأدباء والفنانين في القمة بنسبة حوالي 40% يليهم السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال بنسبة حوالي 30% ليس بينهم امرأة واحد، وقلة عدد الرياضيين حيث شكلوا نسبة أقل من 6% وعدد النساء بينهم ثلاثة نساء فقط.
وهناك ملاحظة أخرى وهي وجود عائلات تكثر فيها حالات الانتحار، فمثلا الممثل هيرويوكي أوكيتا انتحر هو وأخوه الأكبر وأبوه وجده لأبيه، بالطبع كل في وقت مختلف.
الملاحظة الأخيرة هي أن أكثر وسيلة مستخدمة في الانتحار بين مشاهير المنتحرين في اليابان، هي شنق الرقبة بحبل، يليها القذف من مكان عالي الارتفاع، ثم الأسلحة النارية ويلي ذلك القذف أمام قطار مسرع، وأخيرا استخدام آلة حادة ومنها الهاراكيري.

أما الأدباء وهم هدف هذا المقال فتبلغ نسبتهم حوالي 10% من إجمالي عدد مشاهير المنتحرين في اليابان في العصر الحديث وحتى الآن (يبدأ العصر الحديث في اليابان من عصر الإمبراطور ميجي إمبراطور ثورة الإصلاح التي أنهت حكم الساموراي أو المحاربين الإقطاعيين وأسست حكومة حديثة على الطريقة الغربية، وكان ذلك في عام 1868 ميلادية). وهم يتوزعون بين أدباء وشعراء وصحافيين وكتاب، أصغرهم كما ذكرت انتحر وعمره 12 وهو ماسافومي أوكا، ولم يعرف سبب انتحاره حتى الآن.

لكن أول المنتحرين في العصر الحديث هو الشاعر والناقد والفيلسوف توكوكو كيتامورا واسمه الحقيقي مونتارو كيتامورا، ولد في مدينة أوداوارا بمحافظة كاناجاوا في العام الأول من عصر ميجي (1868) لأسرة عريقة من أسر الساموراي التي سقطت مع سقوط الحكومة العسكرية لأسرة توكوغاوا، فانتقل مع أبويه للعيش في طوكيو في منطقة سوكيا التي يقال إن الاسم الذي اتخذه له للكتابة (توكوكو) مأخوذ من اسم تلك المنطقة لكنه غيره من سوكيا إلى النطق الصيني توكوكو. وقد شارك كيتامورا في بداية حياته في حركة الحريات والحقوق المدنية ولكنه تركها بعد اكتشافه تكالب رجالها على السلطة ومحاولة فريق منهم التخطيط لسرقة أحد البنوك من أجل تمويل الحركة. وعندما بلغ التاسعة عشر من عمره تعمّد كمسيحي، وفي نفس العام تزوج من مينا إيشيزاكا. بعد تركه السياسة وتحوله لشاعر أصبح من رواد الحركة الرومانسية في اليابان وتأثر به كل الشعراء والأدباء الرومانسيون اليابانيون الذين جاءوا بعده. انتحر كيتامورا عام 1898 وهو في الخامسة والعشرين من عمره بشنق نفسه على شجرة في حدائق شيبا بوسط العاصمة طوكيو دون أن يُعرف سبب انتحاره.

ثم يأتي بعد ذلك الأديب ريونوسكيه أكوتاغاوا الذي انتحر عام 1927 وهو في عمر 35 عام، فقد ولد أكوتاغاوا في عام 1892 ودرس في جامعة طوكيو الإمبراطورية وتخرج في تخصص الأدب الإنجليزي. اشتهر بقصته القصيرة "راشومون" التي حولها المخرج الياباني الشهير أكيرا كوروساوا إلى فيلم سينمائي في عام 1950 بعد أن دمجها مع قصة أخرى لأكوتاغاوا وهي قصة "في غابة" أو "في علم الغيب" "yabu no naka" ويحصل الفيلم على الجائزة الذهبية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي وجائزة الأوسكار التقديرية ليكون أول فيلم ياباني يصل إلى هذه الدرجة من العالمية ويكون سببا في شهرة كوروساوا في جميع أنحاء العالم.
لا يُعرف على الأرجح سبب انتحار أكوتاغاوا، غير ما قاله هو بسبب قلق غامض من المستقبل وكان قد حاول الانتحار في نفس العام مع سكرتيرته الخاصة ولكن فشل في تحقيق ذلك. بعد رحيله بثمان سنوات أسس صديقه الصدوق "كان كيكوتشي" صاحب مجلة "بونغيه شونجو" جائزة أدبية باسمه لتصبح أشهر جائزة أدبية في اليابان حاليا.

