بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 سبتمبر 2017

المرأة اليابانية بقلم: الشيخ علي أحمد الجرجاوي

هذا النص أحد فصول كتاب الرحلة اليابانية الذي نشره الشيخ علي الجرجاوي في عام 1907 أي منذ 110 عام. ويزعم الجرجاوي في الكتاب الذي يحتوي على هذا النص أنه ذهب إلى اليابان في ذلك الوقت لنشر الإسلام والدعوة إليه، وأنه قابل إمبراطور اليابان ودعاه إلى الإسلام وأوشك الإمبراطور على الدخول في الإسلام إلا أنه تراجع في النهاية حتى لا يجبر مواطنيه على ديانة محددة وترك لهم حرية العقيدة ونتيجة لهذا نجح الجرجاوي في أن يجعل 12 ألف ياباني يتحولون إلى الإسلام في غضون أسبوعين وتركهم على صحيح الدين ورجع إلى مصر يبشر أهلها بذلك. مجرد هذا القول فقط يجعلني أشكك كثيرا في صدق الجرجاوي ولكن الكتاب كله من أوله إلى آخره عبارة رحلة خيالية في ذهن المؤلف كتبها من خلال اطلاعه على ما نشر وقتها عن اليابان بسبب انبهار العالم بصعودها المفاجئ على المسرح العالمي وانتصارها في حربين على الإمبراطورية الصينية، ثم على الإمبراطورية الروسية التي لم يستطع نابليون فيما قبل ولا هتلر فيما بعد هزيمتها. والنص التالي يوضح أن كل ما كتبه الجرجاوي عن المرأة اليابانية كلام عام أخذه من أخبار الكتب والجرائد السيارة في وقته ولا يوجد موقف واحد يدل على أنه التقى أي امرأة يابانية أو خاض تجربة الاطلاع على حالها وحياتها على أرض الواقع في اليابان عام 1906.





المرأة اليابانية
بقلم: الشيخ علي أحمد الجرجاوي

إذا كان علماء العمران يعدون المرأة عضوا عاملا في الهيئة الاجتماعية ويوجبون تعليمها العلوم والمعارف لجلال مركزها. وإذا كانوا يجعلون تمدن الأمم التمدن الحقيقي متوقف على كمال تربيتها فإن المرأة اليابانية هي المثال الصحيح على هذه الدعوى. وإذا كانت المرأة اليابانية وصلت إلى هذه الدرجة في التربية الصحيحة والآداب الفاضلة على قرب عهدها بالمدنية فكيف بها إذا مرت عليها القرون وهي تجد وتجتهد في هذا السبيل.
تولد اليابانية ولا تصل إلى الخامسة من سنين حياتها حتى يدخلها ولي أمرها المدرسة ومهما كان فقيرا ذا خصاصة في العيش فإنه يكد ويكدح في سبيل الإنفاق عليها ويقدم الاهتمام بها على كل أمر يهمه في الحياة حتى بلغت بهم درجة الاعتناء بتربية البنات إلى أن يعد من لم يدخل ابنته المدرسة من أحط الناس منزلة وأسفههم عقلا ويصمونه بوصمة العار.
وهم ولا شك لم يقدروا المرأة هذا القدر إلا بعد علمهم بنفعها في المجتمع الإنساني وتحققهم أن أول خطوة يخطوها الإنسان في التقدم إنما هي نتيجة ما وصل إليه في تربية أمه وتلقاها عنها من المبادئ الأدبية التي غرست في نفسه بذور الفضيلة بكل أنواعها. ولو اختبرنا أحوال المرأة اليابانية في أدوار حياتها من يوم دخولها المدرسة إلى اليوم الذي تصير فيه زوجة للبعل ومربية للأبناء نجدها عنوان الكمال والفضيلة وحسن الآداب. فالتي في مهد التربية المدرسية فهي تعرف مقدار محبة الوطن معرفة تامة كأن حب الوطن علم من العلوم التي تتلقاها في المدرسة فهي تطبق العلم على العمل.
والتي حصلت منهن على العلوم ونالت شهادتها تعمل وتشتغل بما يفيدها ويفيد عائلتها في الأمور المادية والأدبية معا. والتي تقترن منهن تكون في بيتها مدبرة محسنة حالتها وحالة بعلها المعاشية بفضل ما تتلقاه من العلوم والآداب وأنواع الكمالات. والتي ليس لها بعل ولها أولاد تقوم بتربيتهم أحسن تربية حتى تؤهلهم إلى أن يكونوا سعداء في الحياة. وهكذا تجد المرأة اليابانية في كل أحوالها وأطوارها مثالا للعفة وكرم النفس وغير ذلك من الصفات الممدوحة.
وقد ظهرت آثار تربية المرأة اليابانية في الحرب الأخيرة فإنها أظهرت من محبتها لوطنها ما لا يظن أن امرأة في العالم غير اليابانية تظهره مهما كانت منزلتها في التربية والتعليم.
ومثال هذا أن التلميذات منهن لما كن يفرغن من دروسهن يشتغلن الأكسية والأربطة وكل ما يقدرن على صنعه من الملابس العسكرية ويقدمنه إلى جمعية الصليب الأحمر التي كانت يوجد فيها أطباء لمداواة جرحى الحرب. وقد قدمن كثيرا من صنع أيديهن عند سقوط بورت آرثر واهتممن بذلك كل الاهتمام حيث الجرحى في هذه الواقعة كانت تعد بالآلاف. هذا فضلا عن اشتراكهن مع الرجال في كل احتفال أو مظاهرة بخصوص الانتصار على الروس مما لا يفوقهن فيه الرجال بشيء من الأشياء.
وقد ذكرنا في غير هذا الموضوع خبر المرأة اليابانية التي أمرت ولدها الوحيد بالتطوع في الحرب ولما لم تقبل الحكومة تطوعه لكونه وحديها قتلت نفسها بالسكين أمامه حتى لا يكون هناك عائق يمنعه عن التطوع في خدمة الوطن التي هي من الواجبات المفروضة عليه.
***
هذا ما وصلت إليه المرأة اليابانية بفضل التربية والتعليم. والمرأة الشرقية قد امتازت بمزية السبق في ميدان الحضارة على غيرها من نساء الأمم الأخرى. ولكن إذا صادفت من يعتني بشأنها. إذ الاستعداد موجود فيها والقابلية لتأثير التربية الفاضلة متوفرة عندها. وهي أذكى من المرأة الغربية بحسب الفطرة ولنتخذ مثالا على ذلك نساء العرب في العصر الأول فإنهن كن على جانب عظيم من حيث أدب النفس وكمال العقل ولهن محاورات ومخاطبات مع الملوك والأمراء وكن يظهرن فيها من البلاغة وحسن البيان ما لا يقدر على الإتيان بمثله في هذا العصر أعلا البلغاء كعبا وأكمل الناس عقلا.
والذي يطالع سيرة الوافدات منهن على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى سيدنا معاوية بن أبي سفيان يتحقق صدق ما قلناه.
فلو اعتنى المصريون الاعتناء الحقيقي بتربية الجنس اللطيف لما كنا نرى من هذه المفاسد والأمور الموجبة للأسف شيئا يذكر.
ومن الخرق والحمق والجهل العميق أن تعتقد أن تعليم المرأة مفسد لأخلاقها معرض عرضها للابتذال. فإن العلم وحسن التربية يكفلان نفي هذه الأوهام بل هذا هو الضلال المبين.
ولو سلمنا جدلا بأن تعليم المرأة المصرية العربية العلوم يسهل لها طرق الفساد فإن فسادها وهي متعلمة أخف ضررا من فسادها وهي جاهلة. لأن علمها يعرفها كيف تحسن الفساد ويحضها على عدم ارتكاب هذه المفاسد.
والقاعدة أن الجاهل إذا سلك سبيل الغي جلب لنفسه الضرر من حيث لا يشعر. أما المتعلم فإنه ينهج هذا النهج على نموذج به يحفظ من كرامته بمقدار ما تعلم. ولله در القائل
قالوا البنون عليهم    مدار سعد الحياة
فقلت كيف نسيتم   يا قوم حظ البنات
***
وليس مرادنا بتربية المرأة الشرقية هو مجرد تعليمها العلوم العصرية والفنون اليدوية بل مرادنا أن تكون بحسب أصول وقواعد الشريعة الإسلامية لأن آداب الدين الإسلامي إذا أضيف إلى هذه العلوم كانت المرأة الشرقية في عداد الطبقة العالية من حيث طهارة النفس وتنزيهها عن ارتكاب الدنايا، واكتساب المحامد والتخلق بالأخلاق المرضية. لأننا نشاهد غيرها من النساء التي تعلمن العلوم خاليات من هذه الفضائل التي جاءت بها الشريعة الإسلامية التي من ضمنها الحجاب.
ولا يخفى أن الدين هو أساس كل فضيلة وتعليم العلوم إذا لم يكن شاملا للتعاليم الدينية فلا يفيد الفائدة المقصودة من تربية المرأة التربية الحقيقية وتهذيبها التهذيب الحسن.

