بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 يناير 2023

الأشواك العشر   تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا   ترجمة: ميسرة عفيفي  

الأشواك العشر

 تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا

 ترجمة: ميسرة عفيفي

 1- أناس ما

 إنني أعرف أناس ما في هذه الحياة. وهؤلاء الناس مع إحساسهم المباشر بأي شيء، يقومون بتشريحه. بمعنى أن هؤلاء الناس مع إحساسهم بجمال الوردة، تبدو لهم الوردة في النهاية نباتاً من فصيلة الورود كما يقول الكتاب الدراسي لعلم النباتات. حتى في اللحظة التي يقطفون فيها تلك الوردة في الواقع. ...

إن الناس الذين يحسون فقط أكثر سعادة من هؤلاء الناس. ولا يمكن إعطاء فضيلة الجدية لهؤلاء الناس (الذين يشرّحون الأشياء مع إحساسهم بها). إن هؤلاء الناس يستهلكون حياتهم استهلاكاً تاماً في لعبة خطرة. فكل سعادة تقل درجتها بسبب تشريحهم لها، وفي نفس الوقت، كل معاناة تزداد بسبب تشريحهم لها. إن كلمة "(من الأفضل) لو لم يُولد" تنطبق تماماً على هؤلاء الناس.

 2- نحن

 نحن لسنا بالضرورة نحن. إن جميع أسلافنا يعيشون داخلنا. وإذا لم نطع أسلافنا الذين يعيشون داخلنا فسنقع حتماً في التعاسة. وتستخدم كلمة "جحيم الماضي" كشرح مجازي لتلك التعاسة. إن معني كلمة "اكتشاف الذات" هو اكتشاف أسلافنا الذين يعيشون داخلنا. وفي نفس الوقت اكتشاف آلهة السماء التي تحكمنا وتسيطر علينا.

 3- الغراب والطاووس

 إن أكثر حقيقة مخيفة لنا هي أننا في النهاية لن نتفوق على أنفسنا. إن نزعنا الغمامة التفاؤلية عن أعيننا، سنرى أنه لا يمكن للغراب أن يصير طاووساً. إن بيت الشعر الذي يكتبه أحد الشعراء هو دائماً كل شعره.

 4- باقة زهور في الهواء

 العلم يفسر كل شيء. ومن المؤكد أن المستقبل كذلك سيفسر كل شيء. ولكن ما نحترمه نحن هو العلم ذاته، أو الفن ذاته. ... بمعنى أنه فقط باقة زهور نفسية تُمسَك في الهواء. حتى إن لم نصل إلى حد القول ([1]L’homme est rien)، فلا فروقات كبيرة بيننا "كبشر". إن بودلير "كإنسان" يملأ مستشفيات الأمراض النفسية المختلفة. ولكنهم فقط لم يكتمل بين أياديهم "أزهار الشر" ولا "أشعار نثرية قصيرة[2]".

 5- 2+2=4

إن 2+2=4 حقيقة علمية. ولكن يجب الاعتراف واقعيّاً أن وسط علامة + ثمة عوامل رياضية بلا عدد. بمعنى أن علامة + هذه تحتوي على كل المشاكل.

6- الجنة

 إن كان ثمة إمكانية لخلق الجنة، فلن تكون إلا على هذه الأرض. وستكون تلك الجنة بالتأكيد جنة تتفتح فيها زهور الورد وسط الأشواك. وسيمشي فيها عدد كبير الكلاب بخلاف الناس الآمنين باليأس الموصوف "بالإذعان". وفي الأصل ليس سيئاً بتاتاً أن تكون كلباً.