يأتي بعد أكوتاغاوا، الأديب أوسامو دازاي الذي انتحر بإلقاء نفسه في نهر تاماغاوا مع عشيقته. ولد دازاي في عام 1909 كابن لأحد أكابر ملاك الأراضي في محافظة أوموري شمال اليابان. بدأ دازاي محاولات انتحاره الكثيرة وهو في العشرين من عمره ببلع كمية من الأدوية المنوّمة، ولكنه فشل في الوصول إلى مراده، ثم حاول مرة ثانية في عام 1930 وهذه المرة مع حبيبة له في الثامنة عشر من العمر كانت تعمل عاملة في مقهى وذلك بالدخول إلى عمق المحيط في محافظة كاناغاوا، ولكنه ينجو من الموت بعد أن ماتت حبيبته غرقا. وبعد أن أصبح كاتب وبدأ نشر قصصه في المجلات الأدبية المشهورة حاول مرة ثالثة الانتحار بعد أن فشل في الحصول على وظيفة في جريدة مياكو أو العاصمة. بعد ذلك كرر محاولات الانتحار الفاشلة، ثم في عام 1948 رمي بنفسه في أعماق نهر تاماغاوا مع إحدى عشيقاته اسمها توميئه يامازاكي ليتم اكتشاف جثتيهما بعد ستة أيام.

يأتي بعد دازاي، الأديب الأريب ونابغة اليابان يوكيو ميشيما الذي انتحر في 25 نوفمبر من عام 1970 عندما توجه مع أربعة من أعضاء جماعته "جماعة الدرع" بزيهم العسكري إلى مقر قوات الدفاع الذاتي اليابانية في إيتشيغايا بوسط طوكيو بعد أن أخذوا موعدا مع القائد العام للقوات، وأثناء لقائهم مع القائد العام قام ميشيما ورفاقه بأخذه كرهينة، وطالبوا بجمع كل أفراد قوات الدفاع الذاتي الموجودين في المقر ليلقي عليهم ميشيما خطابه الذي أعده لهم لكي يحثهم على الثورة والانقلاب ضد الوضع الحالي وتغيير الدستور لكي يتم إعادة كل السلطات للإمبراطور ولكي تعود قوات الدفاع إلى ما كانت عليه من جيش قوي يحمي البلاد. ولكن لم يستطع ميشيما خلال عشرين دقيقة تقريبا من حديثه لهم من فوق شرفة غرفة القائد العام إقناع الجنود بأي شيء وسط تذمرهم وشوشرتهم على حديثه وعدم سماعهم لما يقوله بسبب عدم استخدامه مكبرا للصوت ووجود طائرات هيلوكوبتر تابعة لوسائل الإعلام تحوم فوق المكان. يئس ميشيما من الجنود فعاد إلى غرفة القائد العام لينهي حياته بنفسه بطريقة الهاراكيري المقدسة ببقر بطنه بخنجر صغير وليطير مساعده المخلص رأسه من على جسده في ذات اللحظة.


ثم ننهي قائمة الأدباء المنتحرين في اليابان بأديب نوبل ياسوناري كاواباتا، الذي وُجد في عام 1972 ميتا في غرفته بمدينة إيزو، ويعتقد أنه انتحر بالغاز وهو في الثانية والسبعين من عمره رغم وصوله إلى أعلى قمم الأدب العالمي وتتويجه بالجائزة الأدبية الأرفع في العالم. ولكنه لم يترك خطابا يدل على انتحاره كعادة المنتحرين اليابانيين الذين يترك رسالة للأحياء توضح انتحارهم وسببه.

الجمعة، 19 يونيو 2015

هاروكي موراكامي يفتتح موقعا للتواصل مع قرائه والرد على أسئلتهم

هاروكي موراكامي يفتتح موقعا للتواصل مع قرائه والرد على أسئلتهم

ميسرة عفيفي

في السادس عشر من شهر يناير لهذا العام افتتحت شركة شينتشوشا للنشر موقعا إلكترونيا خاصا بالأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي (66 سنة) يقوم بالتواصل بشكل مباشر مع القراء من خلال الرد على أسئلتهم واستفساراتهم بل والرد كذلك على استشاراتهم عن الحياة وكيفية مواجهة ما يقابلهم من فشل أو معاناة أو مصاعب.
وخلال أربعة أيام وصل للموقع أكثر من 10,000 رسالة، زادت إلى 15,000 بعد أسبوع واحد من بداية الموقع. والجديد هو أسلوب هذا الأديب العالمي في الرد حيث يمزج الجد بالمزاح والفكر والفلسفة بالفن والرياضة وحياته الشخصية بمكانته الأدبية في خليط بديع يعبر عن عصارة حياة هذا الأديب الكبير.
فمثلا ردا على أحد القراء الذي كتب إنه ليس لديه سؤال محدد ولكنه عزم على استهدف أن يكون أول السائلين، لذا استغل انتهائه من الفصل الدراسي الأخير وجلس بالساعات أمام الحاسوب انتظارا لموعد توجيه الأسئلة بعد الإعلان عن افتتاح الموقع، رد عليه موراكامي "حظك سيئ يا مسكين! للأسف كنت رقم عشرين تقريبا، ولكن لا تحزن فهو رقم جيد على أي حال ويعتبر في المقدمة. تهنئتي لك بانتهاء الفصل الدراسي."
ولكن عندما يُسئل موراكامي عن جائزة نوبل للآداب ومشاعره وهو يُرشح لها كل عام تقريبا، يتكلم بمنتهى الجدية ويُعرب عن عدم سروره بذلك قائلا: "هذا الأمر يزعجني بشدة. لأن الترشيح لا يستند على أي أساس كأن يكون هناك قائمة معلنة طويلة أو قصيرة للمرشحين مثل ما يحدث في جوائز أخرى. ولكن الأمر لا يعدو إلا أن يكون استباق من الناشرين وحيلة رخيصة منهم لزيادة مبيعات الكتب فقط لا غير. وفي النهاية أنا لست فرس في سباق ليتراهن الناس على فوزي بالجائزة". وهنا تدخل قارئ آخر وقال لموراكامي إنه يشعر بمدى معاناته في تلك الأيام التي تسبق الإعلام عن الجائزة والأيام التي تليها، لدرجة أنه يتخيل موراكامي وهو يلعن اليوم الذي قرر فيه ألفرد نوبل تخصص جائزة من جوائزه للآداب، وتمنى لو اكتفى فقط بجوائز الطلب والعلوم إلخ، ثم اقترح عليه أن يعلن رفضه لقبول الجائزة حتى لو اختير لها ليريح نفسه من هذا العناء، وردا على هذا الرأي أعلن موراكامي رفضه للفكرة وقال إن سبب رفضه لذلك هو أنه يوجد في هذا العالم من لا يستطيع إصدار حكم على شيء أو شخص إلا بمقاييس مادية ملموسة مثل مقدار المبيعات أو الحصول على الجوائز، وإنه شخصيا لا يستطيع أن يمنع هذا التفكير عن الناس، رغم أن الأدب في أساسه هو محاولة لإيجاد مقاييس وقيم معنوية أكثر منها مادية ملموسة، وهذا هو أصل المشكلة، على حسب تعبير موراكامي.