الأحد، 20 أغسطس 2017

راشومون تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا

راشومون*
قصة
ريونوسكيه أكوتاغاوا

ترجمة: ميسرة عفيفي

في وقت غروب يوم من الأيام، كان تابعٌ لأحد الساموراي ينتظر توقف هطول المطر تحت بوابة راشومون.
ولا يوجد أحد تحت تلك البوابة الواسعة بخلاف ذلك الرجل. فقط تقف حشرة جندب خضراء على العامود الدائري الضخم الذي سقط طلاؤه الأحمر في أماكن متفرقة منه. ومن المفترض – بما أن بوابة راشومون تقع في طريق سوجاكو الرئيسة – وجود نساء يضعن على رؤوسهن قبعاتٍ من القش، أو رجال بقبعات تقليدية، يحتمون بالبوابة في انتظار توقف الأمطار. ولكن رغم كل هذا لا يوجد أحد بخلاف ذلك الرجل.
ويبدو أن سبب ذلك توالي الكثير من الكوارث على مدينة كيوتو خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، فقد توالت الزلازل والزوابع والحرائق والمجاعات. ولذا اضمحلت العاصمة سريعا. ولقد وصل الأمر – طبقا للمخطوطات القديمة – أن تماثيل بوذا ومقتنيات المعابد البوذية المصنوعة من الأخشاب كُسّرت ووُضعت أكواما في الطرقات كما هي بقشرتها الذهبية والفضية وطلائها الأحمر لتُباع حطبا يُستخدم في الوقود. وإذا كان ذلك مآل وسط العاصمة ذاتها، فحدّث ولا حرج عن إهمال بوابة راشومون وعدم تفكير أحد في ترميمها أو إعادة بنائها. وعندها واستغلالا لتلك الحالة المزرية التي صارت عليها البوابة سكنها المحتالون والمخادعون. ثم سكنها اللصوص وقطاع الطرق. وفي نهاية الأمر نشأت عادة التخلص من الجثث المجهولة التي لا يوجد من يستلمها بإلقائها فوق تلك البوابة. وعندما وصل الأمر إلى هذا الحد، أصبح الناس لا يحاولون الاقتراب من البوابة بعد غروب الشمس بسبب شعورهم بالامتعاض منها.
وعوضا عن ذلك تتجمع فوق البوابة أسرابُ غربان لا يدري أحد من أين تأتي. تتجمع تلك الغربان في الظهيرة على شكل دائرة في السماء تدور وتلف حول الزينة المعقوفة أعلى جانبي البوابة وهي تنعق بأعلى صوتها. وتبدو تلك الغربان واضحة بصفة خاصة وقت احمرار السماء فوق بوابة راشومون بسبب شمس المغيب، وكأنها حبات سمسم نُثرت في السماء. وتأتي تلك الغربان بالطبع لتلتقط بمناقرها لحم الجثث الملقاة أعلى البوابة. ... ولكن ربما بسبب تأخر الوقت لا يُرى غراب واحد اليوم. فقط تُشكل فضلات الغربان نقاطٍ بيضاءَ التصقت هنا وهناك بدرجات السُلّم الحجرية المتهالكة التي نبتت حشائش طويلة في شقوقها. جلس التابع على الطرف الأسفل من ردائه الرث أزرق اللون فوق أعلى درجة من درجات السلم الحجرية السبع، متأملا هطول المطر في شرود وهو يتحسس بيده بثرة كبيرة تكوّنت في خده الأيمن.
كتب المؤلف منذ قليل: "ينتظر التابع توقف هطول المطر". ولكن لم يكن لدى التابع ما يفعله حتى بعد توقف الأمطار. من المفترض أنه يجب عليه العودة إلى بيت سيده. ولكن ... كان سيده قد طرده من العمل منذ أربعة أو خمسة أيام. وكما كتب المؤلف عاليه، في ذلك الوقت كانت مدينة كيوتو قد اضمحلت بشكل لم يسبق له مثيل. وفي الواقع لم يكن طرد الساموراي لتابعه هذا الآن بعد أن خدمه لسنوات طوال إلا أثرا من آثار ذلك الاضمحلال. ولذلك قول "كان التابع الذي أحاطت به الأمطار تائها محتارا لا يجد مكانا يذهب إليه" أكثر تعبيرا عن الموقف من قول "ينتظر التابع توقف هطول المطر". وفوق ذلك أثّر طقس اليوم كثيرا على مشاعر تابع عصر هييان هذا. فلا توجد أية ملامح لاقتراب توقف الأمطار التي بدأت تهطل من بعد الظهيرة. وهنا أخذ التابع يستمع بلا إنصات إلى صوت هزيم الأمطار التي تهطل على طريق سوجاكو الكبيرة منذ فترة وهو مستمر في تفكيره الذي لا ينضب عن كيفية تدبيره لمعيشته – وهو الأمر الذي ليس بيده حيلة تجاهه – بداية من اليوم التالي الذي سيأتي على الرغم من أي شيء.
كانت الأمطار تدق بوابة راشومون، جالبة صوت وقعٍ صاخب مجمعة إياه من أماكن بعيدة. ويُخفض ظلام المساء تدريجيا سقف السماء، وإذا نظرنا عاليا، سنجد سقف البوابة يسند غيوم ثقيلة ومظلمة خلف القرميد البارز بميل.
لا يوجد أمام التابع متسع لاختيار وسيلة تدبير ما لا حيلة في تدبيره. إن حاول الاختيار فلن يكون مصيره إلا الموت جوعا أسفل قناة مجاري أو فوق أرض طرقات المدينة. ثم يُجلب ليُلقى به فوق بوابة راشومون مثل كلبٍ ضال. ولكن إن لم يقم بالاختيار؟ ... وصل التابع أخيرا في نهاية تخبّط أفكاره في نفس الطريق إلى تلك العقدة. ولكن كلمة "إن" كانت في كل مرة تظل كما هي "إن" فقط. فمع اقتناعه بعدم اختيار الوسيلة، ولكن لا تواتيه الشجاعة اللازمة لتسوية حالة "إن" تلك، بشكل إيجابي، ليقول جملة "لا مفر غير أن أصبح لصا" التي ينبغي أن تأتي بعدها.
عطس التابع عطسة مجلجلة، ونهض واقفا يبدو عليه الإرهاق. مساء كيوتو البارد ازداد برودة لدرجة تحتاج معها إلى مجمرة حطب للتدفئة. فالرياح تهب متسربة من بين أعمدة البوابة مصطحبة ظلام الليل معها بلا تحفّظ. والجندب الأخضر الذي كان يقف على العمود رحل إلى مكان مجهول.
انكمشت عنق التابع، وانحنى بحيث ارتفع لأعلى كتفي الكيمونو الأزرق القاتم الذي يرتديه فوق ملابس داخلية مهترئة ثم أخذ يدير بصره فيما حول البوابة. والسبب أنه قرر على أي حال أن يظل هنا حتى شروق الشمس، إذا وجد مكانا لا قلق فيه من الريح والأمطار، ولا خوف فيه من أن تراه عيون الناس، مكانا يمكنه النعاس فيه مستريحا طوال الليل. وعندها لحسن حظه وقع بصره على درجات سُلّم عريض مطلي بلون أحمر يؤدي إلى برج البوابة العلوي. إن وجد أحد ما أعلى البوابة على الأرجح سيكون من الموتى فقط. وهنا وطأ التابع بقدمه التي يرتدي بها خُفّا من القش على أول درجات السُلّم وحرص على عدم انزلاق سيفه ذو المقبض الخشبي العاري من الرباط والمتدلي بخصره من الغمد.
ثم مرت عدة دقائق بعد ذلك. نجد رجلا في منتصف درجات السلم العريض الذي يؤدي إلى أعلى برج بوابة راشومون يراقب المنظر العلوي وهو يكتم أنفاسه ويقلص جسده مثل قط. ثم أنارت أشعة ضوء آتية من البرج العلوي بشكل خافت جزءًا من الخد الأيمن لذلك الرجل. إنه الخد ذو البثرة الحمراء المتقيحة في منتصف لحيته القصيرة. كان التابع قد توقع منذ البداية أن البرج العلوي لا يوجد به إلا جثث الموتى. ولكنه عندما ارتقى درجتين أو ثلاثة درجات من السُلّم، وجد شخصا ما يشعل نارا في الجزء العلوي، بل وبدا أنه يُحرك تلك النار هنا وهناك. وانتبه التابع للنار على الفور لأنها وهي بلون أصفر متعكّر كانت تظهر مهتزة على خلفية السقف الذي بنى العنكبوت عشه في أركانه. من المؤكد أن من يشعل نارا فوق بوابة راشومون في تلك الليلة الممطرة لن يكون إمرء عادي.
أخيرا ارتقى التابع آخر درجة من درجات السُلّم شديد الانحدار وهو يزحف مثل البُريْص كاتما صوت أقدامه. ثم أخذ يتلصص على البرج من الداخل بخوف وقلق، جاعلا جسده أفقيا وعنقه ممدودا للأمام بقدر الإمكان.
وعندما نظر إلى هناك، وجد كما قالت الشائعات عددا من الجثث ملقاة بعشوائية داخل البرج، ولكنه لم يعرف كم عددها لأن نطاق النار المشتعلة كان أضيق مما توقع. وكان كل ما استطاع معرفته بضبابية وإبهام أن تلك الجثث منها العاري ومنها المرتدية ملابسها. وبالطبع اختلطت جثث الرجال بجثث النساء. كانت كل تلك الجثث ملقاة فوق الأرضية فاغرة الفم وممتدة الأيد مثل عرائس من الصلصال، حتى ليشك المرء في حقيقة أنها كانت في الماضي أجسادًا لبشر أحياء. كانت الجثث صامتة للأبد مثل الأبكم، بينما تستقبل أجزاؤها المرتفعة لأعلى مثل الأكتاف والصدور أشعة الضوء الضبابي، وتُزيد الظلال من ظلام الأجزاء المنخفضة.
أسرع التابع بتغطية أنفه بدون وعي بسبب الرائحة الكريهة لتلك الجثث المتعفنة. ولكن في اللحظة التالية نسيت تلك اليد تغطية أنفه. فلقد سلب شعور قوي كل ما يملكه من حاسة شم.
رأت عيون التابع، في ذلك الوقت، للمرة الأولى بشرا جاثيا وسط تلك الجثث. كانت عجوزا نحيفة بقامة قصيرة، ورأس أبيض الشعر تشبه قردا يرتدي كيمونو بلون أرجواني قاتم. تمسك تلك العجوز في يدها اليمنى غصن شجرة صنوبر مشتعلة، وتتفحّص في وجه جثة من تلك الجثث. لا ريب أنها جثة امرأة نظرا لطول شعرها.
تحرك التابع بكثير من الخوف وقليل من الفضول، حتى أنه نسى للحظات أن يلتقط أنفاسه. لو استعرتُ كلمات كاتب المخطوطات القديمة لقلت: أحس "بوقوف شعْر رأسه وجسده". رشقت العجوز شعلة الصنوبر بين ألواح الأرضية، ثم وضعت يديها الاثنتين على رأس الجثة التي كانت تتأملها حتى تلك اللحظة، وبدأت تنزع شعر الجثة الطويل شعرة بعد أخرى، تماما مثل قردة تلتقط القمل من رأس صغيرها. وبدا أن الشعْرَ يستجيبُ ليديها ويُنزَع بسهولة.
ومع توالي انتزاع الشعر شعرة بعد أخرى، اختفى الرعب من قلب التابع شيئا فشيئا. وفي نفس الوقت بدأ تدريجيا يشعر بكراهية عنيفة تجاه تلك العجوز. ... لا، ربما يكون من الخطإ في التعبير القول إنه تجاه تلك العجوز فقط. بل على العكس لقد تفاقم مع مرور الوقت بُغضه تجاه كل أنواع الشرور والآثام. وعلى الأرجح لو أن أحدا ما طرح على ذلك التابع مرة أخرى الأمر الذي كان يفكر فيه هو نفسه في الأسفل أمام البوابة منذ قليل، ألا وهو الاختيار بين أن يموت جوعا أو يكون لصا، لاختار وقتها أن يموت جوعا دون أدنى تشبث بالحياة. إلى هذه الدرجة كانت كراهية الشر قد بدأت تشتعل في قلب ذلك الرجل بقوة اندفاع مثل شعلة الصنوبر التي رشقتها العجوز في الأرضية.
لم يكن التابع بالطبع يعلم لماذا تنزع العجوز الشعر عن جثة المرأة. وبالتالي لم يكن يعرف بشكل منطقي هل هذا الفعل خير أم شر؟ ولكن بالنسبة للتابع، نزع شعر من رأس ميت، أعلى بوابة راشومون في تلك الليلة الممطرة، هذا الأمر فقط كافي لاعتباره شرا لا يمكن السماح به. بالطبع لقد نسي الرجل تماما أنه هو شخصيا كان منذ قليل على استعداد لأن يصبح لصا.
وعندها أودع الرجل قوته في قدميه، وقفز فجأة من دَرَجات السُلّم إلى أعلى. وهكذا سار مقتربا من العجوز في خطوة واحدة واسعة ويده على مقبض سيفه العاري من الزينة. ولا داعي للحديث عن مدى الدهشة التي أصابت العجوز.
عندما نظرت العجوز نظرة واحدة إلى التابع، قفزت للخلف وكأنها قد ضُربت بطلقة منجنيق.
"إلى أين تذهبين أيتها اللعينة؟"
هكذا صب التابع لعناته على العجوز بعد أن ثبّت حركتها وهي تحاول الهرب في فزع متعثرة بالجثث. ولكن رغم ذلك حاولت العجوز الهرب من يد التابع بدفعها بعيدا. فأعادها التابع وكأنه يقول من الذي يدعك تهربين. واشتبك الاثنان لفترة في صمت بين الجثث. ولكن بالطبع نتيجة الصراع محسومة من البداية. فقد أمسك التابع في النهاية بذراع العجوز وأسقطها أمامه قسرا. تلك الذراع التي تشبه أرجل دجاجة ليس بها إلا عظم وجلد فقط.
"ماذا كنت تفعلين؟ انطقي! إذا لم تجيبي على السؤال، فهذا!"
أطلق التابع سراح العجوز، ثم فجأة نزع السيف من غمده، وأظهر نصله الأبيض اللامع أمام عينيها. ولكن رغم ذلك ظلت العجوز على صمتها. ظلت صامتة بعناد مثل الأبكم، وهي تفتح عينيها على وسعهما لدرجة تكاد مقلتيها تقفز خارج محجريهما، وكانت تتنفس بصعوبة، وترتعد يداها الاثنتان من الرعب. وعندما رأى التابع ذلك أدرك لأول مرة أن إرادته تتحكم في حياة أو موت تلك العجوز. وهدّأ ذلك الإدراك في التو والحال كل مشاعر الكراهية التي كانت تشتعل في قلبه حتى تلك اللحظة. وتبقّى فقط شعور الرضا والراحة المطمئنة التي تجتاح المرء بعد إنجازه لعملٍ ما. وعندها، نظر التابع إلى العجوز من علٍ ثم رقّق من صوته قليلا وقال:
"لستُ موظفا تابعا لهيئة الشرطة والقضاء. بل إنني مجرد عابر سبيل مررت لتوي أسفل تلك البوابة. ولذلك فلن أقيدك بالحبال أو أطلب منك فعل هذا أو ذاك. المطلوب منك فقط أن تحدثيني ماذا تفعلين فوق البوابة في هذا الوقت؟"
وعندها فتحت العجوز عينيها الجاحظتين أكثر وأكثر وظلت تتأمل بثبات وجه التابع. تنظر إليه بعينيها الحادتين التي صارت جفونها حمراء مثل الطيور الجارحة. ثم بعد ذلك حركت شفتيها اللتين صارتا من التجاعيد هي والأنف شيئا واحدا وقالت شيئا ما كأنها تمضغ طعاما، فبدت حركة تفاحة آدم المدببة في عنقها الرفيع. وقتها وصل إلى أذن التابع من تلك العنق صوتا يشبه نعيق الغربان يتنهد ويئن قائلا:
"أنا أنزع ذلك الشعر ... أنزع ذلك الشعر لأصنع منه شعرًا مستعارًا"
خيّب رد العجوز العادي للغاية آمال التابع. وهكذا في نفس الوقت الذي أصيب فيه بخيبة أمل، أحس مرة أخرى تجاهها بكراهية ممزوجة باحتقار بارد. وقد أدركت العجوز ذلك ولا ريب. فغمغمت بصوت يشبه نقيق الضفادع وهي مازالت تمسك في إحدى يديها بالشعر الطويل الذي نزعته من رأس الجثة قائلة:
"أفهمُ أن نزع الشعر من رؤوس الموتى ربما يكون شرا عظيما، ولكن هؤلاء الموتى جميعا يستحقون ما يُفعل بهم أيًا كان. على سبيل المثال تلك المرأة التي نزعتُ منها الشعر كانت تُقطّع الثعابين إلى قطع صغيرة في طول أربعة بوصات ثم تُجفّفها وتبيعها إلى فرقة حراسة قصر ولي العهد على أنها سمك مجفف. ولو أنها لم تمت بالوباء لكانت تبيعه لهم حتى اليوم. ورغم ذلك كان الحراس يشترون منها ذلك السمك المجفف قائلين إنه لذيذ الطعم وكانت مائدتهم لا تخلو منه على الدوام. ولكنني لا أرى أن ما كانت تفعله تلك المرأة أمرا شريرا، فلو لم تفعل ذلك، لماتت من الجوع، ولم يكن بيدها حيلة أخرى. ولذا لا تعتقد أن ما أقوم أنا به الآن أمرا شريرا، فأنا أيضا لو لم أفعل ذلك سأموت جوعا، أنا أيضا أفعل ذلك لأنه ليس بيدي حيلة أخرى. وهذه المرأة تدرك جيدا أنني ليس بيدي حيلة أخرى، وأعتقد أنها على الأرجح ستغفر لي ذلك"
هذا هو ما قالته المرأة تقريبا.
كان التابع قد أعاد السيف إلى غمده، وظل يستمع إلى ذلك الحديث هو يسند مقبض ذلك السيف بيده اليسرى. وبالطبع كان يستمع وهو يتحسس البثرة الحمراء الكبيرة ذات القيح في خده بيده اليمنى. ولكن أثناء ما كان التابع يستمع لذلك، تولدت شجاعة ما داخل قلبه. وهي شجاعة كانت تنقص ذلك الرجل وقتما كان يقف أسفل البوابة منذ قليل. وكانت كذلك شجاعة تسير في اتجاه معاكس تماما لتلك التي واتته وهو يقبض على العجوز منذ قليل أيضا. لم يكن التابع قد تخلص فقط من الحيرة والتردد بين الموت جوعا والتحول إلى لص. ولكن إذا تحدثنا عن المشاعر التي اجتاحت قلب ذلك الرجل وقتها، فلقد طُردت فكرة الموت جوعا من وعيه تماما بحيث لم يكن يفكر فيها مطلقا.
"هل هو ... كذلك حقا؟"
بعد أن أنهت العجوز حديثها، قال التابع ذلك بصوت ساخر. وبعد ذلك تقدم خطوة للأمام، وأبعد فجأة يده اليمنى عن البثرة فأمسك بتلابيب العجوز وكأنه سينقض عليها بأسنانه قائلا:
"إذن لو سلبتُ ملابسك فلن تحقدي عليّ، أليس كذلك؟ فأنا أيضا إن لم أفعل سأموت جوعا"
وفي لمح البصر نزع التابع رداء العجوز وخلعه عنها. ثم بعد ذلك ركل العجوز التي حاولت التشبث بقدمه، ليلقي بها بعنف فوق الجثث. ولم يستغرق الأمر للوصول إلى مدخل السُلّم إلا خمس خطوات معدودة. وفي طرفة عين هبط التابع درجات السُلّم شديد الانحدار إلى قاع الليل وهو يحمل الكيمونو ذا اللون الأرجواني القاتم تحت إبطه.
بعد فترة وجيزة رفعت العجوز التي ظلت فترة راقدة كالموتى فوق الجثث – جسدها العاري من فوق الجثث. ثم زحفت ذاهبة إلى مدخل السُلّم مسترشدة بإضاءة النار التي مازالت مشتعلة، وهي تصدر صوتا يشبه الأنين أو يشبه الهمس. ثم من هناك أسقطت شعر رأسها الأبيض منعكسا لأسفل وتلصصت على أسفل البوابة. لا يوجد في الخارج إلا الليل البهيم الغارق في ظلامٍ مثل ظلام الكهوف.
أما مصير التابع فلا يعلمه أحد.
(الشهر التاسع من العام الرابع من عصر تايشو {سبتمبر 1915})

* نُشرت في جريدة أخبار الأدب المصرية عدد 19 أغسطس 2017


الأربعاء، 15 مارس 2017

من "راشومون" و"في غابة" إلى "في علم الغيب"

 عن "راشومون" و"في غابة"