 7- اعتراف

 إن قلوبنا تتأثر بمختلف أنواع الاعترافات. ولكن، كل أنواع الاعترافات هي: "لا تفعلوا ما فعلتُ. افعلوا ما أقول"

 8- أناس ما، مرة أخرى

 إنني أعرف أناس ما. وهؤلاء الناس لا يعرفون الملل من أي شيء بسهولة. يحاولون الحصول على أكثر من امرأة واحدة وفكرة واحدة ووردة واحدة وقطعة خبز واحدة. وبالتالي ما من أحد يعيش في رفاهية أكثر من هؤلاء الناس. وفي نفس الوقت كذلك ما من أحد يعيش تعيساً بدرجة هؤلاء الناس. إن هؤلاء الناس باتوا عبيداً لأشياء عديدة في غفلة من الزمن. وبالتالي، حتى وإن أعطوا الآخرين الجنة، أو لو أعطوهم الطريق الواصل إلى الجنة، لن يستطيع هؤلاء الناس في النهاية أن يجعلوا الجنة من نصيبهم. ومن المؤكد أن كلمة "الشره مُهلك" ستُعطى لهؤلاء الناس. ولن يحصل هؤلاء الناس على الرضا بتاتاً حتى مع مِروحَة من ريش طاووس أو طعام من عجل تغذّى بلبن نساء البشر. إن هؤلاء قدرهم المحتوم أن يسعوا حتى وراء الحزن والعذاب. وثمة خندق عميق (خلافاً للحزن والعذاب المحتم عليهم حتى وإن لم يسعوا إليهما) يفصل هؤلاء الناس عن بقية البشر. إن هؤلاء الناس ليسوا حمقى. ولكنهم أحمق من الحمقى. والشيء الوحيد الذي ينقذ هؤلاء الناس، هو أن يتحولوا إلى أناس آخرين غير هؤلاء الناس. وبالتالي فما من سبيل لإنقاذهم مطلقاً.

 9- صوت

 يُعتقد أنه لا يمكن سماع صوت شخص يتحدث وسط حشد من الناس يصرخون. ولكن الحقيقة أنه من المحتم سماعه. ما دام يتبقى داخل قلوبنا شعلة واحدة من اللهب. ___ وربما في الأصل يملك صوت ذلك الشخص ميكروفوناً من العصر التالي.

 10- الكلمات

 نحن لا نستطيع أن نبلغ الآخر عن مشاعرنا بسهولة. ويعتمد ذلك فقط على من يكون الآخر. لا يمكن الاقتناع مطلقاً عندما لا تستجيب حتى مقال مكونة من مئة ونيف سطر في جريدة مع مشاعر الآخر، وبالطبع ذلك منذ زمن "نقل الأفكار بالتخاطر" في الماضي. دائما من يفهم كلمات "س" يكون "س الثاني". ولكن بالضرورة يكون "س" هذا ينمو مثل النبات. وبالتالي لا يفهم كلمات "س" في عصر ما سوى "س الثاني" في ذلك العصر فقط. كلا، ولكن ربما حتى س نفسه في عصر ما يرى س في عصر آخر على أنه شخص آخر. ومن حسن الحظ أن "س الثاني" يؤمن أنه قد فهم كلمات "س".

 (الشهر السابع من العام الثاني لحكم شوا [يوليو 1927 أي قبل انتحار المؤلف بأيام معدودة / المترجم])

[نص وُجد بُعد انتحار مؤلفه]

[الأشواك العشر] ملحق (نُشر مرة في مجلة ولكن حُذف عند تجميع المقالات في كتاب)

 1- الجريمة والعقاب

 سماء صافية بعد انتهاء المطر في ظهيرة أحد الأيام، رجل وحيد مشعث الشعر، يعترف جاثياً وسط الطريق الموحل للمارين. كانت ملامح وجه الرجل وقورة. وكان يتأمل السماء ذات الزرقة الباهتة التي على الجهة الأخرى من البيوت. ولكن كان الاعترافات التي يعترف بها ليست إلا سطراً واحداً.

"أيها الناس! لا تفعلوا ما فعلتُه! أرجوكم! افعلوا ما أقوله لكم!"