مثلا إحدى المحبين له أرسلت له رجاء أن يختار لها اسما لمولودها الذي على وشك المجيء فهي لا ترى في بالها إلا اسم هاروكي وتريد منه أن يقترح لها اسما قريبا منه فيقول لها إنه لا يخطر على باله إلا اسم هاروكيتشي وهو اسم ربما يكون عتيقا من أسماء القدماء ولذا نصحها بعدم الاستماع إليه وتسمية الطفل اسما آخر تختاره هي ويكون اسما محبوبا.

وبالطبع لأن الإنترنت مجاله واسع ومفتوح على العالم أجمع فلم تقتصر الأسئلة على اللغة اليابانية فقط بل يوجد عدد من السائلين من غير اليابانيين الذين يسألون موراكامي باللغة الإنجليزية ويقوم بالرد عليهم باللغة الإنجليزية (موراكامي بدأ حياته الأدبية مترجما متخصصا في ترجمة الأدب الأمريكي إلى اللغة اليابانية). 
وهناك سؤال آخر باللغة الصينية التي تختلف تماما عن اللغة اليابانية وإن كانت الرموز التي يكتب بها قريبة إلا أن موراكامي اعتذر للسائل وقال له إنه لا يستطيع فهم اللغة الصينية ولا فهم ما يحاول قوله رغم فهمه لبعض الكلمات المكتوبة بالرموز الصينية.

وقد صدر موراكامي الموقع بتحية للقراء يخبرهم فيها أنه يقوم بقراءة رسائلهم وأسئلتهم بنفسه ويرد عليها بنفسه فلذا يعتذر لو تأخر في الرد ويشير إلى أنه سيرد على نفس السؤال المكرر مرة واحدة لشخص واحد فقط، ويطلب من القراء الرأفة بعينيه في أن يجعلوا أسئلتهم واضحة وجملها قصيرة بقدر الإمكان. 

الموقع مقسّم إلى أربع أقسام حسب نوع الأسئلة القسم الأول هو أسئلة أو استشارات موجهة لموراكامي كي يرد عليها، والنوع الثاني هو مجرد انطباع أو رأي للقراء يريد مشاركته مع موراكامي، النوع الثالث بعنوان مكان أحب ومكان أكرهه، أما النوع الأخير فهو يتعلق بهوايات موراكامي المشهورة وهي حبه للرياضة وخاصة البيسبول وفريق "ياكولت سوالوز" (Yakult Swallows) ورياضة الجري والماراثون، ثم حبه اللا متناهي للقطط وتربيتها.