كانت اليابان في عام 1950 ما زالت محتلة من قوات الحلفاء بقيادة الجيش الأمريكي، بعد خمسة أعوام من إلقاء قنبلتين ذريتين لأول مرة في التاريخ على هيروشيما وناغاساكي، ومسح طوكيو وأغلب المدن اليابانية من على الخريطة بواسطة القصف السجّادي، وحيث كان الجيش الأمريكي هو المُسيّر الحقيقي لكل الأمور في اليابان وذلك قبل إنهاء الاحتلال العسكري لليابان في 1952.
في ذلك العام، أخرج الياباني أكيرا كوروساوا (1910 – 1998) فيلمه الحادي عشر في تاريخه الفني "راشومون" فحصل به على عشر جوائز محلية وعالمية منها جائزة الأسد الذهبي لأحسن فيلم في مهرجان فينسيا وجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي ليكون أول فيلم ياباني يحصل على هاتين الجائزتين العالميتين، وليبدأ العصر الذهبي للسينما اليابانية وللمخرج أكيرا كوروساوا. ومن المعروف أن هذا الفيلم مأخوذ عن قصتين قصيرتين للأديب الياباني ريونوسكيه أكوتاغاوا وهما قصة "راشومون" وقصة "في غابة".
لكن اللافت أن القصة الأساسية التي تدور عليها الأحداث في الفيلم هي قصة "في غابة" وأن كوروساوا لم يأخذ من قصة "راشومون" إلا اسمها والعصر الذي تدور فيه بالإضافة إلى موقع التصوير أمام بوابة راشومون. ولكن أغلب من رأى الفيلم وعرف أن القصة مأخوذة عن الأديب أكوتاغاوا، يعتقد أن قصة راشومون أحداثها هي أحداث الفيلم حتى وصل الأمر أن تستخدم كلمة "راشومون" باللغة الإنجليزية (وتقليدا لها باللغة العربية كذلك وإن كان ذلك في نطاق محدود) للإشارة إلى تلك الحالة من الحيرة وعدم معرفة الحقيقة التي تختلف فيها روايات الأشخاص حول نفس الواقعة.
ولكن كما ذكرت أحداث الفيلم الأساسية هي محور قصة "في غابة" حتى أن تلك الكلمة "في غابة" أو "يابونوناكا" صارت تستخدم الآن في اللغة اليابانية للدلالة على عدم معرفة أين الحقيقة بين روايات عديدة متناقضة لنفس الحدث وذلك تأثرا بأحداث قصة أكوتاغاوا "في غابة". ومما زاد الأمر سوءًا أن عنوان ترجمة المجموعة القصصية التي ضمت القصتين سُميت باسم القصة الأشهر وهي قصة راشومون رغم أن قصة في غابة هي التي تصدرت المجموعة وجاءت بعدها قصة راشومون.
لا أذكر متى أول مرة شاهدتُ فيها فيلم راشومون ولا متى قرأت المجموعة مترجمة باللغة العربية لأول مرة. ولكن المؤكد أن رؤيتي للفيلم سابقة على قراءة أي من أعمال أكوتاغاوا. وفي الفترة الماضية كنت أبحث عن أمر يتعلق بالأديب ريونوسكيه أكوتاغاوا وجعلني الأمر أعيد مشاهدة الفيلم وأعيد قراءة المجموعة القصصية راشومون المترجمة باللغة العربية والتي صدرت عام 2004 باسم "راشومون وقصص أخرى" من دائرة الثقافة والإعلام – حكومة الشارقة وبترجمة الأستاذ كامل يوسف حسين.
فهالني الاختلاف بين النص العربي لقصة "في غابة" والأصل الياباني، مما جعلني أبحث عن الترجمة الإنجليزية التي نقل عنها أستاذنا كامل يوسف حسين حتى أعرف أين حدث اللبس. فوجدتُ أن الاختلاف في أغلبه سببه خطأ الترجمة الإنجليزية. وإن كان هناك خطأ أو اثنين عبارة عن سهو من الأستاذ كامل.
فحفزني ذلك على ترجمة القصة مرة أخرى ومعالجة أخطاء الترجمتين الإنجليزية والعربية بقدر استطاعتي وبعد بحث طويل عن أصل كل كلمة سببت الاختلاف وقراءة عدد من الدراسات اليابانية عن القصة. وأرجو من الله أن تكون أخطائي قليلة.
لن أطيل عليكم وأترككم مع ترجمتي لقصة "في غابة" أو كما أسميتها أنا "في علم الغيب" ثم تليها الترجمة الإنجليزية التي وجدتها على الإنترنت مجهولة المترجم، وبعد ذلك الترجمة العربية عن الترجمة الإنجليزية للأستاذ كامل يوسف حسين سابقة الذكر، وأخيرا الأصل الياباني من موقع أوْزورا باللغة اليابانية على الإنترنت.


في عِلْم الغَيْبِ
(في غابة)
ريونوسكيه أكوتاغاوا

ترجمة: ميسرة عفيفي


أقوال حطّاب أمام هيئة الشرطة والقضاء

نعم هو كذلك. أنا من اكتشف تلك الجثة. لقد ذهبت صباح اليوم كما هي عادتي لقطع أشجار الأرْز في الجبل الخلفي. فوجدتُ تلك الجثة ملقاة في وسط الغابة التي تقع في عمق الجبل. المكان الذي كانت فيه الجثة؟ إنه مكان مهجور لغابة من أشجار الخيزران تختلط بها شُجيرات أرْز نحيلة ويبعد حوالي خمسمئة أو ستمئة مترا من الطريق المؤدية إلى محطة ياماشينا.
كانت الجثة ترقد على ظهرها برداء أزرق وعلى الرأس قبعة تقليدية سوداء على طراز كيوتو. وكانت أوراق الخيزران الساقطة حول الجثة تصطبغ بلون أحمر قاتم، ربما بسبب وجود طعنة في الصدر بسيف أو ما شابه. لا، لم تكن الدماء تنزف من الجثة. يبدو أن الدم تجلط عند فتحة الجرح. وقد التصقت بها ذبابة نبراء يبدو أنها لم تسمع صوت خطواتي، وكانت تلعق الجرح.
هل رأيتُ سيفا أو ما شابه؟ لا، لم يكن هناك أي شيء. لقد عثرتُ فقط على حبل أسفل ذلك الجانب من جذع شجرة أرْز. وبعد ذلك، ... أجل، أجل، عثرت على مشط بخلاف الحبل. ولم يكن حول الجثة شيئا إلا هذين فقط. ولكن من المؤكد أن ذلك القتيل قد أبدى مقاومة عنيفة قبل قتله، فقد دُهست الحشائش وأوراق الخيزران الساقطة على الأرض في المكان بأكمله.
ماذا؟ هل كان هناك جواد أم لا؟ إنه مكان ضيق لا يمكن أن يدخله جواد، وعلى كل حال فالطريق التي تمر منها الجياد توجد على الجهة الأخرى من الغابة.

أقوال راهب متجول أمام هيئة الشرطة والقضاء

أي نعم، إن كانت ذاكرتي صحيحة، فقد قابلت صاحب تلك الجثة أمس. حسنا ... أعتقد أنه وقت ظهيرة الأمس. كان ذلك في طريق عودتي من سيكياما إلى ياماشينا. كان ذلك الرجل يمشي مترجلا في اتجاه سيكياما ومعه امرأة تمتطي جوادا. ولكن كانت المرأة ترتدي قبعة يتدلى منها وشاح فلم أستطع رؤية وجهها. كان ما رأيته فقط لون ملابسها الخريفية. كان الجواد – على ما أتذكر – أشهب اللون وكان شعر عنقه مقصوصا بعناية. طول الجواد؟ لا بد وأن طوله يصل إلى متر وأربعين سنتيمترا. على كل الأحوال أنا راهب زاهد ولذا لا أعلم الكثير عن هذه الأمور. الرجل؟ لا بل كان يتمنطق سيفه ويحمل كذلك قوسا وسهاما. ومازلت حتى الآن أتذكر بوضوح وبصفة خاصة الكنانة المطلية بصبغة سوداء، التي وُضع فيها حوالي عشرين سهما.
لم أتوقع أو أتخيل أن يؤول مصيره إلى ذلك الحال. يا لحياة الإنسان التي تزول في لمح البصر كالندى والبرق! آه ... يا له من حدث مروّع لا أجد ما أقوله إزاءه!

أقوال مُخبر[1] أمام هيئة القضاء والشرطة

الشخص الذي أمسكتُ به؟ كان لصا شهيرا اسمه على ما أتذكر تاجومارو. وفي الحقيقة أنني عندما أمسكتُ به كان قد سقط من فوق الجواد، وكان يتنهد فوق جسر بوابة أوادا الحجري. الوقت؟ كان يقترب من وقت العِشاء في الليلة الماضية. لقد كان في المرة السابقة التي فشلتُ في الإمساك به، يرتدي أيضا نفس ذلك الرداء الأزرق، ويتمنطق سيفا منقوشا عليه زخارف. ولكن هذه المرة كما ترون، يحمل معه أيضا قوسا وسهاما. هل كان الأمر كذلك؟ هل ذلك ما كان يحمله القتيل؟ ... إذن لا ريب أن القاتل هو تاجومارو. كان ذلك الرجل يحمل قوسًا محاطًا بالجلد وكنانة بصبغة سوداء وسبعة عشر سهمًا ملصقًا بها ريش صقر. أجل. كما تفضلت بالقول كان الجواد أشهب اللون وكان شعر عنقه مقصوصا بعناية. و لا شك أن إسقاط تلك البهيمة له من على ظهرها بسبب حقد دفين. كان الجواد يجر عنانه كما هو ويأكل من الأعشاب الخضراء التي على حافة الطريق، على بُعد مسافة قصيرة من الجسر الحجري.
يشتهر تاجومارو هذا من بين اللصوص الذين يهيمون على وجوههم داخل العاصمة بحبه للنساء. وقيل إنه هو الذي قتل زوجة مع طفلتها جاءتا في خريف العام الماضي، للتعبد لتمثال بيندولا بمعبد توريبي في الجبل خلف المعبد. وإن كان هو الذي قتل هذا الرجل، فلا يمكن تخمين إلى أين أخذ المرأة التي كانت تمتطي ذلك الجواد الأشهب وماذا فعل بها؟ وربما يكون قولي هذا به بعض الوقاحة، ولكن أرجو منكم وضع مصير المرأة أيضا في الاعتبار.

أقوال امرأة عجوز أمام هيئة الشرطة والقضاء

نعم تلك جثة الرجل الذي تزوجته ابنتي. لم يكن أصله من العاصمة، بل هو ساموراي يعمل في حكومة مقاطعة واكاسا. واسمه تاكيهيرو ابن كانازاوا، وعمره 26 عاما. لا، فقد كان رجلا صالحا ولا أعتقدُ أنه هناك من يحقد عليه أو يكرهه.
ابنتي؟ اسمها ماساغو، وعمرها 19 عاما. إنها عنيدة وذات شخصية قوية ربما تفوق الرجال، ولكنها لم تعرف رجلا قبل زوجها تاكيهيرو. وهي ذات وجه صغير بيضوي أسمر اللون، وبها شامة سوداء بطرف عينها اليسرى.
لقد غادر تاكيهيرو أمس مع ابنتي متجهان إلى مقاطعة واكاسا، ولكن أصابه ما أصابه، يا لها من عاقبة سيئة[2]. ولكن تُرى ما الذي حدث لابنتي؟ حتى وإن أقنعتُ نفسي بفقدان زوجها، ولكن مصير ابنتي يقلقني غاية القلق. أرجو أن تستجيبوا لي فهذا آخر رجاء لعجوز مثلي في الحياة، اذهبوا للبحث عنها بكل الوسائل. إنني أصب جام غضبي على ذلك اللص الذي يُسمى تاجومارو أو أيًا كان اسمه. ليس فقط زوجها، ولكن ابنتي أيضا ... (بعد ذلك أجهشت بالبكاء بدون كلمات)
        

اعترافات تاجومارو

أنا من قتل ذلك الرجل. ولكني لم أقتل المرأة. أين ذهبتْ؟ هذا ما لا أعرف عنه شيئا. آه ... مهلا، مهما عُذبتُ فلن أستطيع النطق بما لا أعرفه. علاوة على ذلك، فليس لدي نية بعد ما حدث أن أكون جبانا وأُخفي شيئا.
لقد قابلت الزوجين أمس بعد الظهيرة بقليل. ولمحتُ وجه الزوجة في ومضة سريعة من رياح ذلك الوقت رفعت الوشاح الحريري المتدلي من قبعتها. ولكن في اللحظة التي رأيته فيها اختفى مرة أخرى، ولربما كان ذلك هو السبب لكي يظهر لي وجه تلك المرأة وكأنه وجه أنثى بوديساتفا[3]. ولذا عقدتُ العزم في لحظة فجائية على أن أخطفها حتى لو اضطرني ذلك إلى قتل زوجها.
ماذا؟ إن قتل رجل ليس بالأمر العظيم كما تعتقدون أنتم. فعلى أي حال أن يختطف رجلٌ امرأةً يعني بالتأكيد قتل رجلها. ولكني عندما أقتل أستخدمُ سيفي المتدلي من خصري، ولكن أنتم لا تستخدمون السيف، أنتم تقتلون باستخدام سلطتكم وأموالكم، بل وفي بعض الحالات تقتلون بمجرد الكلام المتزلف الذي يتصنع الرحمة. بالتأكيد أفهم أنكم لا تريقون الدماء، وتظل ضحيتكم حية بلا شك، ... ولكن دعوني أقولها لكم؛ إن ذلك هو القتل بعينه. هل أنتم الأشرار أم أنا؟ أنا لا أعرف من فينا الشرير؟ (ابتسامة ساخرة)
ولكني سأكون راضيا لو استطعتُ خطف المرأة دون أن أقتل رجلها. لا، بل إنني عقدت العزم في داخلي وقتها على محاولة خطف المرأة بدون قتل زوجها. ولم يكن ذلك ممكنا في تلك الطريق المؤدية إلى محطة ياماشينا. ولذلك وضعتُ خطة لاستدراج الزوجين إلى داخل الجبل.
ولم يكن ذلك صعبا. فبعد أن صرتُ مرافقا للزوجين في طريقهما، تحدثتُ إليهما أنني اكتشفتُ مقبرة عتيقة في تلة عالية داخل الجبل، وأنني عندما فتحتها عثرتُ فيها على عدد كبير من السيوف والمرايا، ولكيلا يعلم أحد بها دفنتها في غابة في عمق الجبل. وإن كانا يرغبان في الحصول على شيء منها فإنني على استعداد لإعطائهما ما يريدانه بسعر رخيص. فبدأ قلب الرجل تدريجيا يميل إلى كلامي. ما رأيكم؟ ألا ترون أن الطمع شيء مخيف؟ لم تمر نصف ساعة حتى وجّه هذان الزوجان عنان جوادهما معي في اتجاه عمق الجبل.
وعندما وصلنا إلى مشارف الغابة قلت للزوج: "لقد دفنت الكنز داخل تلك الغابة، تعال معي لرؤيته" كان طمع الرجل تجاه الكنز قد فاق الوصف وبالتالي لم يكن لديه أي اعتراض. ولكن المرأة قالت إنها ستنتظر هنا دون أن تهبط من فوق جوادها. وعند النظر إلى كثافة تلك الغابة كان قولها هذا مقبولا. ولكن في الواقع كان ذلك ينطبق تماما مع خطتي، فتركنا المرأة وحيدة ودخلنا الغابة أنا والرجل.
كانت الغابة في بدايتها تقتصر على الخيزران فقط. ولكن بعد حوالي خمسين مترا كان هناك مكان مفتوح به تجمع من أشجار الأرْز المتباعدة قليلا عن بعضها البعض، ... وما من مكان أكثر ملائمة لي لإنجاز عملي من هذا المكان. كنتُ وأنا أسير مبعدا الخيزران بيدي أشرح له كلاما يبدو مقنعا أنني دفنتُ الكنز أسفل إحدى أشجار الأرْز. وعندما قلت ذلك للرجل أخذ يتقدم بكل جهده في مشيه قاصدا غابة أشجار الأرْز. وأثناء ذلك وعندما أصبحت أشجار الخيزران أقل كثافة وجدنا صفًا من أشجار الأرْز، ... وبمجرد أن وصلنا إلى هناك أسرعتُ إلى طرحه أرضا بشكل مفاجئ. كان الرجل يبدو أنه يملك قوة جبارة حيث أنه محارب يتمنطق سيفا، ولكنه لم يتمكن من فعل شيء بسبب المفاجأة. وفي التو والحال قمتُ بتقييده في جذع شجرة أرْز. الحبل؟ أنا ممتن لكوني لصا فدائما أحمل حبلا حول خصري حيث لا أعرف متى سأضطر إلى تخطى جدارا عاليا. ثم وضعتُ كمية من أوراق شجر الخيزران الساقطة على الأرض في فمه من أجل ألا يصدر صوتا، ولم تكن ثمة أية عقبات أخرى.
بعد أن تخلصتُ من أمر الرجل بهذا الشكل ذهبتُ هذه المرة إلى المرأة، فقلت لها إن زوجها أصابه مرض مفاجئ ويجب عليها الذهاب لرؤيته. ولا داعي للقول إن ذلك أحدث مفعوله، فقد دخلت المرأة معي إلى عمق الغابة وأنا أمسك بيدها بعد أن خلعت قبعتها المصنوعة من القش. ولكن عندما وصلتْ المرأة إلى موضع زوجها المقيد في جذع شجرة الأرْز، ونظرتْ إليه نظرة خاطفة، وجهت نحوي نصل خنجر في لمح البصر ولا أدري متى أخرجته من جَيْبها بتلك السرعة. لم أقابل في حياتي كلها حتى تلك اللحظة امرأة على هذه الدرجة من العنفوان. لو كنتُ تراخيت وقتها للحظة لأصابت بطني طعنة من ذلك الخنجر. فبعد أن راوغتها بجسدي لتفادي الطعنة الأولى، كادت أن تصيبني إصابة كبيرة بعد أن ظلتْ تحاول طعني مرات عدة. ولكن أنا تاجومارو! نجحتُ أخيرا في إسقاط الخنجر من يدها دون اللجوء إلى نزع سيفي من غمده. ومهما كانت المرأة جسورة فإن لم يكن معها سلاح تصير مكسورة الجناح. وفي النهاية استطعتُ الحصول على المرأة بدون أن أضطر إلى سلب زوجها حياته.
بدون أن أسلب الزوج حياته ... نعم هو كما ذكرتُ. فلم يكن في نيتي قتل الرجل بعد ذلك. ولكن، بعد أن كنتُ على وشك الهرب خارج الغابة تاركا المرأة تبكي خلفي، وجدتها تتشبث فجأة بذراعي مثل المجنونة. كانت تصرخ بصوت متهدج: "أرجوك يجب أن تموت أنت، أو يموت زوجي. يجب أن يموت أحدكما، فإن الموت أهون عليّ من أن يعيش رجلان رأيا عاري. لا، بل أريد العيش مع من يتبقى منكما على قيد الحياة أيًا كان" ... أجل لقد قالت ذلك وهي تئن وتنهج. وعندها استبدت بي رغبة عارمة في أن أقتل الرجل. (اهتياج كئيب)
لا بد أنني أبدو أمامكم إنسانا وحشيا عديم الرحمة بسبب ذلك القول. ولكن ذلك لأنكم لم تروا وجه تلك المرأة. لأنكم لم تروا بصفة خاصة تينك العينين اللتين بدتا وكأنهما على وشك الاشتعال. عندما تلاقت عيني مع عين المرأة تمنيت لو آخذها زوجة لي حتى لو أدى ذلك إلى أن تصيبني صاعقة من السماء. أريدها زوجة لي. ... كان هذا فقط الأمر الوحيد الذي سيطر على ذهني وقتها. ولم يكن الأمر مجرد شهوة جسدية دنيئة مثلما تعتقدون. فلو كان الأمر مجرد شهوة جسدية فقط، لهربتُ من المكان بالتأكيد غير عابئ بالمرأة. ولو كنتُ فعلت ذلك لما كان لسيفي أن يُلطّخ بدماء زوجها. ولكني في اللحظات التي تأملتُ فيها طويلا وجه تلك المرأة وسط عتمة الغابة، تيقنتُ أنني لن أستطيع مغادرة هذا المكان دون قتله.
ولكني حتى لو اضطررتُ إلى قتله، لم أكن أريد أن أقتله بخسة ودناءة. ولذا بعد أن فككت عنه وثاقه طلبتُ منه المبارزة بالسيف. (الحبل الذي وُجد أسفل جذع شجرة الأرْز كان هو ذلك الوثاق الذي فُك عن الزوج وقتذاك). سحب الزوج ذو الوجه الشاحب سيفه عريض النصل من غمده. وقبل أن أفكر في شيء كان قد انقض عليّ فجأة مهاجما إياي. ... وبالطبع لا داعي لإخباركم بنتيجة المبارزة. فلقد اخترق سيفي صدره في الضربة الثالثة والعشرين. نعم في الضربة الثالثة والعشرين، ... أرجوكم ألا تنسوا ذلك. فأنا حتى هذه اللحظة منبهرٌ من ذلك الأمر. فلا يوجد في هذه البلاد رجل تخطى العشرين ضربة في مبارزة معي إلا ذلك الرجل. (ابتسامة نشوة)
وفي لحظة سقوط الزوج، التفتُ للخلف تجاه المرأة وأنا أخفض سيفي المضرج بدمائه. ولكن ماذا! لم أعثر على المرأة في أي مكان. وقد بحثتُ عن المرأة الهاربة بين أشجار الأرْز. ولكن لم أجد أي أثر يدل عليها فوق الأرض المفروشة بأوراق الخيزران الساقطة. أصغيت أذني ولكني لم أسمع إلا حشرجة الرجل المحتضر.
ربما أسرعت المرأة بمجرد أن بدأنا المبارزة بالهرب إلى خارج الغابة لطلب النجدة. وعندما فكرتُ في الأمر رأيت أن حياتي في خطر، فأسرعتُ بالخروج إلى الطريق الجبلية بعد أن سرقتُ سيف الرجل وقوسه وسهامه. وهناك وجدتُ جواد المرأة يأكل في هدوء. وإبلاغكم بما حدث بعد ذلك من تفاصيل سيكون مجرد مضيعة للوقت، ولكن قبل دخولي العاصمة كنت قد تخلصتُ بالفعل من السيف. هذا هو اعترافي بما فعلتُ. أعلم أن رأسي مصيرها التعليق على غصن شجرة[4] في يوم من الأيام، لذا أرجو توقيع أقصى عقوبة عليّ. (يأخذ وضع الكبرياء والتحدي)