ولا شك أن اعترافاته أوقفت الكثير من المارة في الطريق. ولكن مر بالمكان شاب بشعر فاتح اللون ونظر إليه ثم قال له ما يلي ورحل مسرعاً.

....................................................................

             3- البشر

 افتتح الإله مدرسة اللون الوردي من أجل البشر. وكان جدول حصص تلك المدرسة كما يلي، الحصة الأول: علم الحساب، الحصة الثانية: علم الحساب، الحصة الثالثة، ... والحصة الثالثة كذلك: علم الحساب. ولكن كان اثنان أو ثلاثة من الكسالى الذين لم يسبق لهم دخول الفصل إلا نادراً.

ثم تقرر أن يُولدوا هؤلاء مع باقي التلاميذ في عالم البشر. وعلى الفور وقعت عليهم عقوبة كسلهم عن حضور الدروس. فأصبحوا جميعاً أما مجانين أو مجرمين. ولكن كان الجميع يعظمون أشعارهم وكأنهم اتفقوا على ذلك.

ولقد أشفق الإله عليهم. ولكن لم يكن ثمة حيلة في ذلك. بعد أن رحلوا عن عالم البشر، عادوا مرة أخرى إلى رحاب الإله. جمعهم الإله داخل مدرسة اللون الوردي وتحدث إليهم. كانت كلماته بها رحمة ورأفة مع مهابتها وجلالها.

"هذه المرة بالذات تعلموا الحساب!"

ولكنهم أجابوا في صوت واحد:

"لن نفعل! انظر إلى هناك!"

وكانوا يعنون بهناك عالم البشر. وهناك كان خريجوا المدرسة الصلعاء قد تجمعوا فوق ورقة عملاقة وصنعوا معاً المعادلة التالية:

            2+2=5

             4- ميكروفون

 الشعراء هم ميكروفونات صنعها الإله. لا أحد في عالم البشر هذا يقول الحقيقة بصوت عال. ولكن الشعراء يجعلون صوت البشر المنخفض صوتاً عالياً. وإن أردتم مثالاً على ذلك فهو كما يلي:

....................................................................


[1] كلمة فرنسية معناها الإنسان عدم / المترجم

[2] دواوين شعر من تأليف بودلير / المترجم

أصحاب مجلة "القناع" تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي

 أصحاب مجلة "القناع"

تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا

ترجمة: ميسرة عفيفي

 عندما كنتُ طالبًا، كان ذلك الوقت هو الأكثر لي في العلاقة الحميمية مع مؤسسي مجلة "التيار الجديد" الثالثة والرابعة. وتحولي إلى كاتب وروائي في النهاية (أنا الذي لم تكن لدي في الأساس رغبة في أن أصبح كاتبًا) كلية من تأثيرهم السيئ عليَّ. كلية؟ ... ومع ذلك ربما ثمة شكوك في أكان ذلك كلية أم لا؟ فأنا في ذلك الوقت بخلافهم كنتُ على علاقة أيضًا بجماعة واسيدا. ومن المؤكد أن تلك الجماعة أيضًا وصل تأثيرهم السيئ عليَّ الذي كنتُ في غاية النقاء.

إنهم هؤلاء الجماعة وما من أحد غيرهم. إنهم كونوسكيه هيناتسو، وياسو سايجو، وتاري موريغوتشي الذين أصدروا مجلة "القناع". لقد ذهبتُ مرة أو مرتين مع ماكوتو سانغو لزيارة السيد سايجو في غرفة الضيوف في بيته التي ينيرها مصباح كهربائي بطربوش أحمر. ولقد تم تعريفي بهيناتسو وموريغوتشي وأيضًا بالسيد كوغان يوشيئه الذي كان بمثابة أستاذهم في نفس هذه غرفة الضيوف تلك. وتقريبًا أنا لا أتذكر الآن ماذا تحدثنا وقتها. ولكنني أتذكر أنني عدتُ إلى بيتي وأنا في حالة فزع من المشي خلال منطقة أوكوبو وحيدًا تحت الأمطار في طرقات لا أثر فيها لبشر في ليلة توحي بظهور أشباح وعفاريت.