وهذا هو رابط الموقع


هامش:
هاروكي موراكامي أشهر أديب ياباني على قيد الحياة ومن أوسع أدباء العالم انتشارا، ويقال إنه أكثر الأدباء قربا من الحصول على جائزة نوبل التي يرشح لها كل عام تقريبا في السنوات الأخيرة.. 
ولد موراكامي عام 1949 في مدينة كيوتو العتيقة ولكنه انتقل مبكرا للعيش في مدنية كوبيه القريبة منها مع والديه اللذين كانا يعملان في تدريس اللغة اليابانية في مدرسة أهلية متوسطة. وبتأثير منهما أصبح موراكامي محبا للقراءة يقضي أغلب وقته في التهام الكتب. دخل موراكامي في عام 1968 جامعة واسيدا الشهيرة التي تعتبر من أفضل الجامعات في اليابان، لدراسة الأدب ولكنه عمل أثناء دراسته في الجامعة كعامل بار في أحد نوادي موسيقى الجاز الليلية في طوكيو. ثم تزوج في عام 1971 من زميلة له في الدراسة وشاركها في امتلاك بار متخصص في موسيقى الجاز وهما مازالا يدرسان في الجامعة مما جعله لا يتخرج من الجامعة إلا في عام 1975 بعد قضاء سبع سنوات فيها، وهو أمر نادر في اليابان. يشتهر موراكامي في اليابان بكرهه للظهور في وسائل الإعلام وعدم حبه للحديث عن نفسه أو كشف حياته الشخصية للعامة من خلال وسائل الإعلام المختلفة. ويفسر موراكامي ذلك بقوله إنه أثناء عمله في البار، تحدث مع بشر عديدين أحاديث كثيرة للغاية تكفيه لبقية حياته. ولكن في مقابل ذلك يسهب موراكامي في الحديث لوسائل الإعلام الأجنبية، وينشط في تسويق نفسه عالميا..
بدأ موراكامي الكتابة الأدبية متأخرا نوعا ما، إذ أنه كان في الثلاثين من العمر عندما نُشر له أول عمل روائي وهو "استمع لأغنية الريح". ويقول موراكامي إنه فكر صدفة في كتابة الروايات أثناء مشاهدته لمباراة في لعبة البيسبول بملعب جينغوو القريب من البار الذي كان يملكه..
حقق موراكامي شهرته المدوية من خلال رواية "الغابة النرويجية" التي باعت في اليابان فقط ما يقرب من خمسة ملايين نسخة. ثم توالت أعماله الروائية التي ما أن تصدر حتى تتصدر قائمة المبيعات وتترجم للغات عدة من لغات العالم الحية.
أصدر موراكامي أحدث رواية له في شهر أبريل من عام 2013 باسم "تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه" (صدرت العام الماضي الترجمة الإنجليزية لها من دار كنوبف الأمريكية للنشر) وكما هي العادة في روايات موراكامي أثارت ضجة داخليا وعالميا إذ أنها في اليابان احتلت قائمة أفضل المبيعات لجميع أنواع الكتب في العام التي صدرت فيه رغم أنها صدرت في الشهر الرابع من العام، وترجمت حتى الآن إلى سبعة عشر لغة من لغات العالم المختلفة ولكنها لم تترجم حتى الآن للغة العربية.


الثلاثاء، 16 يونيو 2015

نجاة غير المسلمين في شرق آسيا


نجاة غير المسلمين في شرق آسيا
حسن كو ناكاتا (Hassan Ko Nakata)
الأستاذ السابق في كلية الإلهيات ـ جامعة دوشيشا
1.      مقدمة
هدف هذا البحث هو بيان أن إمكانية النجاة في الإسلام متوفّرة ليست فقط للمسلمين بل لغير المسلمين أيضا، تركيزاً على شرق آسيا.
قبل دخول الموضوع أودّ أن أُحدِّدَ معنى لفظ "النجاة".
كلمة "نجاة" مُشتَقَّة في الأصل من عدد من الحروف الساكنة وهي النون والجيم والواو، وهناك أربع وثمانون كلمة في القرآن مشتقة منها. ومن بَيِنِها الاسمُ الوحيدُ مع أداة التعريف "النجاة" وتعني "النجاة من النار" كما تُستعمَل "النجاة" مقابلَ "النار" في الآية التالية: ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. (40 غافر: 41) علاوة على ذلك، لا تعني "النجاة من النار" سوى دخول "الجنة" كما هو في الآية التي تسبق تلك: ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة. (40 غافر: 40).
ويسمى عذاب النار في الآخرة "بالعذاب الأشد" لأنه أشد بكثير ولا يقارن بعذاب الدنيا وبلائها كما في الآية: ولعذاب الآخرة أشد وأبقى (20 طه: 127).
إن للنجاة معان واسعة ، إلا أنه في الخطاب الديني المعاصر في الغرب وفي اليابان أيضا، غالباً ما تستخدم للإشارة إلى الظواهر النفسية مثل "إزالة المعاناة النفسية"، "التحرر من الرغبات الدنيوية"، و"الراحة من الشعور بالألم". والحقيقة أن الإسلام  يشير  إلى "النجاة" بهذا المعنى، الذي هو شغل الصوفية الشاغل، ولا يتناول هذا البحث هذه المعاني الأخيرة "للنجاة". بل يشير إلى "النجاة من النار" بدلاً عن ذلك.
2.      حكم الإسلام
أما معنى الإسلام والمسلم، فالإسلام دين كل الأنبياء منذ سيدنا آدم فبالتالي، جميع الرسل والذين استجابوا لدعوتهم هم مسلمون فلا يقتصر إطلاق لفظ "المسلم" على أفراد "أمة محمد" بل يمكن على سائر أتباع الأنبياء والرسل حيث أن دعوتهم واحدة وهي عبادة الله لا شريك له أي التوحيد كما قال الله تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت...(16 النحل:36) فقال الرسل: يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره...(7:59 نوح، 7:65 هود، 7:73 صالح، 7:85 شعيب، 11:50 هود، 11:84 شعيب).  ولكن هناك شبهة في تحديد المسلم في الزمن بعد بعثة رسول الله. هناك أحاديث عديدة تفيد أن مجرد كلمة التوحيد هي شرط الإسلام  مثل حديث أبي هريرة: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ومن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. (أخرجه البخاري) وحديث محمود بن الربيع الأنصاري: فأن الله قد حرّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله. (أخرجه البخاري).
 