اعترافات امرأة جاءت للتوبة في معبد كيوميزو

... بعد أن اغتصبني ذلك الرجل ذو الرداء الأزرق، ضحك ساخرا وهو ينظر إلى زوجي في وثاقه. من المؤكد أن زوجي كان في غاية الحزن والغضب. ولكنه مهما حاول الإفلات، كانت القيود التي تلف جسده كله تضيق على لحمه أكثر وأكثر. دون وعي اقتربتُ من زوجي وكأنني أتدحرج. لا بل حاولتُ الاقتراب منه جريا. ولكن ركلني الرجل في جزء من الثانية لأسقط هناك. أدركتُ في تلك اللحظة بالضبط بريقا لا يمكن التعبير عنه بالكلمات يملأ عيني زوجي. ... حتى الآن كلما تذكرتُ تينك العينين التي لا يمكن التعبير عنهما بالكلمات، لا أقدر على إيقاف الرعدة التي تصيب جسدي. أبلغني زوجي الذي لم يكن يستطيع التلفظ بكلمة واحدة، بتلك النظرة كل ما يعتري قلبه من مشاعر. ولكن لم يكن الذي لمع في عينيه وقتها غضبا أو حزنا، ... بل كان فقط شعاعا من بريق بارد يمتلئ بالاحتقار تجاهي. وعندها صرختُ بشيء غير مفهوم فاقدة الوعي أخيرا، ليس بسبب ركلة الرجل ولكن على الأحرى بسبب تلك الضربة من بريق عيني زوجي.
وعندما استعدتُ الوعي بعد قليل، كان رجل الرداء الأزرق قد اختفى بالفعل. ورأيت فقط زوجي ما يزال مقيدا في جذع شجرة الأرْز. نهضتُ بصعوبة من فوق أعواد الخيزران، ونظرتُ إلى وجه زوجي، ولكن لم تتغير نظراته مطلقا عمّا كانت عليه منذ قليل.
كان يُظهر كراهية خلف الاحتقار البارد في عينيه. وكذلك عارًا وحزنًا وغضبًا ... لا أستطيع التعبير عمّا كان في قلبي في ذلك الوقت. نهضتُ ثم اقتربتُ من زوجي وأنا أترنح.
"زوجي الحبيب، لا يمكنني العيش معك بعد ما حدث. أنا على أتم الاستعداد للموت. ولكن ... ولكن أرجو أن تموت أنت أيضا. لقد رأيتَ عاري. ولا يمكنني تركك تعيش بعد ذلك"
قلتُ له ذلك فقط بعد بذل كل طاقتي وجهدي. ولكن زوجي كان فقط ينظر إليَّ بألم وغضب. بحثتُ عن سيف زوجي وأنا ألملم نياط قلبي الذي انفطر. لا بد أن ذلك اللص قد سرقه. فلم أعثر على سيفه ولا قوسه ولا سهامه في أي مكان من الغابة. ولكن لحسن الحظ كان خنجري ملقيا بالقرب من قدمي. رفعت ذلك الخنجر عاليا ثم قلت لزوجي ثانية: "حسنا أعطني حياتك. وسأتبعك على الفور"
عندما سمع زوجي تلك الكلمات، حرك شفتيه أخيرا. بالطبع كان فمه محشوا بأوراق الشجر، فلم يكن صوته مسموعا مطلقا. ولكن في نظرة خاطفة فهمتُ كلماته. قال كلمة واحدة وهو بنفس احتقاره لي: "اقتليني" وفي حالة تشبه الغيبوبة غرزتُ الخنجر الصغير في سويداء قلبه مخترقا ردائه الأزرق الفاتح.
لا بد أنني وقتها فقدتُ الوعي مرة أخرى. وأخيرا عندما عُدتُ لوعيي وتفقدتُ المكان بنظري كان زوجي قد لفظ بالفعل أنفاسه الأخيرة وهو في قيده كما هو. كانت حزمة من أشعة شمس الغروب تسقط من سماء الخيزران الممتزج بالأرْز على وجهه الشاحب. فككتُ وثاق الجثة وأنا أبتلع بكائي وألقيتُ بالحبل. ثم ... ثم ماذا حدث لي؟ لم يعد لدي قوة لكي أخبركم عن ذلك. ولكن على كل حال لم أستطع الانتحار. لقد حاولت طعن عنقي بالخنجر، وإلقاء نفسي في بحيرة عند سفح الجبل، لقد حاولت بطرق متعددة، ولكن لم أستطع إنهاء حياتي، ولا يمكنني الفخر طالما بقيت بهذا الشكل. (ابتسامة موْحشة) من المؤكد أنه حتى الإلهة كانون ربة الرحمة قد تخلت عن إنسانة عديمة النفع مثلي. ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ أنا التي قتلت زوجها، واغتصبها لص؟ ماذا كان بإمكاني ...  أنا ... (نحيب عنيف مفاجئ).


أقوال روح القتيل بالاستعانة بوسيطة روحانية


... جلس اللص هناك بعد أن اغتصب زوجتي، وبدأ يواسيها. وبالطبع لم أكن أستطيعُ التحدث. وكان جسدي كذلك مقيدا في جذع شجرة الأرْز. ولذا غمزتُ لزوجتي أكثر من مرة، كنتُ أريد أن أرسل لها ما معناه "لا تسمعي لذلك الرجل، وتأكدي أن كل ما يقوله كذب" ... ولكن زوجتي جلستْ فوق أوراق الخيزران منهارة القوى تنظر بثبات إلى ركبتيها. كانت تستمع لكلماته على ما يبدو. وكنتُ أتلوّى من الغيرة. وأثناء ذلك كان اللص يتنقل في حديثه من موضوع إلى آخر ببراعة. إلى أن عرض اللص أخيرا اقتراحه التالي بوقاحة: "بعد أن تلوث جسدك مرة، لا يمكن التصالح مع زوجك بعدها، ما رأيك أن تصيري زوجتي عوضا عنه؟ إن حبي لكِ هو الذي دفعني لهذا السلوك العنيف"
بعد أن انتهى اللص من الكلام، رفعت زوجتي وجهها وكأنها مسحورة. ولم يسبق لي رؤية زوجتي بهذا الجمال من قبل. ولكن ما الذي أجابت به زوجتي رائعة الجمال تلك على اللص وأنا أمامها في قيودي؟ لقد كنتُ أحترق من الغضب، حتى أثناء التيه في البرزخ[5] كلما تذكرتُ رد زوجتي وقتها. لقد قالت زوجتي بكل تأكيد ما يلي: "موافقة، خذني معك إلى أي مكان تريد" (فترة طويلة من الصمت)
ولم تكن تلك فقط كل جريمتها. إن كانت تلك فقط، إذن لم أكن لأعاني الآن تلك المعاناة القاسية في الظلام. عندما كانت على وشك مغادرة الغابة كما لو كانت في حلم يقظة، ويدها في يد اللص، تحول وجهها فجأة للشحوب، وأشارت إليَّ أنا المقيد تحت شجرة الأرْز وقالت: "اقتل ذلك الرجل! فلن أستطيع البقاء معك ما دام ذلك الرجل على قيد الحياة" ... ثم صرخت زوجتي مرات عديدة وكأنها أصيبت بمس من الجنون: "اقتل ذلك الرجل!" ... حتى هذه اللحظة تحاول تلك الكلمات إسقاطي في قاع الظلام البعيد وكأنها إعصار. هل سبق أن تلفظ إنسان بمثل تلك الكلمات المقيتة؟ هل سبق أن سمع إنسان مثل تلك الكلمات الملعونة؟ ... ولو مرة واحدة فقط؟ (تنطلق فجأة ضحكة سخرية) حتى اللص ذاته شحب وجهه عندما سمع تلك الكلمات. صرخت زوجتي مرة أخرى متعلقة بذراع اللص قائلة: "اقتل ذلك الرجل!" ظل اللص ينظر بثبات إليها دون أن يجيب بالنفي أو بالإيجاب. ... ولكن بينما كنتُ أفكر فيما سيكون رده، فوجئتُ به يركل زوجتي ركلة واحدة لتسقط فوق أوراق الخيزران. (مرة أخرى تنطلق ضحكة سخرية) عقد اللص ذراعيه بهدوء، ونظر إليَّ قائلا: "ماذا تريدني أن أفعل بتلك المرأة؟ أأقتلها أم أتركها؟ ليكن ردك بالإيماء فقط. أأقتلها؟"  إزاء كلماته تلك فقط أنا على استعداد للعفو عن جريمته. (مرة أخرى فترة طويلة من الصمت)
وبينما أنا واقع في حيرة، صرختْ زوجتي وانطلقتْ تعدو إلى أعماق الغابة. حاول اللص اللحاق بها في الحال ولكن بدا أنه فشل في الإمساك حتى بكمِّ ردائها. كنتُ أتأمل ذلك المشهد وكأنه حلم.
بعد أن هربتْ زوجتي بعيدا، أخذ اللص سيفي وقوسي وسهامي، ثم قطع مكانا واحدا من وثاقي. أتذكر أنه بينما كان يختفي عن الأنظار خارجا من الغابة همس قائلا: "حياتي الآن في خطر" بعد ذلك خيم الصمت على كل شيء. لا ... بل سمعتُ أحدهم يبكي. أصغيتُ السمع بثبات وأنا أفك باقي قيودي، فلاحظتُ إنه كان صوت بكائي أنا. (مرة ثالثة فترة طويلة من الصمت)
أخيرا نهضتُ من فوق جذع شجرة الأرْز بجسدي الذي بلغ به الإرهاق مداه. وأمامي مباشرة كان يلمع الخنجر الذي سقط من زوجتي. أخذته وطعنت به صدري. تصاعدت كتلة دموية حارة حتى فمي. ولكني لم أشعر بأية آلام. وعندما برد صدري غرق كل شيء في صمت وهدوء. يا له من هدوء! لا يُسمع صياح طائر واحد في سماء تلك الغابة الواقعة في بطن الجبل. كان شعاع ضوء مُوْحش يسكن قمم أشجار الأرْز والخيزران. ... خَفَت الضوء تدريجيا. ... أصبح لا يمكن رؤية أشجار الأرْز والخيزران. أحاط بي هدوء عميق وأنا راقد هناك كما أنا.
وعندها جاء شخص ما إلى جواري بخطواتٍ متسللة. وحاولت أن أنظر تجاهه. ولكن كان الظلام قد أرخى سدوله من حولي. شخص ما ... نزع ذلك الشخص المجهول الخنجر برفق من صدري بيده التي لا أراها. وفي الوقت نفسه انفجر تيار الدماء في فمي مرة أخرى. وبعدها غرقتُ في ظلام البرزخ إلى الأبد.

 In a Grove
Ryunosuke Akutagawa
The Testimony of a Woodcutter, Questioned by a High Police Commissioner
1 Yes, sir. Certainly, it was I who found the body. This morning, as usual, I went to cut my daily quota of cedars, when I found the body in a grove in a hollow in the mountains. The exact location? About 150 meters off the  Yamashina stage road. It's an out-of-the-way grove of bamboo and cedars.
2 The body was lying flat on its back dressed in a bluish silk kimono and a wrinkled headdress of the Kyoto style. A single sword-stroke had pierced the breast. The fallen bamboo-blades around it were stained with bloody blossoms. No, the blood was no longer running. The wound had dried up, I believe. And also, a gad-fly was stuck fast there, hardly noticing my footsteps.
3 You ask me if I saw a sword or any such thing?
4 No, nothing, sir. I found only a rope at the root of a cedar near by. And . . . well, in addition to a rope, I found a comb. That was all. Apparently he must have made a battle of it before he was murdered, because the grass and fallen bamboo-blades had been trampled down all around.
5 "A horse was near by?"
6 No, sir. It's hard enough for a man to enter, let alone a horse.