ولكنني بعد ذلك ظللتُ لفترة طويلة لا أقابلهم بداية من الأستاذ يوشيئه ولا سايجو ولا موريغوتشي. ولكن عندما كنتُ في أسكن في حي أوماتشي بمدينة كاماكورا، كان هيناتسو قد انتقل للعيش في حي هاسه بنفس المدينة، ولذلك كنا نتزاور أنا وهو من حين لآخر. ولأن هيناتسو كان يسكن في بيت إيجار مثلي عبارة عن غرفة بمساحة ثماني حصيرات تاتامي (15 متر مربع تقريبًا)، فكان من الكوميديا أنه حتى بعد غلق الأبواب الورقية تمامًا تتسرب الرياح من جدران ركن الزينة باستمرار. ولكن بعد أن غادرتُ كاماكورا، ابتعدت العلاقة مع هيناتسو مع الوقت. ويبدو أنهم جميعًا في صحة جيدة. وينشر هيناتسو من حين لآخر دراسات مطولة عن الشعر في مجلة تشوأو كورون (الرأي العام المركزي). ولكن على الأرجح أن الرياح لم تعد تتسرب من ركن الزينة في الغرفة التي يكتب فيها تلك الدراسات.

 (الشهر الخامس من السنة الثالثة عشرة من عصر تايشو [مايو 1924])

قصة حياتي تأليف: أوسامو دازاي ترجمة: ميسرة عفيفي

قصة حياتي*

تأليف: أوسامو دازاي

ترجمة: ميسرة عفيفي

 

النشأة والبيئة

 

لقد وُلدتُ في عائلة ريفية غنية. وتربيت مرفهًا لا ينقصني شيء كأصغر الأبناء يكبرني عدد كبير من الأخوة والأخوات. وبسبب ذلك أصبحتُ إنسانًا خجولًا جدًا وجاهلًا تمامًا بأعراف المجتمع. وربما ظن الناس أنني أفتخر بخجلي هذا.

باتت شخصيتي في منتهى الضعف لدرجة أنني لا أستطيع التحدث مع الناس حديثًا مُرْضيًا، وبالتالي عشت حياتي منذ طفولتي وحتى الآن مدركًا أن قدرتي الذاتية على المعيشة تقترب من الصفر. ولذلك من الأفضل أن أصف نفسي بأنني متشائم، ولا أشعر بأي دافع للحياة. مجرد أنني فقط أريد الهروب بأسرع وقت من هذه الحياة. كنتُ منذ طفولتي لا أفكر إلا في أنني أريد توديع هذا العالم.

ومن المؤكد أن شخصيتي هذه كانت دافعًا لي لكي أطمح أن أكون أديبًا. وأشعر أن البيئة التي تربيتُ فيها، وعائلتي، وكذلك مفهوم مسقط الرأس، كل هذه الأمور كانت متجذرة داخلي ولا يمكن اقتلاعها مطلقًا.

ربما أبدو في أعمالي أنني أتباهى بعائلتي وأصلي، ولكن الواقع على العكس من ذلك، إذ أنني حكيت فقط نصف حقائق عائلتي بسبب الخجل والتحفظ.

أمر واحد يغني عن ألف، دائمًا ما أكون مقيدًا بمشاعر رعب أنني محط انتقاد الآخرين وأنهم ينظرون لي بعداء. ومن أجل ذلك كنتُ أتعمد أن أحيا في الحضيض، أو أحاول بقدر المستطاع أن أتعايش مع الأوساخ والقاذورات مهما كانت درجتها، ولكن كان من المحال أن أخنق نفسي بالأحبال.