ولكن هناك أيضاً أحاديث تفيد أن شرط الإسلام إقرار التوحيد مع نبوة سيدنا محمد كما في حديث ابن عمر المشهور في صحيح البخاري: بُنِيَ الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وفي مسند أحمد، عن رِفاعة الجُهني: قال رسول الله: أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صِدقاً من قلبه ثم يسدِّدُ إلا سُلِك في الجَنّة.
فلذلك قد فرّق الأحناف شروط إسلام الناس طِبقَ انتسابهم الديني السابق فقسّموهم خمسة أصناف كما يقول الحَصْكَفي (توفي عام 1088 هـ / 1677 م) صاحب الدر المختار شرح تنوير الأبصار: الكفار أصناف خمسة، من يُنكِر الصانعَ كالدهرية، ومن يُنكِر الوحدانية كالثنوية، ومن يُقرّ بهما لكن يُنكِر بعثة الرسل كالفلاسفة، ومن يُنكِر الكلّ كالوثنية، ومن يقرّ بالكلّ لكن ينكر عموم رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم كالعيسوية، فيكتفي في الأولَيْنِ بقول لا إله إلا الله وفي الثالث بقول محمد رسول الله وفي الرابع بأحدهما وفي الخامس بهما مع التبريء عن كل دين يخالف دين الإسلام. (محمد أمين المشهور بابن عابدين، حاشية رد المختار شرح تنوير الأبصار، القاهرة، 1966، المجلد الرابع، ص 226 ـ 227،  وراجِعْ الموصلي الحنفي، الاختيار، المجلد  الثاني، بيروت، 1998 ص 424).
ويوافق موقف الأزهر الشريف هذا التعريف لاشتراط التبرّيء من المسيحية واليهودية بالإضافة إلى الشهادتين أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله في مصر التي لا يوجد فيه دهرية ولا وثنية إلا أهل الكتاب.
3.      شرق آسيا
قد توقّف انتشار الإسلام عند تركستان الشرق والفليبين ولم يضمّ شرق آسيا، أيْ الصين وكوريا واليابان، إلى دار الإسلام أصلاً. فتتّصف شرق آسيا بدار الحرب في منظور الشريعة باعتبار عدم قيام الحكم الإسلامي فيها. والسمة الثانية لشرق آسيا في منظور الشريعة هي كون سكّانُها غيرَ أهل الكتاب لأنهم انتسبوا إلى الكونفوشية أو البوذية تاريخياً وأسماء الأنبياء والرسل التي ذُكِرَتْ في الكتاب المقدّس ليست معروفة عند عامّتهم. فلا بُدّ لها من التعامل الخاصّ بها على أحكام الشريعة.
من المعروف أن جميع الأمم سبقت لهم بعثة كما قال الله تعالى:  ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت...(16 النحل:36)  وقال: وما أرسلنا من رسولٍ إلا بِلسانِ قومِه ليُبَيِّنَ لهم.(14إبراهيم :4)
والمسلم من أقرّ بالتوحيد استجابةً لدعوة رسول من الله والكافر من رفض دعوة الرسول. فيسمي علماؤنا الأقوام الذين نسوا رسالة التوحيد بعد زمن طويل بعد وفاة رسولٍ "أهلَ الفترة". فينبغي لنا المقارنة بين أهل شرق آسيا وبين أهل الفترة.
4.       مناقشة الأشاعرة والماتريدية حول نجاة أهل الفترة
يُبلِّغُ الرُسُلُ رسالات الله للناس، ويُدعَى الناس الذين يعيشون بين وفاة رسول وبين بعثٍ آخَرَ جديدٍ "أهل الفترة".
تختلف الآراء في الإسلام حول نجاة "أهل الفترة"، وأنا أرى أن تراث المذهب الأشعري في هذه المسألة يجب أن يكون أساسُ إعادةَ بناءِ علاقةِ التعايُشِ بين الإسلام والديانات الأخرى، فنُحلِّل المناقشات حول نجاة "أهل الفترة" في عقيدة أهل السنة.
 أولاً، نُطلِع على حُجّةِ المرحوم عبد الله الغماري من بحثه بعنوان "أهل الفترة ناجون" ضمن مجموعته المنشورة بعنوان "خواطر دينية" وقد ولد الغماري في مراكش في أسرة ذات تاريخ طويل من العلماء وكان يسمى "بخاري عصره" فهو من علماء الحديث الكبار في القرن العشرين.
يُعرِّف الغماري "أهل الفترة" بأنهم "الذين عاشوا في زمن لم يكن فيه رسول إليهم" (عبد الله بن محمد بن الصديق الإدريسي "أهل الفترة ناجون"، في كتاب خواطر دينية. القاهرة، 1968، ص، 116). يقول الغماري في رأس مقالته: والحكم فيهم عند الجمهور أنهم ناجون ولو عبدوا الأصنام لقوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (17 الإسراء: 15) و: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلمٍ – أي بشرك – " وأهلها غافلون. (6 الأنعام: 131) أي لم يُرسل إليهم رسول.