The Testimony of a Traveling Buddhist Priest, Questioned by a High Police Commissioner
7 The time? Certainly, it was about noon yesterday, sir. The unfortunate man was on the road from Sekiyama to Yamashina. He was walking toward Sekiyama with a woman accompanying him on horseback, who I have since
learned was his wife. A scarf hanging from her head hid her face from view. All I saw was the color of her clothes, a lilaccolored suit. Her horse was a sorrel with a fine mane. The lady's height? Oh, about four feet five inches. Since I am a Buddhist priest, I took little notice about her details. Well, the man was armed with a sword as well as a bow and arrows. And I remember that he carried some twenty odd arrows in his quiver.
8 Little did I expect that he would meet such a fate. Truly human life is as evanescent as the morning dew or a flash of lightning. My words are inadequate to express my sympathy for him.

The Testimony of a Policeman, Questioned by a High Police Commissioner
9 The man that I arrested? He is a notorious brigand called Tajomaru. When I arrested him, he had fallen off his horse. He was groaning on the bridge at Awataguchi. The time? It was in the early hours of last night. For the record, I might say that the other day I tried to arrest him, but unfortunately he escaped. He was wearing a dark blue silk kimono and a large plain sword. And, as you see, he got a bow and arrows somewhere. You say that this bow and these arrows look like the ones owned by the dead man? Then Tajomaru must be the murderer. The bow wound with leather strips, the black lacquered quiver, the seventeen arrows with hawk feathers—these were all in his possession I believe. Yes, Sir, the horse is, as you say, a sorrel with a fine mane. A little beyond the stone bridge I found the horse grazing by the roadside, with his long rein dangling. Surely there is some providence in his having been thrown by the horse. 10 Of all the robbers prowling around Kyoto, this Tajomaru has given the most grief to the women in town. Last autumn a wife who came to the mountain back of the Pindora of the Toribe Temple, presumably to pay a visit, was murdered, along with a girl. It has been suspected that it was his doing. If this criminal murdered the man, you cannot tell what he may have done with the man's wife. May it please your honor to look into this problem as well.

The Testimony of an Old Woman, Questioned by a High Police Commissioner
11 Yes, sir, that corpse is the man who married my daughter. He does not come from Kyoto. He was a samurai in the town of Kokufu in the province of Wakasa. His name was Kanazawa no Takehiko, and his age was twenty-six. He was of a gentle disposition, so I am sure he did nothing to provoke the anger of others.
12 My daughter? Her name is Masago, and her age is nineteen. She is a spirited, fun-loving girl, but I am sure she has never known any man except Takehiko. She has a small, oval, darkcomplected face with a mole at the corner of her left eye.
13 Yesterday Takehiko left for Wakasa with my daughter. What bad luck it is that things should have come to such a sad end! What has become of my daughter? I am resigned to giving up my son-in-law as lost, but the fate of my daughter worries me sick. For heaven's sake leave no stone unturned to find her. I hate that robber Tajomaru, or whatever his name is. Not only my son-in-law, but my daughter . . . (Her later words were drowned in tears.)

Tajomaru's Confession
14 I killed him, but not her. Where's she gone? I can't tell. Oh, wait a minute. No torture can make me confess what I don't know. Now things have come to such a head, I won't keep anything from you. 15 Yesterday a little past noon I met that couple. Just then a puff of wind blew, and raised her hanging scarf, so that I caught a glimpse of her face. Instantly it was again covered from my view. That may have been one reason; she looked like a Bodhisattva. At that moment I made up my mind to capture her even if I had to kill her man.
16 Why? To me killing isn't a matter of such great consequence as you might think. When a woman is captured, her man has to be killed anyway. In killing, I use the sword I wear at my side. Am I the only one who kills people? You, you don't use your swords. You kill people with your power, with your money. Sometimes you kill them on the pretext of working for their good. It's true they don't bleed. They are in the best of health, but all the same you've killed them. It's hard to say who is a greater sinner, you or me. (An ironical smile.)
17 But it would be good if I could capture a woman without killing her man. So, I made up my mind to capture her, and do my best not to kill him. But it's out of the question on the Yamashina stage road. So I managed to lure the couple into the mountains.
18 It was quite easy. I became their traveling companion, and I told them there was an old mound in the mountain over there, and that I had dug it open and found many mirrors and swords. I went on to tell them I'd buried the things in a grove behind the mountain, and that I'd like to sell them at a low price to anyone who would care to have them. Then . . . you see, isn't greed terrible? He was beginning to be moved by my talk before he knew it. In less than half an hour they were driving their horse toward the mountain with me.
19 When he came in front of the grove, I told them that the treasures were buried in it, and I asked them to come and see. The man had no objection—he was blinded by greed. The woman said she would wait on horseback. It was natural for her to say so, at the sight of a thick grove. To tell you the truth, my plan worked just as I wished, so I went into the grove with him, leaving her behind alone.
20 The grove is only bamboo for some distance. About fifty yards ahead there's a rather open clump of cedars. It was a convenient spot for my purpose. Pushing my way through the grove, I told him a plausible lie that the treasures were buried under the cedars. When I told him this, he pushed his laborious way toward the slender cedar visible through the grove. After a while the bamboo thinned out, and we came to where a number of cedars grew in a row. As soon as we got there, I seized him from behind. Because he was a trained, sword-bearing warrior, he was quite strong, but he was taken by surprise, so there was no help for him. I soon tied him up to the root of a cedar. Where did I get a rope? Thank heaven, being a robber, I had a rope with me, since I might have to scale a wall at any moment. Of course it was easy to stop him from calling out by gagging his mouth with fallen bamboo leaves.
21 When I disposed of him, I went to his woman and asked her to come and see him, because he seemed to have been suddenly taken sick. It's needless to say that this plan also worked well. The woman, her sedge hat off, came into the depths of the grove, where I led her by the hand. The instant she caught sight of her husband, she drew a small sword. I've never seen a woman of such violent temper. If I'd been off guard, I'd have got a thrust in my side. I dodged, but she kept on slashing at me. She might have wounded me deeply or killed me. But I'm Tajomaru. I managed to strike down her small sword without drawing my own. The most spirited woman is defenseless without a weapon. At least I could satisfy my desire for her without taking her husband's life.
22 Yes . . . without taking his life. I had no wish to kill him. I was about to run away from the grove, leaving the woman behind in tears, when she frantically clung to my arm. In broken fragments of words, she asked that either her husband or I die. She said it was more trying than death to have her shame known to two men. She gasped out that she wanted to be the wife of whichever survived. Then a furious desire to kill him seized me. (Gloomy excitement.)
23 Telling you in this way, no doubt I seem a crueler man than you. But that's because you didn't see her face. Especially her burning eyes at that moment. As I saw her eye to eye, I wanted to make her my wife even if I were to be struck by lightning. I wanted to make her my wife . . . this single desire filled my mind. This was not only lust, as you might think. At that time if I'd had no other desire than lust, I'd surely not have minded knocking her down and running away. Then I wouldn't have stained my sword with his blood. But the moment I gazed at her face in the dark grove, I decided not to leave there without killing him.
24 But I didn't like to resort to unfair means to kill him. I untied him and told him to cross swords with me. (The rope that was found at the root of the cedar is the rope I dropped at the time.) Furious with anger, he drew his thick sword. And quick as thought, he sprang at me ferociously, without speaking a word. I needn't tell you how our fight turned out. The twenty-third stroke . . . please remember this. I'm impressed with this fact still. Nobody under the sun has ever clashed swords with me twenty strokes. (A cheerful smile.)
25 When he fell, I turned toward her, lowering my bloodstained sword. But to my great astonishment she was gone. I wondered to where she had run away. I looked for her in the clump of cedars. I listened, but heard only a groaning sound from the throat of the dying man.
26 As soon as we started to cross swords, she may have run away through the grove to call for help. When I thought of that, I decided it was a matter of life and death to me. So, robbing him of his sword, and bow and arrows, I ran out to the mountain road. There I found her horse still grazing quietly. It would be a mere waste of words to tell you the later details, but before I entered town I had already parted with the sword. That's all my confession. I know that my head will be hung in chains anyway, so put me down for the maximum penalty. (A defiant attitude.)

The Confession of a Woman Who Has Come to the Shimizu Temple
27 That man in the blue silk kimono, after forcing me to yield to him, laughed mockingly as he looked at my bound husband. How horrified my husband must have been! But no matter how hard he struggled in agony, the rope cut into him all the more tightly. In spite of myself I ran stumblingly toward his side. Or rather I tried to run toward him, but the man instantly knocked me down. Just at that moment I saw an indescribable light in my husband's eyes. Something beyond expression . . . his eyes make me shudder even now. That instantaneous look of my husband, who couldn't speak a word, told me all his heart. The flash in his eyes was neither anger nor sorrow . . . only a cold light, a look of loathing. More struck by the look in his eyes than by the blow of the thief, I called out in spite of myself and fell unconscious.
28 In the course of time I came to, and found that the man in blue silk was gone. I saw only my husband still bound to the root of the cedar. I raised myself from the bamboo-blades with difficulty, and looked into his face; but the expression in his eyes was just the same as before.
29 Beneath the cold contempt in his eyes, there was hatred. Shame, grief, and anger . . . I don't know how to express my heart at that time. Reeling to my feet, I went up to my husband.
30 "Takejiro," I said to him, "since things have come to this pass, I cannot live with you. I'm determined to die . . . but you must die, too. You saw my shame. I can't leave you alive as you are."
31 This was all I could say. Still he went on gazing at me with loathing and contempt. My heart breaking, I looked for his sword. It must have been taken by the robber. Neither his sword nor his bow and arrows were to be seen in the grove. But fortunately my small sword was lying at my feet. Raising it over head, once more I said, "Now give me your life. I'll follow you right away."
32 When he heard these words, he moved his lips with difficulty. Since his mouth was stuffed with leaves, of course his voice could not be heard at all. But at a glance I understood his words. Despising me, his look said only, "Kill me." Neither conscious nor unconscious, I stabbed the small sword through the lilac-colored kimono into his breast.
33 Again at this time I must have fainted. By the time I managed to look up, he had already breathed his last—still in bonds. A streak of sinking sunlight streamed through the clump of cedars and bamboos, and shone on his pale face. Gulping down my sobs, I untied the rope from his dead body. And . . . and what has become of me since I have no more strength to tell you. Anyway I hadn't the strength to die. I stabbed my own throat with the small sword, I threw myself into a pond at the foot of the mountain, and I tried to kill myself in many ways. Unable to end my life, I am still living in dishonor. (A lonely smile.) Worthless as I am, I must have been forsaken even by the most merciful Kwannon. I killed my own husband. I was violated by the robber. Whatever can I do? Whatever can I . . . I . . . (Gradually, violent sobbing.)

The Story of the Murdered Man, as Told Through a Medium
34 After violating my wife, the robber, sitting there, began to speak comforting words to her. Of course I couldn't speak. My whole body was tied fast to the root of a cedar. But meanwhile I winked at her many times, as much as to say "Don't believe the robber." I wanted to convey some such meaning to her. But my wife, sitting dejectedly on the bamboo leaves, was looking hard at her lap. To all appearance, she was listening to his words. I was agonized by jealousy. In the meantime the robber went on with his clever talk, from one subject to another. The robber finally made his bold brazen proposal. "Once your virtue is stained, you won't get along well with your husband, so won't you be my wife instead? It's my love for you that made me be violent toward you." 35 While the criminal talked, my wife raised her face as if in a trance. She had never looked so beautiful as at that moment. What did my beautiful wife say in answer to him while I was sitting bound there? I am lost in space, but I have never thought of her answer without burning with anger and jealousy. Truly she said, . . . "Then take me away with you wherever you go"
36 This is not the whole of her sin. If that were all, I would not be tormented so much in the dark. When she was going out of the grove as if in a dream, her hand in the robber's, she suddenly turned pale, and pointed at me tied to the root of the cedar, and said, "Kill him! I cannot marry you as long as he lives." "Kill him!" she cried many times, as if she had gone crazy. Even now these words threaten to blow me headlong into the bottomless abyss of darkness. Has such a hateful thing come out of a human mouth ever before? Have such cursed words ever struck a human ear, even once? Even once such a . . . (A sudden cry of scorn.) At these words the robber himself turned pale. "Kill him," she cried, clinging to his arms. Looking hard at her, he answered neither yes nor no . . . but hardly had I thought about his answer before she had been knocked down into the bamboo leaves. (Again a cry of scorn.) Quietly folding his arms, he looked at me and said, "What will you do with her? Kill her or save her? You have only to nod. Kill her?" For these words alone I would like to pardon his crime.
37 While I hesitated, she shrieked and ran into the depths of the grove. The robber instantly snatched at her, but he failed even to grasp her sleeve.
38 After she ran away, he took up my sword, and my bow and arrows. With a single stroke he cut one of my bonds. I remember his mumbling, "My fate is next." Then he disappeared from the grove. All was silent after that. No, I heard someone crying. Untying the rest of my bonds, I listened carefully, and I noticed that it was my own crying. (Long silence.)
39 I raised my exhausted body from the foot of the cedar. In front of me there was shining the small sword which my wife had dropped. I took it up and stabbed it into my breast. A bloody lump rose to my mouth, but I didn't feel any pain. When my breast grew cold, everything was as silent as the dead in their graves. What profound silence! Not a single bird-note was heard in the sky over this grave in the hollow of the mountains. Only a lonely light lingered on the cedars and mountains. By and by the light gradually grew fainter, till the cedars and bamboo were lost to view. Lying there, I was enveloped in deep silence.
40 Then someone crept up to me. I tried to see who it was. But darkness had already been gathering round me. Someone . . . that someone drew the small sword softly out of my breast in its invisible hand. At the same time once more blood flowed into my mouth. And once and for all I sank down into the  darkness of space.



في غابة
ترجمة: كامل يوسف حسين

شهادة حطَّاب حقق معه مفوض رفيع المستوى من الشرطة
نعم، سيدي، بالتأكيد كنت أنا من عثر على الجثة. فقد مضيت صباح اليوم، كالمعتاد، لقطع حصتي اليومية من أخشاب أشجار الأرز، فعثرت على الجثة في غابة تقع في صدع بالجبال. الموضع بالضبط؟ على بعد حوالي 150 متراً من طريق مركبات ياماشينا، وهي غابة خيزران وأرز محتجبة عن العيان.
سُجيت الجثة، وكان الميت يرتدي كيمونو حريرياً ضارباً إلى الزرقة، ويعتمر غطاء رأس مجعداً على طريقة كيوتو، وقد اخترقت صدره طعنة سيف نجلاء، وتلطخت أوراق أشجار الخيزران المتساقطة حوله ببراعم دموية. لا، كان الدم قد كف عن التدفق، وتجلط على الجرح، فيما أعتقد. والتصقت به كذلك ذبابة خيل، من دون أن تلقي بالاً إلى وقع خطاي.
تسألني عما إذا كنت قد رأيت سيفاً أو شيئاً من هذا القبيل؟
لا، لا شيء، يا سيدي! لم أجد إلا حبلاً عند جذر شجرة أرز قريبة. و.. طيب. بالإضافة إلى الحبل وجدت مشطاً. كان ذلك كل ما هناك. لقد خاض غمار معركة ضارية، في ما يبدو، قبل أن يلقى حتفه، لأن العشب ووريقات الخيزران المتساقطة قد دهس في المكان بكامله.
-        هل كان هناك جواد على مقربة من المكان؟
-        لا، يا سيدي، فمن الصعب على الإنسان أن يلج الغابة، دع جانباً أن يدخلها جواد!