ويبدو هذا هو السبب الأول الذي يجعل الناس تراني مغرورًا. ولكن إن سُئلت عن رأيي، فإن شخصيتي الضعيفة هي السبب، ولذا لا أدرى كم عدد المرات التي فكرت فيها في أن أخلع كل ما أرتديه وأعطيه للناس.

وحالة الحب مثلًا، فحتى أنا يحدث أن تُبدى امرأة حبًا ناحيتي، ولكنني كنتُ أكره أن يحبني أحد، لأنني كنتُ أفكر دائمًا أن من يحبني فهو يحبني فقط لأنني ابن عائلة غنية، ولذلك توقفت على الحب من نفسي مرات عديدة.

وحاليًّا يشغل أخي الأكبر منصب محافظ محافظة أوموري المنتخب، ولكنني على العكس عشت حياتي حتى الآن أبذل جهدًا في التمثيل لكي أبدو وضيعًا وأحمق حتى لا يعتقد أحد أنني أستغل عائلتي للتقرب من النساء إن قلت ذلك لامرأة. وخرج هذا الأمر عن سيطرتي ولا أستطيع حتى الآن اكتشاف حلًا له بأي وسيلة.

 

الحياة الأدبية؟

 

في الخامسة والعشرين من عمري وكنتُ وقتها طالبًا فاشلًا في الدراسة بقسم الأدب الفرنسي بجامعة طوكيو، طلبتْ مني مجلة "الأدب" الصادرة عن دار كايزوشا للنشر كتابة قصة قصيرة، فجمّعتُ ما لدي من أعمال قصيرة باسم "عكس الاتجاه" وأرسلتها لهم. وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر تقريبًا ظهر اسمي في إعلانات الجرائد مجاورًا لأدباء قدامى، ورُشحت تلك القصة بعد ذلك لجائزة أكوتاغاوا في دورتها الأولى.

وفي نفس وقت ظهور قصة "عكس الاتجاه" صدرت لي قصة "زهور صناعية" في مجلة ذاتية باسم "رومانسية اليابان" لعدد من الأدباء. ونالت استحسان الأستاذ هاروو ساتو، مما ساعدني بعدها في نشر قصصي في المجلات الأدبية واحدة بعد أخرى.

وهكذا بات لديّ بصيص أمل في أنني أستطيع العيش في الحياة الأدبية، أي أستطيع إقامة عيشي من خلال كتابة القصص. وكان ذلك في السنة العاشرة من عصر شوا تقريبًا.

وعند إعادة التفكير، أشعر أنني لا أدرك دوافع واضحة ومحددة للاتجاه نحو الأدب، بل يمكن القول إن الأمر حدث تقريبًا بدون وعي ووجدتني في غفلة من الزمن أمشي في حقول الأدب. وأعتقد أن الأقرب للحقيقة أنني اندهشتُ بشدة إذ وجدتني في منتصف حقول الأدب الذي لا يمكن الرجوع عنه، كان بالفعل كما يقول المثل: عندما انتبهتُ وجدت أمامي ألف ميل للذهاب، وخلفي ألف ميل للعودة.

 

       من أحبهم من قدامى الأدباء

 

يمكنني القول إن ماسوجي إيبوسيه هو الزميل الأكبر الوحيد الذي أرتبط معه في علاقة صداقة. ومن النقاد تيتسوتارو كاواكامي وكاتسوئتشيرو كاميه وهما من رفاق الشرب بسبب علاقتي بمجلة "عالم الأدب". ومن الزملاء كبار السن الذين سيكون من سوء الأدب أن أصف علاقتي معهم بالصداقة الأستاذ ساتو والأستاذ يوشيو تويوشيما اللذين يسمحان لي بدخول منزليهما. ثم قويت علاقتي بالسيد إيبوسيه لدرجة أنه كان الواسطة بيني وبين زوجتي الحالية.