ولدى تفسير كلام الله "وما كنا معذبين" فهذا يعني أن الله لا يفعل ذلك حتى يبعث رسولاً يبين الأحكام حول الذنوب مثل الزنى والخيانة، ويقدم البعض الحجة التالية: باعتبار أن الإنسان قد كُلِّف بالتوحيد منذ أن بعث الله آدم رسولاً لأبنائه فإن "أهل الفترة" يستحقون العذاب في النار وهو موقف الماتريدية كما يقول ابن عابدين (توفي عام 1252 هـ. / 1836 م)، الذي يقال عنه بأنه المرجع النهائي في المذهب الحنفي الحديث، من: أصول الأشاعرة أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا، أما الماتريدية فترى إنه إن مات قبل مضى مدة يمكنه فيها التأمُّل ولم يعتقد إيمانا وكفرا فلا عقاب له بخلاف ما إذا اعتقد كفرا أو مات بعد المدة غير معتقد شيئاً. (من كتاب محمد أمين المشهور بابن عابدين، حاشية رد المختار شرح تنوير الأبصار، القاهرة، 1966، المجلد الثالث، ص. 185). ويقول النابلسي (توفي عام 1308 هـ / 1891 م): وأهل الفترة بين نبيَّيْنِ ليس في أعمالهم ذنوب، لِعدمِ حُصولِ التبليغ في زمانهم، ... وأما ذنب الكفر بالله تعالى فلا يعذر فيه أحد لأن العقل كاف في معرفة ذلك. (عبد الغني بن اسماعيل النابلسي أسرار الشريعة أو الفتح الرباني والفيض الرحماني، بيروت، 1985، ص. 78)
وقد أبدى الغماري معارضته لهذا الرأي بقوله: الآيات الآنفة الذكر واضحة وحاسمة وتثبت بحقٍ كرم الله وفضله، أما الأحاديث المخالفة لهذا فلا تعتمد أساساً ولا تكفي لتردَّ ما انتهى إليه القرآن بجلاء وجزم. (الأحاديث الواردة بخلاف ذلك معلولة والصحيح منها آحاد ثم هي تحتمل التأويل لأنها آحاد لا تقوى على معارضة القرآن. راجع "أهل الفترة ناجون"، ص، 116).
تقدم الآيات التالية من القرآن دليلاً إضافياً على نجاة "أهل الفترة".
"وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم (يعبدونها) قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. قال إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبرَّ (هالك) ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. (7 الأعراف: 138).
ملخص ذلك أن سكان فلسطين الأصليين كانوا يعبدون الأصنام، على الرغم من أن وثنيتهم كما يقال غير حقيقية وسبب قولهم بعدم استحقاقهم للعذاب في النار هو أنهم خلافاً لبني إسرائيل لم يبعث فيهم رسول، لذلك لم يكلفوا باجتناب الشرك، فلا يعذبون في النار لممارستهم الشرك، حتى ولو سمعوا بموسى ورسالته، فهذا لا يعني أن رسولاً قد بعث فيهم. وطبقاً لهذا يقدم القرآن دليلاً مماثلاً لنجاة "أهل الفترة":
يا أهلَ الكتاب قد جاءكم رسوُلنا (محمد عليه السلام) يُبَيِّنُ لكم (الدين أصوله وفروعه) على فترة (انقطاع) من الرسل (لأجل) أن (لا) تقولوا (يوم القيامة) ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير (فلا عذر لكم بعد مجيئه). (5 المائدة: 19).
حتى وإن وجد تحريف وتبديل في النصوص الأصلية لتوراة اليهود وإنجيل المسيحيين والذين عليهم أن يعرفوا أنهم مكلَّفون بالتوحيد، فإنهم لا زالوا في حصانة من العذاب لأن النبي محمد لم يبعث مُجدَّداً فيهم، فإن كان الأمر كذلك، فإن "أهل الفترة" الذين لم يعلموا أياً من الكتب المقدسة لا بد أن يستحقوا النجاة أكثر من غيرهم (نفس المصدر ص 117 ـ 118).
5.      حكم من لم تبلغه الدعوة بعد البعثة
محمد "خاتم النبيين" (33 الأحزاب: 33) بعث كافة للناس و"رحمة للعالمين" (الأنبياء: 21) متجاوزاً الخلافات العرقية وستظل رسالته وشريعته باقية في كل زمان ومكان، فمنذ بعثته لم يعد يوجد "أهل الفترة". مع ذلك على الرغم من أن رسالة محمد عالمية وبلا حدود، كان بعض الأرض ما زال متبقّيا على حال عدم وصول الدعوة المحمّدية طول الزمن. فيمكنّا قياس حكم أهل الفترة على من لم تبلغه الدعوة المحمّدية بعد بعثته على أصل الأشاعرة أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا.