شهادة كاهن بوذي جوّاب آفاق حقق معه
مفوض رفيع المستوى من الشرطة
الوقت؟ كان ذلك، بالتأكيد، حوالي ظهر الأمس، يا سيدي! فقد انطلق الرجل التعس على الطريق المفضي من سيكياما إلى ياماشينا، وكان يمضي باتجاه سيكياما مع امرأة تمتطي جواداً، نما إلى علمي أنها زوجته، وحجب وشاح ينسدل من رأسها محياها عن العيون، وكل ما رأيته هو لون ملابسها، حيث ارتدت رداء أرجوانياً فاتحاً، وكان جوادها أسمر اللون محمراً، له شعر عنق بديع. طول السيدة؟ آه، حوالي أربعة أقدام أو خمسة. وبما أنني كاهن بوذي، فإنني لم أكترث كثيراً بتفاصيلها. طيب. كان الرجل يتقلد سيفاً، ويتسلح كذلك بقوس وسهام، وأذكر أنه كان يحمل في جعبته حوالي عشرين سهماً غريباً.
لم يدر بخاطري أنه سيلقى مثل هذا المصير. حقاً إن حياة البشر سريعة الزوال، مثل ندى الصبح، أو لمعة البرق، وليست كلماتي بالكافية للإعراب عن تعاطفي معه.

شهادة شرطي حقق معه مفوض رفيع المستوى من الشرطة
الرجل الذي ألقيت القبض عليه؟ إنه قاطع طريق سيئ الصيت، يدعى تاجومارو. وكان وقع من صهوة جواده عندما ألقيت القبض عليه، ومضى يئن ويتوجع على الجسر عند أواتاجوتشي. التوقيت؟ كان ذلك في ساعة مبكرة من الفجر الذي يسدل الستار على البارحة، ومن أجل الإثبات في المحضر يمكنني القول إنني حاولت، مؤخراً، إلقاء القبض عليه، لكنه هرب لسوء الطالع. وكان يرتدي كيمونو حريرياً قاتم الزرقة، ويتقلد سيفاً طويلاً مجرداً من الحلى والزخارف. وكما ترى كانت لديه جعبة وسهام حصل عليها من مكان ما. تقول إن هذه القوس وهذه السهام تشبه تلك التي كان القتيل يمتلكها؟ لابد، إذن، أن تاجومارو هو القاتل. القوس المربوطة بشرائح من الجلد، والجعبة المطلية باللك الأسود، السهام السبعة عشر ذات ريش الصقور هذه كلها عثر عليها معه. وأعتقد، نعم، يا سيدي، أن الجواد، كما تقولون، أسمر، محمر، له شعر عنق بديع. وقد عثرت، بعد الجسر الحجري بقليل، على الجواد، وهو يرعى على جانب الطريق، وقد تدلى عنانه الطويل. يقيناً أن هناك حكمة خفيت عن العيان في قيام الجواد بإلقائه عن صهوته.
من بين كل قطاع الطريق الذين يسرقون الناس فيما حول كيوتو فإن تاجومارو هذا كان مصدر أعظم قدر من البلايا والأحزان للنساء في المدينة. ففي الخريف الماضي، قُتلت زوجة جاءت إلى مؤخرة جبل بندورا القريب من معبد تورايب، للقيام بزيارة في ما يفترض، مع طفلة. وقد دار الشك حوله باعتباره الفاعل. وإذا كان هذا المجرم قد قتل الرجل، فليس بمقدورك تصور ما يمكن أن يكون قد فعله بزوجته. هلا تفضلتم فخامتكم بالنظر في هذه المشكلة كذلك!

شهادة عجوز حقق معها مفوض رفيع المستوى من الشرطة
نعم، يا سيدي، هذه الجثة للرجل الذي تزوج ابنتي. وهو لا ينحدر من كيوتو، وإنما كان ساموراي في مدينة كوكوفو في مقاطعة واكاسا، وهو يدعى كانازاوا نو تاكيهايكو، وعمره سته وعشرون عاماً. كان رقيق الحاشية، ومن هنا فإنني على يقين من أنه لم يفعل شيئاً يستفز غضب الآخرين.
ابنتي؟ اسمها ماساجو، وعمرها تسعة عشر عاماً، وهي صبية خفيفة الروح، محبة للمرح، لكنني على يقين من أنها لم تعرف رجلاً قط إلا تاكيهايكو، ولها محيا صغير، زيتوني، أسمر، ولها شامة عند ركن عينها اليسرى.
بالأمس غادر تاكيهايكو مع ابنتي قاصداً واكاسا. أي حظ سيئ أن تصل الأمور إلى مثل هذه النهاية السيئة! ما الذي صار إليه أمر ابنتي؟ لقد وصلت إلى التخلي عن زوج ابنتي باعتباره شخصا قد خسرته. ولكن مصير ابنتي يثير قلقي إلى حد المرض. بحق السماء لا تتركوا حجراً من دون أن تقلبوه في غمار البحث عنها! إنني أكره قاطع الطريق تاجومارو ذاك، أو أياً كان اسمه. ليس زوج ابنتي فحسب، وإنما ابنتي.. (تغرق كلماتها الأخيرة في الدموع).

اعتراف تاجومارو
قتلته، لكنني لم أقتلها. إلى أين مضت؟ ليس بإمكاني تحديد ذلك. آه، انتظر لحظة! ما من تعذيب يمكنه جعلي أعترف بما لا أعرفه. الآن وقد وصلت الأمور إلى مثل هذه النهاية، لن أحجب شيئاً عنكم.
بالأمس، بعيد الظهيرة، قابلت ذلك الثنائي. عندئذ تماماً هبت الريح. ورفعت الوشاح المتدلي، بحيث لمحت وجهها. وفي لحظة احتجب عن ناظري. ربما كان ذلك أحد الأسباب، فقد بدت مخلوقاً فريداً. وفي تلك اللحظة عقدت العزم على أن أحظى بها، حتى ولو اضطررت لقتل رجلها.
لماذا؟ ليس القتل بالنسبة لي شيئاً ذا بال. على نحو ما قد تظنون. عندما تسبي امرأة، فإن رجلها يتعين قتله، على أي حال. وفي القتل أستخدم السيف الذي أتقلده. هل أنا الوحيد الذي يقتل الناس؟ أنتم، ألا تستخدمون سيوفكم؟ إنكم تقتلون الناس بسلطتكم، بمالكم. وفي بعض الأحيان تقتلونهم متذرعين بأنكم تعملون من أجل صالحهم. صحيح أنهم لا ينزفون، وهم في أفضل صحة، ولكنكم مع ذلك تكونون قد قتلتموهم. من الصعب القول إينا أكثر خطيئة، أنا أم أنتم. (ابتسامة ساخرة).
لكن سيكون أمراً جيداً إذا كان بمقدوري أن أحظى بامرأة من دون أن أقتل رجلها. لذا عقدت عزمي على سبيها، وبذل قصارى جهدي لكي لا أقتله. ولكن ذلك ليس مطروحاً على طريق مركبات ياماشينا. وهكذا فقد أفلحتُ في استدراج الزوجين إلى الجبال.
كان ذلك أمراً بالغ السهولة، فقد أصبحت رفيقهما في الترحال، وأبلغتهما بأن هناك، بعيدا في الجبال، رابية عتيقة، وأنني قد حفرت فيها، وعثرت فيها على العديد من المرايا والسيوف. ومضيت فحدثتهما بأنني قد دفنت هذه الأشياء في غابة وراء الجبال، وأنني أود أن أبيعها بسعر منخفض لكل من يود الحصول عليها. عندئذ.. كما ترون، أليس الطمع فظيعاً؟ بدأ في التأثر بكلامي قبل أن يدرك ذلك. وفي أقل من نصف ساعة كانا يمضيان بجوادهما نحو الجبال معي.
عندما أقبل إلى مقدمة الغابة، قلت لهما إن الكنوز مدفونة فيها، وطلبت منهما القدوم ورؤيتها. لم يبد الرجل اعتراضاً، فقد أعماه الطمع. أما المرأة فقالت إنها ستنتظر على صهوة الجواد. وكان من الطبيعي بالنسبة لها أن تقول هذا إزاء مشهد الغابة الكثيفة. وفي حقيقة الأمر فإن خطتي نجحت تماماً، على نحو ما تمنيت.
تتألف الغابة من أشجار الخيزران وحدها لمسافة ما، وبعد حوالي خمسين متراً إلى الأمام هناك أجمة مفتوحة للغاية من أشجار الأرز. وكانت بقعة ملائمة لغرضي. اندفعت عبر الغابة، وأبلغته بكذبة يمكن ابتلاعها، وهي أن الكنوز مدفونة تحت أشجار الأرز، وعندما حدثته بهذا شق طريقه الكثيف نحو شجرة الأرز الرشيقة التي تلوح للعيان عبر الغابة. بعد قليل خفت كثافة أشجار الخيزران، ووصلنا إلى حيث يشمخ عدد من أشجار الأرز في صورة صف ممتد. وما أن وصلنا إلى هناك، حتى قبضت عليه من الخلف، ولأنه كان محارباً مدرباً يمضي متقلداً للسيف، فإنه كان قوياً، لكنه أُخذ على غرة، وهكذا لم يكن هناك ما بوسعه القيام به. وسرعان ما شددت وثاقه إلى جذر شجرة أرز. من أين حصلت على حبل؟ شكراً للسماء، فباعتباري سارقاً كان معي حبل، حيث أنني قد أضطر إلى تسلق جدار في أي وقت. وبالطبع، كان من السهل منعه من الصراخ، وذلك بملء فمه بوريقات أشجار الخيزران المتساقطة.
عندما فرغت من أمره، مضيت إلى امرأته، وطلبت منها القدوم لرؤيته، لأنه بدا فجأة وقد أصابه المرض. وما من حاجة تدعو للقول إن هذه الخطة قد نجحت كذلك بشكل جيد، فقد دلفت المرأة إلى أعماق الغابة، بعد أن نزعت قبعتها التي تشبه نبات البردي، حيث مضيت بها، آخذاً بيدها. وفي اللحظة التي وقعت عيناها خلالها على زوجها، استلت سيفاً صغيراً. لم يسبق لي أن رأيت امرأة على مثل هذا القدر من العنف من قبل قط، ولو أنني لم ألزم الحذر لتلقيت طعنة في جنبي. وقد رغت متجنباً الطعنة، ولكنها واصلت توجيه الطعنات لي، وكان حرياً بها أن تجرحني جرحاً عميقاً، أو تقتلني. لكنني أنا تاجومارو، وقد أفلحت في الاطاحة بالسيف من يدها، من دون أن أشهر سيفي. وأكثر النساء ضراوة تغدو إذا جردتها من السلاح عاجزة عن الدفاع عن نفسها. وأخيراً تمكنت من قضاء وطري منها، من دون القضاء على زوجها.
نعم.. من دون القضاء عليه، فلم تكن بي رغبة في قتله، وكنت أوشك على الهرب من الغابة، تاركاً المرأة غارقة في الدموع، عندما تشبثت بذراعي في اهتياج شديد، وبكلمات متعثرة طلبت إما أن تموت هي أو زوجها. قالت إنه أكثر تعذيباً من الموت أن يعرف رجلان بعارها، وقالت لاهثة إنها تريد أن تكون زوجة أي ممن يقدر له البقاء على قيد الحياة منا. وعندئذ سيطرت عليَّ رغبة جائحة في قتله (اهتياج كئيب).
في غمار سردي للأمر على هذا النحو، لا شك في أنني أبدو أشد قسوة منك، ولكن ذلك يعود إلى أنك لم تر محياها، لم تر بصفة خاصة عينيها المسجورتين، في تلك اللحظة. وفينا كنت أمامها وجهاً لوجه أردتها زوجة لي، حتى ولو أصابتني صاعقة. أردتها زوجة لي.. ملأت هذه الرغبة الواحدة ذهني. لم تكن هذه شهوة فحسب، كما قد تحسب، فلو أنني في ذلك الوقت لم تكن تساورني رغبة أخرى غير الشهوة، لما اكترثت يقيناً بأن أوقعها أرضاً وألوذ بالهرب. وعندئذ ما كنت لألطخ سيفي بدمه. ولكنني في اللحظة التي حدقت خلالها في محياها، في تلك الغابة المعتمة، قررت ألا أغادر المكان إلا بعد أن أقتله.
لكنني لم أرد اللجوء إلى وسائل غير منصفة لقتله، فبادرت بفك قيده، ودعوته إلى مبارزتي (الحبل الذي عثر عليه عند جذر شجرة الأرز هو الحبل الذي أوقعته في ذلك الوقت). استبد به الغضب، فاستل سيفه الثقيل، وانقض عليَّ في سرعة هائلة، وبضراوة من دون أن ينبس ببنت كلمة. ولست بحاجة لإبلاغك بما انتهى إليه قتالنا. ثلاث وعشرون ضربة سيف.. تذكر هذا رجاء! فلا زلت متأثرا بهذه الحقيقة، فلم يقدر لأحد تحت الشمس أن يتبادل معي ضربات السيف ثلاثاً وعشرين مرة من قبل قط (ابتسامة مرحة)
عندما سقط، التفتُ إليها، خافضا سيفي المضرج بالدم، لكنها لدهشتي الكبرى كانت قد اختفت. رحت أتساءل إلى أين هربت، بحثت عنها في أجمة أشجار الأرز، وأرهفت السمع، لكنني لم أسمع إلا أنين الرجل المحتضر.
ما أن شرعنا في المبارزة، ربما بادرت بالهرب عبر الغابة لطلب النجدة. وعندما فكرت في ذلك، وصلت إلى أن الأمر يعد مسألة حياة أو موت بالنسبة لي. هكذا سلبته سيفه وقوسه وسهامه، وانطلقت عدواً إلى الطريق الجبلي، وهناك عثرت على جوادها، وهو لا يزال يرعى في هدوء، وسيكون محض إهدار للكلمات أن أحدثك بالتفاصيل اللاحقة، ولكنني قبل أن أدخل المدينة كنت قد تخلصت بالفعل من السيف. هذا هو اعترافي. أعرف أن عنقي ستلتف حوله الأغلال على أي حال، فبادر بانزال أقصى عقوبة بي! (موقف حال بالتحدي).