وبذكر السيد إيبوسيه فانطباعي عن أعماله المنشورة في كتابه "السَحَر وزهور البرقوق" في بداياته، أنها عبارة عن جواهر ثمينة متراصة بجوار بعضها البعض. بالإضافة أيضًا أنني منذ زمن بعيد أعُد السيد إيسوتا كامورا عظيمًا جدًا.

وأنا عادة أرتاب في الأعمال الأدبية التي يبجلها الناس أو يثيرون حولها ضجة كبرى، وربما كانت تلك صفة من صفات الإنسان ضعيف الشخصية.

وبالنسبة لأدب عصر ميجي، أرى أن قصص دوپّو كونيكيدا القصيرة في منتهى الجودة. أمّا فيما يتعلق بالأدب الفرنسي، فإن تحدثنا عن القرن التاسع عشر يبدو أن الأغلبية لديهم فكرة بديهية أن من لا يُعجب بمن يطلق عليهم كبار الأدباء مثل بلزاك وفلوبير، ينقصه المؤهل لكي يكون أديبًا، ولكنني قرأت أعمال كبار الأدباء هؤلاء والحقيقة أنني لم أحبها لتلك الدرجة. على العكس بشكل خاص أحب كثيرًا قراءة أدباء مثل ألفريد دي موسيه وألفونس دوديه ومن شابههم. والأدب الروسي كذلك ثمة بديهية لدى الجميع أن من لا ينبهر بتولستوي ودوستويفسكي ليس مؤهلًا ليكون أديبًا، وربما كان ذلك حقًا فعلًا، ولكن فيما يتعلق بي فأنا أميل تجاه تشيخوف أكثر، بل وأعتقد أن بوشكين أفضل أديب روسي على الإطلاق.

 

       لست إنسانًا غريب الأطوار

 

في الندوة الأدبية التي عقدت باسم "منبع الأحاديث" ونُشرت في عدد الشهر الماضي من مجلة "شينتشو للروايات" قيل عني إنني غريب الأطوار وإنني أخنق نفسي بالأحبال. وقيل أيضًا أن قصصي ورواياتي نادرة وغريبة فقط، وإنني مصاب بالاكتئاب. إن من يُشاع عنهم إنهم غريبو الأطوار أو إنهم مريبون، يكون أغلبهم على غير المتوقع ضعفاء الشخصية وجبناء يتنكرون بذلك من أجل حماية أنفسهم. وأعتقد أن سلوكهم هذا ناتج من عدم ثقتهم بأنفسهم تجاه حياتهم المعيشية.

وشخصيًّا لم يسبق لي أن اعتقدتُ أنني شخص غريب الأطوار أو شخص مريب مطلقًا، بل إنني رجل يحمل صفات في منتهى البديهية وأنا كذلك ملتزم جدًا بالأخلاق التقليدية العتيقة. ومع ذلك، يبدو أن الكثيرين يعتقدون أنني لا أبالي بالأخلاق مطلقًا، ولكن الحقيقة أنني عكس ذلك تمامًا.

ولكنني كما ذكرتُ من قبل، إنسان ضعيف الشخصية، وأعتقد أنني يجب على الأقل أن أعترف بذلك الضعف. وأيضًا أنا لا أستطيع الجدال مع الآخرين، ويمكن القول إن ذلك أيضًا بسبب ضعف شخصيتي، ولكنني أشعر أن ميلي إلى المسيحية له علاقة إلى حدٍ ما بذلك.

بالنسبة للمسيحية، فأنا حاليًا أعيش في بيت متهالك حرفيًّا. حتى أنا أرغب في أن أعيش في بيت لائق مثل الآخرين. وكذلك يصعب عليّ أبنائي. ولكنني لا أستطيع العيش في بيت لائق مهما فعلت. ولم تكن تعاليم الوعي الپروليتاري أو الأيديولوجية الپروليتارية السبب، ولكن يبدو أنني أتمسّك بعناد غريب بكلمة المسيح التي تقول: "أحب جارك كما تحب نفسك" ولكنني بدأت مؤخرًا التفكير بإمعان أنه من المستحيل جدًا أن تحب الجار كما تحب نفسك. ألا ينطبق هذا على جميع البشر؟ أليست مثل هذه الأفكار هي التي تؤدي بالإنسان إلى الانتحار؟