يقول عبد الله الغماري: أما بعد البعثة المحمدية التي عَمّتْ أصل أهل الأرض جميعاً فلا يوجد أهل الفترة ولا محل لافتراض وجودهم. لكن قد يعتبر وجود من لم تبلغه الدعوة. فلو افترضنا وجود شخص في مجاهل القارة الإفريقية مثلاً لم يسمع بالإسلام ولا بالقرآن ولا عرف شيئاً عن توحيد الله تعالى وعاش بين الجبال والغابات فإنه ناج بلا شك حتى ولو اعتنق بعض الديانات الشركية كالنصرانية مثلاً. ذلك لأن بلوغ الدعوة شرط في توجيه التكليف للشخص. فحيث لم تبلغه بدون تقصير منه لم يكلف. (نفس المصدر ص. 118).
 وفي الواقع قد سبق بحث عبد القاهر البغدادي (توفي عام 429 هـ / 1037 م) في هذه المسألة في كتابه "أصول الدين" ويقول في قسم "مسألة بيان حكم من لم تبلغه دعوة الإسلام" في الفصل الثاني بعنوان "أصل بيان أصول الإيمان": قال أصحابنا إن الواجبات معلوم وجوبها بالشرع ، وقالوا فيمن كان وراء السد أو في قطر من الأرض ولم تبلغه دعوة الإسلام ينظر فيه، فإن اعتقد الحق في العدل والتوحيد وجهل شرائع الأحكام والرسل فحكمه حكم المسلمين وهو معذور فيما جهل به من الأحكام لأنه لم يقم به الحجة عليه، ومن اعتقد منهم الإلحاد والكفر والتعطيل فهو كافر بالاعتقاد وينظر فيه، فإن انتهت إليه دعوة بعض الأنبياء عليهم السلام فلم يؤمن بها كان مستحقاً للوعيد على التأبيد، ومن لم تبلغه دعوة الشريعة بحال لم يكن مكلفاً وليس له في الآخرة ثواب ولا عقاب.
كما رأينا آنفاً تلجأ حجة المذهب الأشعري المتأخر حول نجاة "أهل الفترة" إلى مفهوم "من لم تبلغه دعوة الإسلام" وهي تقوم على مبدأ أن لا عذاب طالما أنه لم يأت فيهم نبي، في حين أن نظرية نجاة "أهل الفترة" في العصر المتأخر قد تطورت على خلفية مسألة إن كان والدا الرسول (اللذان ماتا وهما يجهلان دعوة الإسلام) سوف ينجوان أم لا، فإن شاغل البغدادي الرئيسي كان في الإمكانية النظرية لنجاة غير المسلمين المعاصرين أي الناس الذين لم تصلهم الدعوة في حيز "المكان" مقابل أجيال الناس الذين لم تصلهم الدعوة في حيز "الزمان"، أي "أهل الفترة".
يمكن اختصار نتيجة بحث البغدادي في جملتين: الأولى أن من لم تصله الدعوة المحمّدية بعد بعثته وهو يؤمن بوحدانية الله وعدله بمفرده بدون تعريفه من قِبَل الرسول فحكمه أنه من المسلمين والثانية أن من لم تصله دعوة نبي ما أصلاً برغم أنه عاش بعد البعثة المحمّدية فحكمه أنه من أهل الفترة.
6.      تطبيق حكم من لم تبلغه الدعوة على أهل شرق آسيا
لم نجد في تاريخ شرق آسيا أثر دعوة نبي بالتوحيد بالدليل القطعي. إذاً هم أهل الفترة في حقّ العصر قبل البعثة المحمّدية بلا شكّ. وأما من بعد البعثة فلا بد من تدقيق البحث. وهنا ينبغي أن نُميِّزُ بين الصين وبين كوريا واليابان حيث أن الصين مع أن معظم سكانها لا يعرف عن الإسلام إلا بعض طقوسه وتقاليده، كانت لها علاقة رسمية مع الخلافة العباسية منذ القرن الثاني الهجري و استوطن المسلمون العرب والفرس فيها منذ ذلك الوقت و يوجد عدد يزيد عن عشر ملايين مسلم حتى الآن، بينما كوريا واليابان بسبب سياسة العزلة عن العالم لهما ليست لديهما أية علاقة رسمية ولا شعبية مع العالم الإسلامي أصلاً حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. فنستطيع أن نطبّق أحكام أهل الفترة على أهل كوريا واليابان قبل العصر الحديث بدون تردد. وأما الصين فهناك شبهة فلا يمكن تطبيقها على جميع أهلها فلا بد من تدقيق الفحص لأفرادهم على حِدَةٍ بحسب عصرهم وحالتهم.
أما أهل كوريا واليابان المعاصرون فهل يمكن تطبيق حكم من لم تبلغهم الدعوة عليهم أم لا؟ هنا نستشهد بقول د. محمد خير هيكل في هذا الموضوع، فيقول: - هل مجرد استفاضة شأن الإسلام في الشرق والغرب يألف حجة على الشعوب والدول الداخلة في إطار تلك الاستفاضة، إذ تعتبر في  هذه الحال مما يبلغهم الدعوة، فتجري عليهم الأحكام على هذا الاعتبار؟ كما قد يفهم مما ورد في بعض الفقه - أم لا بد من التبليغ الرسمي من السلطة الإسلامية للشعوب، أو لمن يمثل الشعوب حتى يصدق عليهم أنهم قد بلغتهم الدعوة؟ ... والذي أراه أنه لا بد من التبليغ الرسمي من السلطة الإسلامية للشعوب، أو لمن يمثل الشعوب حتى يصدق عليهم أنهم قد بلغتهم الدعوة بالنسبة للأحكام الإسلامية الدولية. وبالتالي: يطبق عليهم أحكام من بلغتهم الدعوة على نحو ما تقدم بيانه... مجرد الاستفاضة لا يدل على أن شرط بلوغ الدعوة متوفرة فيها، وشرطها هو البلاغ المبين، كما تقدم، بدليل أن بقاعاً كثيرة من العالم اليوم، يسمعون الإسلام، ولكنهم يأخذون عنه، وعن أهله فكرة مشوهة مما ينفر الناس عن الإسلام، ولا يرغب فيه. فلا يقال والحالة هذه إن تلك الشعوب قد وصلها الإسلام بصورة (البلاغ المبين). والذي يحقق شرط (البلاغ المبين) في الدعوة إنما هو الخطاب الرسمي من السلطة الإسلامية التي يجب عليها الدعوة على وجه يحقق الشرط المذكور. حتى إذا كانت هناك تساؤلات، واستفسارات لدى من توجه اليهم الدعوة بشأنها تقدمت السلطة الرسمية بالأجوبة المعتمدة على تلك التساؤلات والاستفسارات. (محمد خير هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، دار البيارق، بيروت، 1996-1417، ط.2، ج.1، 772-791)
فأرى حجّته موافقة لعقلية الإسلام تماماّ وملائمة لمنهج الدعوة للمجتمع غير الإسلامي على وجه العموم وشرق آسيا على وجه الخصوص.
لم تنضّم شرق آسيا إلى دار الإسلام أصلاً كما تقدم ذكره فلا بد فيهما من التبليغ الرسمي للإسلام على الصورة الشاملة الحقيقية بدون تشويه ولا تحريف حتى تتوفّر فيها شروط وصول الدعوة الإسلامية لأهلها. فيعتبر أهل شرق آسيا من لم تبلغه الدعوة حيث لم يتحقّق التبليغ الإسلامي على هذا الشكل الذي أوضح د. محمد خير هيكل فحكمهم حكمه إلا أن هناك شبهة في حقّ الصين باعتبارها متّصلة بالخلافة الإسلامية منذ العصر العباسي.
7. خاتمة
هنا نُلخِّص نتائج البحث السابق للمذهب الأشعري في قضية من لم تبلغه الدعوة في ما يلي:
(1) أهل الفترة ناجون من النار مهما كانت عقيدتهم على كل من الأصلين أن الواجبات معلوم وجوبها بالشرع وأن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيًا، لقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً".
(2) من يصل إلى التوحيد بالبصيرة بمفرده من أهل الفترة حكمه حكم المسلم.
(3) من لم تبلغه الدعوة المحمدية بعد بعثته حكمه حكم أهل الفترة.
(4) حكم أهل دار الحرب الذين لم يصل إليهم التبليغ الرسمي من قِبَل السلطة الإسلامية حكم أهل الفترة.
(5) حكم عموم أهل شرق آسيا وخصوصا أهل كوريا واليابان حكم أهل الفترة.
و نستنبط الآثار العملية في منهج الدعوة في هذه المنطقة من هذا البحث في ما يلي:
(1) إباحة الاستغاثة لأجل الأجداد. وله أهمية كبيرة في شرق آسيا التي في مجتمعها تعليم الكنفوشية من بر الوالدين سائدٌ مُجذرٌ عميقٌ ويرتبط الناس بقوة باحترام الأجداد. فتحريم الاستغاثة لأجل الأجداد إذاً عقبة كبيرة في طريق الدعوة للإسلام في هذه المنطقة وطلب المغفرة لأصحاب النار مُحرَّمٌ لقوله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. (9 التوبة: 113) إلا أن أهل شرق آسيا حكمهم حكم أهل الفترة من النجاة فلا بأس بالاستغاثة لأجل الأجداد.
(2) التواضع في الدعوة مخالف لبعض المتكبّرين المدّعين للدعوة الذين تعاملوا مع أهل البلد كأنهم أصحاب الجنّة والمخاطَبون أهل النار ولكن بحثنا قد بَيَّنَ أن العكس هو الصحيح أَي أنه لا ذنب لأهل البلد لأنهم لم تبلغهم الدعوة فليس لديهم تكليف أصلاً بينما نحن مُقَصِّرون في الدعوة لعدم وفاء شروطها بل شوهنا صورة الإسلام حتى حُلنا دون وصولها إليهم.
(3) التعامل مع مُوَحِّدي هذه المنطقة بحُكمِهِ مُسلِماً امتثالاً بقوله صلى الله عليه وسلم :ومن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله، وينبغي أن نحتضنَهم مع المحبة والأخوة الإسلامية حتى تصبِح في قلوبهم محبّة للإسلام فيقتدوا بنا في التزام الشريعة المحمدية بحسب تعميق فهم الإسلام ومحبّته تدريجياً. وهذا الذي هدف إليه سماحة الشيخ أحمد رحمه الله تعالى.
وآخِر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.