اعتراف امرأة أقبلت إلى معبد شيميزو
بعد أن أرغمني ذلك الرجل الذي يرتدي الكيمونو الأزرق على الاستسلام له، ضحك ساخراً، فيما هو ينظر إلى زوجي مشدود الوثاق. ما أشد الفزع الذي لابد أنه قد استبد بزوجي! ولكن أياً كان قدر استماتته في التخلص من قيوده، فإن كل ما كان يصل إليه هو المزيد من حز الحبل في لحمه. وعلى الرغم مني جريت متعثرة نحوه، أو بالأحرى حاولت الجري نحوه، لكن الرجل ضربني فأسقطني أرضاً. وفي تلك اللحظة على وجه الدقة، لمحت وهجاً يستعصى على الوصف في عيني زوجي، شيئاً يفوق الوصف.. عيناه تبعثان الرعدة فيّ حتى هذه اللحظة. تلك النظرة الفورية في عين زوجي، الذي لم يكن بوسعه التفوه بكلمة، وشت لي بما في قلبه كله. لم يكن البريق الذي في عينيه غضبا ولا أسى.. وإنما كان بريقاً بارداً، نظرة مقت. لطمتني النظرة المرتسمة في عينيه بأكثر مما لطمتني ضربة اللص. صرخت على الرغم مني، وهويت فاقدة الوعي.
بعد قليل، استعدت وعيي، فألفيت الرجل ذا الكيمونو الحريري الأزرق وقد غاب عن العيان، ولم أر إلا زوجي وهو لا يزال مشدود الوثاق إلى جذر شجرة الأرز. نهضت بصعوبة من وسط وريقات أشجار الخيزران، وتطلعت إلى محياه، لكن التعبير المرتسم في عينيه كان على حاله تماماً، كما في السابق.
وراء الازدراء البارد في عينيه، كان هناك حقد، وخزي، وحزن، وغضب.. لست أدري كيف أعبر عما خالجني في ذلك الوقت. مضيت إلى زوجي بقدمين متخاذلتين.
قلت له: "تاكيجيرو، بما أن الأمور قد وصلت إلى هذا المنعطف، فليس بمقدوري العيش معك. لقد عقدت العزم على الموت.. ولكنك بدورك لابد من أن تموت. لقد رأيت عاري، وليس بوسعي أن أتركك على قيد الحياة كما أنت".
كان ذلك هو كل ما استطعت قوله، ومع هذا واصل التحديق فيّ بمقت وازدراء. انفطر قلبي، بحثت عن سيفه، لابد أن السارق قد أخذه، فلم تكن العين لتقع في الغابة على سيفه ولا على قوسه وسهامه. ولكن من حسن الحظ أن سيفي الصغير كان لايزال ملقى عند قدمي. رفعته فوق مستوى الرأس، ومن جديد قلت: "الآن أعطني حياتك وسوف أتبعك من فوري!"
عندما سمع هذه الكلمات، حرك شفتيه في عناء، ولما كان فمه محشوا بأوراق الشجر، فلم يكن بالوسع سماع صوته، بالطبع، على الإطلاق. لكنني بنظرة واحدة فهمت كلماته. ففي غمار احتقاره لي لم يقل لي إلا: "اقتليني!". لم أكن واعية ولا مجردة من الوعي، وقد طعنته بالسيف الصغير، فاخترق الكيمونو الأرجواني الفاتح إلى صدره.
لابد أنني قد أغمى عليَّ من جديد في ذلك الوقت، ففي الوقت الذي أفلحت خلاله في التطلع إلى أعلى، كان قد لفظ آخر أنفاسه بالفعل، وهو لايزال مشدود الوثاق. انسل شعاع من الشمس، غائصاً عبر غابة الأرز والخيزران، وتألق على وجهه الشاحب. ابتلعت نحيبي، وحررت الجثة من الحبل. و.. ولم يعد لدى من القوة ما يمكنني أن أحدثك بالاستعانة به بما صار إليه أمري. على أي حال لم تكن لديَّ القوة للانتحار، فقد طعنت زوجي بالسيف الصغير، وألقيت بنفسي في بحيرة عند سفح الجبل، وحاولت الانتحار بطرق عديدة، وإذ عجزت عن الانتحار، فإنني لا أزال أحيا مجللة بالعار (ابتسامة توحي بالشعور بالوحدة) ولابد أنني، وقد غدوت بلا قيمة، قد تخلى عني أكثر الرحماء رحمة. لقد قتلت زوجي، واغتصبني قاطع طريق. ماذا عساي أفعل؟ ماذا عساي.. (تنخرط تدريجياً في نحيب عنيف).

قصة القتيل على نحو ما رويت من خلال وسيط روحي
بعد أن انتهك قاطع الطريق زوجتي، جلس هناك، وشرع يحدثها بكلمات تدخل الطمأنينة على نفسها. لم يكن بمقدوري الحديث، بالطبع. فقد قيد جسمي كله بإحكام إلى جذر شجرة الأرز. لكنني في غضون ذلك رحت أغمز لها مرات عديدة، بقدر ما يحمل لها القول: "لا تصدقي قاطع الطريق!". أردت أن أنقل إليها مثل هذا المعنى. لكنها جلست مهمومة على وريقات الخيزران، ومضت تحدق في حجرها. وبحسب ما توحي به المظاهر كافة، فقد راحت تصغى لكلماته، ومضى عذاب الغيرة يستبد بي. وفي غضون ذلك واصل قاطع الطريق شقشقة لسانه، متنقلاً من موضوع إلى آخر، وفي نهاية المطاف طرح اقتراحه الوحشي الجسور: "ما إن يلطخ شرفك، حتى تغدو معاشرة زوجك مستحيلة، لذلك هل لك في أن تصبحي زوجتي بدلاً من أن تكوني زوجته؟ إن حبي لك هو الذي جعلني عنيفاً معك".
بينما كان المجرم يتحدث، رفعت زوجتي محياها، كأنما في غيبوبة. لم تبد جميلة للغاية على نحو ما تبدت في تلك اللحظة. ما الذي قالته زوجتي الجميلة في معرض الرد عليه بينما كنت أجلس مشدود الوثاق هناك؟ إنني ضائع في الفراغ، لكنني لم أفكر في ردها قط من دون أن أتقد غضباً وغيرة. الحق أنها قالت.. "اصطحبني معك إذن حيثما تمضي!".
ليس هذا هو كل خطيئتها، ولو أن ذلك كان كل ما في الأمر لما استبد بي العذاب في الظلام، فعندما كانت خارجة من الغابة، كأنما في حلم، ويدها في يد قاطع الطريق، غمرها الشحوب فجأة، وأشارت إليّ وقد شُد وثاقي إلى جذر شجرة الأرز، وقالت صارخة مرات عديدة، كأنما قد جنت: "اقتله! ليس بمقدوري الزواج منك طالما هو على قيد الحياة. اقتله!" حتى الآن لاتزال هذه الكلمات تهدد بإلقائي في هوة من الظلمة لا قرار لها. هل صدر هذا الشيء المقيت من فم بشري من قبل؟ هل لطمت مثل هذه الكلمات الملعونة أذنا بشرية مرة واحدة؟ حتى مرة واحدة مثل.. (صيحة سخرية مفاجئة) عند صدور هذه الكلمات شحب وجه قاطع الطريق نفسه. صرخت متشبثة بذراعيه: "اقتله!" حدَّق فيها بشدة، ولم يحر رداً. ولكنني لم أكد أفكر في رده حتى لطمها فأسقطها أرضاً فوق وريقات الخيزران (صيحة سخرية مجدداً) عقد ساعديه فوق صدره، وتطلع إليّ وقال: "ماذا عساك تفعل بها؟ تقتلها أم تنقذها؟ ما عليك إلا أن تومئ برأسك موافقاً. أتقتلها؟" من أجل هذه الكلمات وحدها أود أن تغتفر له جريمته.
بينما ترددت، أطلقت صرخة حادة، وانطلقت تعدو إلى أعماق الغابة، وفي التو مد قاطع الطريق يده ليمسك بها، لكنه لم يوفق حتى في الإمساك بردن ردائها.
بعد هربها، التقط سيفي وقوسي وسهامي. بضربة واحدة قطع الحبل الذي شد به وثاقي. وأذكر أنه مضى يغمغم: "مصيري سيحسم في المرة المقبلة" ثم اختفى من الغابة. بعد ذلك عم الصمت، سمعت أحدهم يبكي، فككت ما بقي من قيودي، وأرهفت السمع، ولاحظت أن ذلك كان بكائي (صمت طويل).
رفعت جسمي المرهق عن جذر شجرة الأرز. تألق أمامي سيف زوجتي الصغير، الذي كان قد وقع منها، فالتقطته، وطعنت به صدري، ارتفعت كتلة دموية إلى حلقي، لكنني لم أحس بألمي. عندما برد صدري كان كل شيء ميتاً كالموتى في قبورهم. يا له من صمت عميق! لم تسمع نأمة من تغريد طائر واحد في السماء فوق تلك الغابة في صدع الجبال. تراقص نور وحيد فحسب على أشجار الأرز والجبال، غدا النور أكثر خفوتا تدريجياً حتى غابت أشجار الأرز والخيزران عن العيان. رقدت هنالك، وابتلعني صمت عميق.
ثم زحف أحدهم إليّ. حاولت أن أرى من عساه يكون، لكن الظلمة كانت قد مضت بالفعل تطبق عليَّ. أحدهم.. ذلك الأحد انتزع السيف الصغير برفق من صدري في يده الخفية. وفي الوقت نفسه تدفق الدم من جديد إلى فمي، وغصت للأبد في ظلمة الفراغ.
  

藪の中
芥川龍之介
+

検非違使(けびいし)に問われたる木樵(きこ)りの物語

さようでございます。あの死骸(しがい)を見つけたのは、わたしに違いございません。わたしは今朝(けさ)いつもの通り、裏山の杉を()りに参りました。すると山陰(やまかげ)(やぶ)の中に、あの死骸があったのでございます。あった処でございますか? それは山科(やましな)の駅路からは、四五町ほど隔たって居りましょう。竹の中に()せ杉の(まじ)った、人気(ひとけ)のない所でございます。
死骸は(はなだ)水干(すいかん)に、都風(みやこふう)のさび烏帽子をかぶったまま、仰向(あおむ)けに倒れて居りました。何しろ一刀(ひとかたな)とは申すものの、胸もとの突き傷でございますから、死骸のまわりの竹の落葉は、蘇芳(すほう)()みたようでございます。いえ、血はもう流れては居りません。傷口も(かわ)いて居ったようでございます。おまけにそこには、馬蠅(うまばえ)が一匹、わたしの足音も聞えないように、べったり食いついて居りましたっけ。
太刀(たち)か何かは見えなかったか? いえ、何もございません。ただその側の杉の根がたに、(なわ)が一筋落ちて居りました。それから、――そうそう、縄のほかにも(くし)が一つございました。死骸のまわりにあったものは、この二つぎりでございます。が、草や竹の落葉は、一面に踏み荒されて居りましたから、きっとあの男は殺される前に、よほど手痛い働きでも致したのに違いございません。何、馬はいなかったか? あそこは一体馬なぞには、はいれない所でございます。何しろ馬の(かよ)う路とは、藪一つ隔たって居りますから。
検非違使に問われたる旅法師(たびほうし)の物語

あの死骸の男には、確かに昨日(きのう)()って居ります。昨日の、――さあ、午頃(ひるごろ)でございましょう。場所は関山(せきやま)から山科(やましな)へ、参ろうと云う途中でございます。あの男は馬に乗った女と一しょに、関山の方へ歩いて参りました。女は牟子(むし)を垂れて居りましたから、顔はわたしにはわかりません。見えたのはただ萩重(はぎがさ)ねらしい、(きぬ)の色ばかりでございます。馬は月毛(つきげ)の、――確か法師髪(ほうしがみ)の馬のようでございました。(たけ)でございますか? 丈は四寸(よき)もございましたか? ――何しろ沙門(しゃもん)の事でございますから、その辺ははっきり存じません。男は、――いえ、太刀(たち)も帯びて()れば、弓矢も(たずさ)えて居りました。殊に黒い()(えびら)へ、二十あまり征矢(そや)をさしたのは、ただ今でもはっきり覚えて居ります。
あの男がかようになろうとは、夢にも思わずに居りましたが、(まこと)に人間の命なぞは、如露亦如電(にょろやくにょでん)に違いございません。やれやれ、何とも申しようのない、気の毒な事を致しました。
検非違使に問われたる放免(ほうめん)の物語

わたしが(から)め取った男でございますか? これは確かに多襄丸(たじょうまる)と云う、名高い盗人(ぬすびと)でございます。もっともわたしが(から)め取った時には、馬から落ちたのでございましょう、粟田口(あわだぐち)石橋(いしばし)の上に、うんうん(うな)って居りました。時刻でございますか? 時刻は昨夜(さくや)初更(しょこう)頃でございます。いつぞやわたしが(とら)え損じた時にも、やはりこの(こん)水干(すいかん)に、打出(うちだ)しの太刀(たち)()いて居りました。ただ今はそのほかにも御覧の通り、弓矢の類さえ(たずさ)えて居ります。さようでございますか? あの死骸の男が持っていたのも、――では人殺しを働いたのは、この多襄丸に違いございません。(かわ)を巻いた弓、黒塗りの(えびら)(たか)の羽の征矢(そや)が十七本、――これは皆、あの男が持っていたものでございましょう。はい。馬もおっしゃる通り、法師髪(ほうしがみ)月毛(つきげ)でございます。その畜生(ちくしょう)に落されるとは、何かの因縁(いんねん)に違いございません。それは石橋の少し先に、長い端綱(はづな)を引いたまま、路ばたの青芒(あおすすき)を食って居りました。
この多襄丸(たじょうまる)と云うやつは、洛中(らくちゅう)に徘徊する盗人の中でも、女好きのやつでございます。昨年の秋鳥部寺(とりべでら)賓頭盧(びんずる)(うしろ)の山に、物詣(ものもう)でに来たらしい女房が一人、()(わらわ)と一しょに殺されていたのは、こいつの仕業(しわざ)だとか申して居りました。その月毛に乗っていた女も、こいつがあの男を殺したとなれば、どこへどうしたかわかりません。差出(さしで)がましゅうございますが、それも御詮議(ごせんぎ)下さいまし。
検非違使に問われたる(おうな)の物語

はい、あの死骸は手前の娘が、片附(かたづ)いた男でございます。が、都のものではございません。若狭(わかさ)国府(こくふ)の侍でございます。名は金沢(かなざわ)の武弘、年は二十六歳でございました。いえ、優しい気立(きだて)でございますから、遺恨(いこん)なぞ受ける筈はございません。
娘でございますか? 娘の名は真砂(まさご)、年は十九歳でございます。これは男にも劣らぬくらい、勝気の女でございますが、まだ一度も武弘のほかには、男を持った事はございません。顔は色の浅黒い、左の眼尻(めじり)黒子(ほくろ)のある、小さい瓜実顔(うりざねがお)でございます。
武弘は昨日(きのう)娘と一しょに、若狭へ立ったのでございますが、こんな事になりますとは、何と云う因果でございましょう。しかし娘はどうなりましたやら、(むこ)の事はあきらめましても、これだけは心配でなりません。どうかこの(うば)が一生のお願いでございますから、たとい草木(くさき)を分けましても、娘の行方(ゆくえ)をお尋ね下さいまし。何に致せ憎いのは、その多襄丸(たじょうまる)とか何とか申す、盗人(ぬすびと)のやつでございます。壻ばかりか、娘までも………(跡は泣き入りて言葉なし)
       ×          ×          ×
多襄丸(たじょうまる)の白状