أليس من المؤكد أنني أفسّر كلمة المسيح التي تقول "أحب جارك كما تحب نفسك" تفسيرًا مختلفًا؟ أليس من المؤكد أن معناها مختلف؟ عند التفكير، أتذكر جزء "كما تحب نفسك". كما هو متوقع يجب أن تحب نفسك. لقد انتبهتُ قليلًا أن كره الذات أو تعذيب الذات، مع حب الآخرين من الطبيعي أن يؤدي للانتحار، ولكن ذلك مجرد ذريعة فقط. وكما هو متوقع كانت مشاعري تجاه الناس في هذا المجتمع خجولة دائمًا، وعشت حتى الآن وأنا أخوض تجربة واقعية في أنني يجب عليَّ أن أمشي وأنا أخفض من قامتي بمقدار بوصتين تقريبًا. وأشعر أن ذلك أيضًا قاعدة من قواعد عالمي الأدبي.

وأشعر أيضًا شعورًا حقيقيًّا أن المذهب الاشتراكي على حق. وأن أخيرًا أصبح المجتمع الآن اشتراكيًّا، ومع شعور بالسرور أن كاتاياما رئيس الوزراء قد بات قائدًا لليابان، أشعر كذلك أنني يجب عليّ أن أعيش حياة شاقة وفقيرة مثلما كنتُ في الماضي، كلا بل أكثر مما كنتُ في الماضي. وعندما أفكر في تعاستي تلك، أعتقد أن السعادة لن تزورني حتى نهاية حياتي، ولكن ليس بمشاعر انفعالية، بل مجرد إنني أشعر هذه الأيام أن ذلك واضح وضوحًا كريهًا.

وعندما أبدأ التفكير في ذلك الأمر، لا أستطيع البقاء دون شرب الخمر. ولا أعتقد أن الخمر يؤثر سلبًا أو إيجابًا على أعمالي أو على نظرتي الأدبية، ولكن الخمر تزلزل بعنف حياتي المعيشية. وكما ذكرتُ من قبل، فأنا لا أستطيع التحدث حديثًا مُرْضيًا مع الآخرين، وبعد اللقاء أظل في حالة ندم قائلًا كان يجب أن أقول هذا وكان يجب أن أقول ذلك. ولأن شخصيتي أنني كلما قابلتُ أحدًا أشعر تقريبًا بدوار واضطراب، وأشعر بضرورة التحدث بحديث ما، لذا ألجأ بلا وعي إلى شرب الخمر. وحدث مرات كثيرة أن أضر ذلك بصحتي، أو قادني إلى الإفلاس المالي، ولذلك يميل بيتي إلى الفقر المدقع دائمًا. وعندما أنام أظل أفكر في خطط متنوعة لتحسين الوضع، إلى أن وصلت إلى درجة أنه ما من حل إلا الموت.

إنني في التاسعة والثلاثين من عمري، ولكنني عندما أفكر أنني يجب عليَّ الحياة في هذا المجتمع أصاب بالذهول فقط، ولا أملك أية ثقة في نفسي. ولذلك، أحيانًا ما أعتقد أنها مأساة أن يعول إنسان ضعيف بتلك الدرجة زوجة وأطفال.

 



* نُشرت هذه المقالة لأول مرة بعنوان (حقول الأدب) في مجلة (شينتشو للروايات) التي صدرت بتاريخ 1/11/1947م أي قبل انتحار دازاي بسبعة أشهر تقريبًا. ثم نُشرت ضمن أعمال أوسامو دازاي الكاملة الصادرة عام 1977 بهذا العنوان وترجمته الحرفية: قصة نصف حياتي / المترجم