あの男を殺したのはわたしです。しかし女は殺しはしません。ではどこへ行ったのか? それはわたしにもわからないのです。まあ、お待ちなさい。いくら拷問(ごうもん)にかけられても、知らない事は申されますまい。その上わたしもこうなれば、卑怯(ひきょう)な隠し立てはしないつもりです。
わたしは昨日(きのう)(ひる)少し過ぎ、あの夫婦に出会いました。その時風の吹いた拍子(ひょうし)に、牟子(むし)垂絹(たれぎぬ)が上ったものですから、ちらりと女の顔が見えたのです。ちらりと、――見えたと思う瞬間には、もう見えなくなったのですが、一つにはそのためもあったのでしょう、わたしにはあの女の顔が、女菩薩(にょぼさつ)のように見えたのです。わたしはその咄嗟(とっさ)(あいだ)に、たとい男は殺しても、女は奪おうと決心しました。
何、男を殺すなぞは、あなた方の思っているように、大した事ではありません。どうせ女を(うば)うとなれば、必ず、男は殺されるのです。ただわたしは殺す時に、腰の太刀(たち)を使うのですが、あなた方は太刀は使わない、ただ権力で殺す、金で殺す、どうかするとおためごかしの言葉だけでも殺すでしょう。なるほど血は流れない、男は立派(りっぱ)に生きている、――しかしそれでも殺したのです。罪の深さを考えて見れば、あなた方が悪いか、わたしが悪いか、どちらが悪いかわかりません。(皮肉なる微笑)
しかし男を殺さずとも、女を奪う事が出来れば、別に不足はない訳です。いや、その時の心もちでは、出来るだけ男を殺さずに、女を奪おうと決心したのです。が、あの山科(やましな)の駅路では、とてもそんな事は出来ません。そこでわたしは山の中へ、あの夫婦をつれこむ工夫(くふう)をしました。
これも造作(ぞうさ)はありません。わたしはあの夫婦と(みち)づれになると、向うの山には古塚(ふるづか)がある、この古塚を(あば)いて見たら、鏡や太刀(たち)が沢山出た、わたしは誰も知らないように、山の陰の(やぶ)の中へ、そう云う物を(うず)めてある、もし望み手があるならば、どれでも安い値に売り渡したい、――と云う話をしたのです。男はいつかわたしの話に、だんだん心を動かし始めました。それから、――どうです。欲と云うものは恐しいではありませんか? それから半時(はんとき)もたたない内に、あの夫婦はわたしと一しょに、山路(やまみち)へ馬を向けていたのです。
わたしは(やぶ)の前へ来ると、宝はこの中に埋めてある、見に来てくれと云いました。男は欲に(かわ)いていますから、異存(いぞん)のある筈はありません。が、女は馬も下りずに、待っていると云うのです。またあの藪の茂っているのを見ては、そう云うのも無理はありますまい。わたしはこれも実を云えば、思う(つぼ)にはまったのですから、女一人を残したまま、男と藪の中へはいりました。
藪はしばらくの(あいだ)は竹ばかりです。が、半町(はんちょう)ほど行った処に、やや開いた杉むらがある、――わたしの仕事を仕遂げるのには、これほど都合(つごう)()い場所はありません。わたしは藪を押し分けながら、宝は杉の下に埋めてあると、もっともらしい嘘をつきました。男はわたしにそう云われると、もう()せ杉が透いて見える方へ、一生懸命に進んで行きます。その内に竹が(まば)らになると、何本も杉が並んでいる、――わたしはそこへ来るが早いか、いきなり相手を組み伏せました。男も太刀を()いているだけに、力は相当にあったようですが、不意を打たれてはたまりません。たちまち一本の杉の根がたへ、(くく)りつけられてしまいました。(なわ)ですか? 縄は盗人(ぬすびと)の有難さに、いつ塀を越えるかわかりませんから、ちゃんと腰につけていたのです。勿論声を出させないためにも、竹の落葉を頬張(ほおば)らせれば、ほかに面倒はありません。
 わたしは男を片附けてしまうと、今度はまた女の所へ、男が急病を起したらしいから、見に来てくれと云いに行きました。これも図星(ずぼし)に当ったのは、申し上げるまでもありますまい。女は市女笠(いちめがさ)を脱いだまま、わたしに手をとられながら、藪の奥へはいって来ました。ところがそこへ来て見ると、男は杉の根に(しば)られている、――女はそれを一目見るなり、いつのまに(ふところ)から出していたか、きらりと小刀(さすが)を引き抜きました。わたしはまだ今までに、あのくらい気性の(はげ)しい女は、一人も見た事がありません。もしその時でも油断していたらば、一突きに脾腹(ひばら)を突かれたでしょう。いや、それは身を(かわ)したところが、無二無三(むにむざん)に斬り立てられる内には、どんな(けが)も仕兼ねなかったのです。が、わたしも多襄丸(たじょうまる)ですから、どうにかこうにか太刀も抜かずに、とうとう小刀(さすが)を打ち落しました。いくら気の勝った女でも、得物がなければ仕方がありません。わたしはとうとう思い通り、男の命は取らずとも、女を手に入れる事は出来たのです。
男の命は取らずとも、――そうです。わたしはその上にも、男を殺すつもりはなかったのです。所が泣き伏した女を(あと)に、藪の外へ逃げようとすると、女は突然わたしの腕へ、気違いのように(すが)りつきました。しかも切れ切れに叫ぶのを聞けば、あなたが死ぬか夫が死ぬか、どちらか一人死んでくれ、二人の男(はじ)を見せるのは、死ぬよりもつらいと云うのです。いや、その内どちらにしろ、生き残った男につれ添いたい、――そうも(あえ)ぎ喘ぎ云うのです。わたしはその時猛然と、男を殺したい気になりました。(陰鬱なる興奮)
こんな事を申し上げると、きっとわたしはあなた方より残酷(ざんこく)な人間に見えるでしょう。しかしそれはあなた方が、あの女の顔を見ないからです。殊にその一瞬間の、燃えるような(ひとみ)を見ないからです。わたしは女と眼を合せた時、たとい神鳴(かみなり)に打ち殺されても、この女を妻にしたいと思いました。妻にしたい、――わたしの念頭(ねんとう)にあったのは、ただこう云う一事だけです。これはあなた方の思うように、(いや)しい色欲ではありません。もしその時色欲のほかに、何も望みがなかったとすれば、わたしは女を蹴倒(けたお)しても、きっと逃げてしまったでしょう。男もそうすればわたしの太刀(たち)に、血を塗る事にはならなかったのです。が、薄暗い藪の中に、じっと女の顔を見た刹那(せつな)、わたしは男を殺さない限り、ここは去るまいと覚悟しました。
しかし男を殺すにしても、卑怯(ひきょう)な殺し方はしたくありません。わたしは男の縄を解いた上、太刀打ちをしろと云いました。(杉の根がたに落ちていたのは、その時捨て忘れた縄なのです。)男は血相(けっそう)を変えたまま、太い太刀を引き抜きました。と思うと口も()かずに、憤然とわたしへ飛びかかりました。――その太刀打ちがどうなったかは、申し上げるまでもありますまい。わたしの太刀は二十三合目(ごうめ)に、相手の胸を貫きました。二十三合目に、――どうかそれを忘れずに下さい。わたしは今でもこの事だけは、感心だと思っているのです。わたしと二十合斬り結んだものは、天下にあの男一人だけですから。(快活なる微笑)
わたしは男が倒れると同時に、血に染まった刀を下げたなり、女の方を振り返りました。すると、――どうです、あの女はどこにもいないではありませんか? わたしは女がどちらへ逃げたか、杉むらの間を探して見ました。が、竹の落葉の上には、それらしい(あと)も残っていません。また耳を澄ませて見ても、聞えるのはただ男の(のど)に、断末魔(だんまつま)の音がするだけです。
事によるとあの女は、わたしが太刀打を始めるが早いか、人の助けでも呼ぶために、藪をくぐって逃げたのかも知れない。――わたしはそう考えると、今度はわたしの命ですから、太刀や弓矢を奪ったなり、すぐにまたもとの山路(やまみち)へ出ました。そこにはまだ女の馬が、静かに草を食っています。その()の事は申し上げるだけ、無用の口数(くちかず)に過ぎますまい。ただ、(みやこ)へはいる前に、太刀だけはもう手放していました。――わたしの白状はこれだけです。どうせ一度は(おうち)(こずえ)に、懸ける首と思っていますから、どうか極刑(ごっけい)に遇わせて下さい。(昂然(こうぜん)たる態度)
清水寺に来れる女の懺悔(ざんげ)

――その(こん)水干(すいかん)を着た男は、わたしを手ごめにしてしまうと、縛られた夫を眺めながら、(あざけ)るように笑いました。夫はどんなに無念だったでしょう。が、いくら身悶(みもだ)えをしても、体中(からだじゅう)にかかった縄目(なわめ)は、一層ひしひしと食い入るだけです。わたしは思わず夫の側へ、(ころ)ぶように走り寄りました。いえ、走り寄ろうとしたのです。しかし男は咄嗟(とっさ)(あいだ)に、わたしをそこへ蹴倒しました。ちょうどその途端(とたん)です。わたしは夫の眼の中に、何とも云いようのない輝きが、宿っているのを(さと)りました。何とも云いようのない、――わたしはあの眼を思い出すと、今でも身震(みぶる)いが出ずにはいられません。口さえ一言(いちごん)()けない夫は、その刹那(せつな)の眼の中に、一切の心を伝えたのです。しかしそこに(ひらめ)いていたのは、怒りでもなければ悲しみでもない、――ただわたしを(さげす)んだ、冷たい光だったではありませんか? わたしは男に蹴られたよりも、その眼の色に打たれたように、我知らず何か叫んだぎり、とうとう気を失ってしまいました。
その内にやっと気がついて見ると、あの(こん)水干(すいかん)の男は、もうどこかへ行っていました。跡にはただ杉の根がたに、夫が(しば)られているだけです。わたしは竹の落葉の上に、やっと体を起したなり、夫の顔を見守りました。が、夫の眼の色は、少しもさっきと変りません。やはり冷たい(さげす)みの底に、憎しみの色を見せているのです。恥しさ、悲しさ、腹立たしさ、――その時のわたしの心の(うち)は、何と云えば()いかわかりません。わたしはよろよろ立ち上りながら、夫の側へ近寄りました。
「あなた。もうこうなった上は、あなたと御一しょには居られません。わたしは一思いに死ぬ覚悟です。しかし、――しかしあなたもお死になすって下さい。あなたはわたしの(はじ)を御覧になりました。わたしはこのままあなた一人、お残し申す訳には参りません。」
わたしは一生懸命に、これだけの事を云いました。それでも夫は(いま)わしそうに、わたしを見つめているばかりなのです。わたしは()けそうな胸を抑えながら、夫の太刀(たち)を探しました。が、あの盗人(ぬすびと)に奪われたのでしょう、太刀は勿論弓矢さえも、藪の中には見当りません。しかし幸い小刀(さすが)だけは、わたしの足もとに落ちているのです。わたしはその小刀を振り上げると、もう一度夫にこう云いました。
「ではお命を頂かせて下さい。わたしもすぐにお供します。」
夫はこの言葉を聞いた時、やっと(くちびる)を動かしました。勿論口には笹の落葉が、一ぱいにつまっていますから、声は少しも聞えません。が、わたしはそれを見ると、たちまちその言葉を覚りました。夫はわたしを蔑んだまま、「殺せ。」と一言(ひとこと)云ったのです。わたしはほとんど、夢うつつの内に、夫の(はなだ)の水干の胸へ、ずぶりと小刀(さすが)を刺し通しました。
わたしはまたこの時も、気を失ってしまったのでしょう。やっとあたりを見まわした時には、夫はもう縛られたまま、とうに息が絶えていました。その蒼ざめた顔の上には、竹に(まじ)った杉むらの空から、西日が一すじ落ちているのです。わたしは泣き声を呑みながら、死骸(しがい)の縄を解き捨てました。そうして、――そうしてわたしがどうなったか? それだけはもうわたしには、申し上げる力もありません。とにかくわたしはどうしても、死に切る力がなかったのです。小刀(さすが)(のど)に突き立てたり、山の裾の池へ身を投げたり、いろいろな事もして見ましたが、死に切れずにこうしている限り、これも自慢(じまん)にはなりますまい。(寂しき微笑)わたしのように腑甲斐(ふがい)ないものは、大慈大悲の観世音菩薩(かんぜおんぼさつ)も、お見放しなすったものかも知れません。しかし夫を殺したわたしは、盗人(ぬすびと)の手ごめに遇ったわたしは、一体どうすれば()いのでしょう? 一体わたしは、――わたしは、――(突然烈しき歔欷(すすりなき)

巫女(みこ)の口を借りたる死霊の物語

――盗人(ぬすびと)は妻を手ごめにすると、そこへ腰を下したまま、いろいろ妻を慰め出した。おれは勿論口は()けない。体も杉の根に(しば)られている。が、おれはその(あいだ)に、何度も妻へ目くばせをした。この男の云う事を()に受けるな、何を云っても嘘と思え、――おれはそんな意味を伝えたいと思った。しかし妻は悄然(しょうぜん)と笹の落葉に坐ったなり、じっと膝へ目をやっている。それがどうも盗人の言葉に、聞き入っているように見えるではないか? おれは(ねたま)しさに身悶(みもだ)えをした。が、盗人はそれからそれへと、巧妙に話を進めている。一度でも肌身を汚したとなれば、夫との仲も折り合うまい。そんな夫に連れ添っているより、自分の妻になる気はないか? 自分はいとしいと思えばこそ、大それた真似も働いたのだ、――盗人はとうとう大胆(だいたん)にも、そう云う話さえ持ち出した。
盗人にこう云われると、妻はうっとりと顔を(もた)げた。おれはまだあの時ほど、美しい妻を見た事がない。しかしその美しい妻は、現在縛られたおれを前に、何と盗人に返事をしたか? おれは中有(ちゅうう)に迷っていても、妻の返事を思い出すごとに、嗔恚(しんい)に燃えなかったためしはない。妻は確かにこう云った、――「ではどこへでもつれて行って下さい。」(長き沈黙)
妻の罪はそれだけではない。それだけならばこの(やみ)の中に、いまほどおれも苦しみはしまい。しかし妻は夢のように、盗人に手をとられながら、藪の外へ行こうとすると、たちまち顔色(がんしよく)を失ったなり、杉の根のおれを指さした。「あの人を殺して下さい。わたしはあの人が生きていては、あなたと一しょにはいられません。」――妻は気が狂ったように、何度もこう叫び立てた。「あの人を殺して下さい。」――この言葉は嵐のように、今でも遠い闇の底へ、まっ逆様(さかさま)におれを吹き落そうとする。一度でもこのくらい憎むべき言葉が、人間の口を出た事があろうか? 一度でもこのくらい(のろ)わしい言葉が、人間の耳に触れた事があろうか? 一度でもこのくらい、――(突然(ほとばし)るごとき嘲笑(ちょうしょう))その言葉を聞いた時は、盗人さえ色を失ってしまった。「あの人を殺して下さい。」――妻はそう叫びながら、盗人の腕に(すが)っている。盗人はじっと妻を見たまま、殺すとも殺さぬとも返事をしない。――と思うか思わない内に、妻は竹の落葉の上へ、ただ一蹴りに蹴倒(けたお)された、((ふたた)び迸るごとき嘲笑)盗人は静かに両腕を組むと、おれの姿へ眼をやった。「あの女はどうするつもりだ? 殺すか、それとも助けてやるか? 返事はただ(うなず)けば()い。殺すか?」――おれはこの言葉だけでも、盗人の罪は(ゆる)してやりたい。(再び、長き沈黙)
妻はおれがためらう内に、何か一声(ひとこえ)叫ぶが早いか、たちまち藪の奥へ走り出した。盗人も咄嗟(とっさ)に飛びかかったが、これは(そで)さえ(とら)えなかったらしい。おれはただ幻のように、そう云う景色を眺めていた。
盗人は妻が逃げ去った(のち)太刀(たち)や弓矢を取り上げると、一箇所だけおれの(なわ)を切った。「今度はおれの身の上だ。」――おれは盗人が藪の外へ、姿を隠してしまう時に、こう(つぶや)いたのを覚えている。その跡はどこも静かだった。いや、まだ誰かの泣く声がする。おれは縄を解きながら、じっと耳を澄ませて見た。が、その声も気がついて見れば、おれ自身の泣いている声だったではないか? (三度(みたび)、長き沈黙)
おれはやっと杉の根から、疲れ果てた体を起した。おれの前には妻が落した、小刀(さすが)が一つ光っている。おれはそれを手にとると、一突きにおれの胸へ()た。何か(なまぐさ)(かたまり)がおれの口へこみ上げて来る。が、苦しみは少しもない。ただ胸が冷たくなると、一層あたりがしんとしてしまった。ああ、何と云う静かさだろう。この山陰(やまかげ)の藪の空には、小鳥一羽(さえず)りに来ない。ただ杉や竹の(うら)に、寂しい日影が(ただよ)っている。日影が、――それも次第に薄れて来る。――もう杉や竹も見えない。おれはそこに倒れたまま、深い静かさに包まれている。
その時誰か忍び足に、おれの側へ来たものがある。おれはそちらを見ようとした。が、おれのまわりには、いつか薄闇(うすやみ)が立ちこめている。誰か、――その誰かは見えない手に、そっと胸の小刀(さすが)を抜いた。同時におれの口の中には、もう一度血潮が(あふ)れて来る。おれはそれぎり永久に、中有(ちゅうう)の闇へ沈んでしまった。………
(大正十年十二月)



[1] وظيفة في الماضي يقوم بها مجرم أنهى فترة حكمه وخرج من السجن ليقيم عيشه على مساعدة الشرطة في القبض على المجرمين / المترجم
[2] الكلمة المستخدمة هنا كلمة إينغا باللغة اليابانية التي تعني الكارما في الديانة البوذية بمعنى يُوحي أن هناك سببا أدى إلى أن يلقى هذه النهاية المأسوية / المترجم
[3] البوديساتفا في البوذية هو أحد تجليات بوذا وربما يقابل القديس، والمعنى المراد أن وجهها ظهر ملائكيا جميلا / المترجم
[4] كانت تعلق رؤوس المحكوم عليهم بالإعدام فوق غصون الأشجار حتى تكون عبرة لغيرهم / المترجم
[5] البرزخ في الديانة البوذية هي الفترة التي تظل فيها الروح هائمة بعد الموت إلى أن تُبعث في حياة جديدة طبقا لقانون التناسخ وفي اليابان يعتقدون أنها 49 يوما / المترجم