تنويم مغناطيسي
تأليف: ناوكي هياكوتا
ترجمة: ميسرة عفيفي
جلس شينئتشي ماساوكا على
الأرض في غرفة المعيشة يابانية الطراز أمام "الطبلية"، وقبل أن ينادي
على زوجته، راجع الخطوات وترتيبها في رأسه مرة أخرى. مثل هذا الأمر يجب فعله بشكل
طبيعي وتلقائي. وإذا تم فعله بدون سلاسة فذلك فقط كفيل بالفشل.
كان شينئتشي قد فكر في الخطوات
وتأكد مرارا وتكرارا في القطار أثناء عودته للمنزل. وعندما تأكد من أن كل شيء على
ما يرام نادى على زوجته.
"يا كيوكا!"
أحس فجأة بالقلق والتردد.
رغم عدم حدوث شيء بعد، إلا أن نبض قلبه زاد اضطرابا. جبنه هذا، رغم أنه سيبلغ
الثلاثين من العمر العام القادم، جعله يبتسم ابتسامة مريرة.
أجابت زوجته من المطبخ
قائلة:
"ماذا تريد؟"
"تعالِ هنا"
"ماذا تقول؟"
"أقول تعالِ هنا"
قالها شينئتشي بشكل من
التعالي قليلا.
ردت زوجته بصوت عالٍ قائلة:
"لا أستطيع سماع ما تقول"
وواصلت
"فأنا الآن أقوم بغسل
الصحون"
"يمكن أن تكملي غسل الصحون
فيما بعد. لدي ما أريد أن أقوله لك"
"أهو شيء مهم؟"
"لا"
رد شينئتشي بتكاسل وأكمل:
"ليس بالدرجة"
"حسنا، ماذا لو جئت أنت إلى
المطبخ؟"
"لا. لنؤجله فيما بعد"
تنهّد شينئتشي. رغم أنه لم
يمر على زواجهما إلا عامين، ألا أن زوجته أصبحت هي الآمر الناهي في البيت. ورغم أن
كيوكا تصغره بأربعة أعوام إلا أنه لا يبدو إلا نداً لها أو أقل. بل على الأحرى هي
تفوقه بمراحل.
عندما علم أن كيوكا لن
تستجيب لندائه سريعا، قل توتره فجأة. ولكنه فكر أن ذلك على العكس هو الأفضل. فما
يود فعل يتطلب استرخاءً وإلا سيكون الفشل مصيره. وأفضل شيء أن يفعله بتلقائية
عندما تأتي زوجته لغرفة المعيشة من تلقاء نفسها. فتح شينئتشي التلفزيون طلبا
لتهدئة توتره وأخذ يشاهده بلا تركيز.
"ها قد أتيت"
جاءت زوجته من المطبخ.
"فيما كنت تريدني؟"
استجمع شينئتشي قواه. وصاح
في نفسه هيا إلى العمل. ولكنه قال سريعا وهو يخفي ارتفاع حماسه الذاتي:
"لا مطلقا. لا يوجد شيء"
وأضاف:
"كنت فقط أريدك أن تأتي"
"ما هذا؟" قالت كيوكا
ذلك ثم أضافت:
"حسنا، لا زال هناك ما يجب
عليّ عمله"
اضطرب شينئتشي وحاول
استبقائها، ولكن كانت كيوكا قد اختفت من غرفة المعيشة قبل أن يفعل ذلك. عندما عادت
كيوكا لغرفة المعيشة مرة أخرى كان قد مضى ثلاثون دقيقة.
"تأخرتِ كثيرا"
"كنت أنظف المطبخ وأرتب
الأشياء حوله"
قالت كيوكا ذلك ثم جلست
فوق حصير التاتامي.
ناداها شينئتشي قائلا:
"كيوكا!"
"نعم"
"هل لديك اهتمام بالتنويم
المغناطيسي؟"
أحس شينئتشي بالندم وهو
يقول ذلك. كان ذلك القول عبارة عن ضربة سيف موجهة بطريقة مباشرة أكثر من اللازم.
فرغم أنه كان يقصد التوجه نحو الهدف بتلقائية أكثر وبشكل غير مباشر، إلا أنه للأسف
اختصر كل الخطوات.
"التنويم المغناطيسي؟"
ردت كيوكا على سؤاله
بسؤال. ثم أضافت:
"لا أهتم به مطلقا"
"حقا؟"
"ولكن لماذا تسأل هذا
السؤال؟"
"لا أبدا. ولكن التنويم
المغناطيسي كان هو حديث الزملاء في العمل اليوم"
"آه انتظر"
قالت كيوكا ذاك ثم قامت من
جلستها، وأضافت:
"سأملأ حوض الحمام بالماء
الساخن ثم أعود"
بعد غادرت كيوكا غرفة
المعيشة، تنهد شينئتشي تنهيدة صغيرة. فهذا هو الحال دائما. لم يسبق له أخذ زمام
المبادرة في هذا المنزل ولو لمرة واحدة. لقد عقد العزم على تنويم كيوكا الليلة
تنويما مغناطيسيا، ولكنه لا يستطيع حتى الوصول بالحديث إلى نقطة البداية.
لقد تعلم فن التنويم
المغناطيسي على يد هاغيوارا زميله في العمل. فقد قال له هاغيوارا إنه اشترى كتابا
لتعليم التنويم المغناطيسي وجربه مع زوجته فنجح في ذلك بمهارة.
"معنى ذلك أن التنويم المغناطيسي
ليس نصبا؟"
"أنا أيضا كنت أظن ذلك في
البداية. كثيرا ما يعرض التلفزيون فنانين في حالة تنويم مغناطيسي ويبدو الأمر كله
كذبا. ولكن المفاجأة أنني استطعت ذلك بالفعل"
"حقا؟ وهل فعلا نوّمت زوجتك
تنويما مغناطيسيا؟"
"أجل، بشكل تام"
أخيرا ضحك هاغيوارا.
"ولكن هناك ضرورة لأخذ وقت
طويل في مرحلة تنويم أولية. وكذلك من الأهمية بمكان وجود علاقة ثقة متبادلة. ويقال
إن ذلك يطلق عليه اسم رابورت. في البداية أهم شيء هو خلق حالة الرابورت تلك"
"حقا؟ وعلى ذلك ماذا حدث
بعدما وقعت زوجتك أسيرة التنويم المغناطيسي؟"
"أصبحت بعدها كالخاتم في
إصبعي. عندما آمرها بأي شيء، تفعله بلا تردد"
"هل حقا ما تقول؟"
"حقا كنت أتمنى لو أستطيع
أن أُريك ذلك"
ضحك هاغيوارا بصوت عال
وكأنه تذكر ما يضحكه.
"عندما قلت لها كوني خنزير
تحولت لخنزير حقا. ولما قلت لها صيحي، قامت بتقليد صوت صياح الخنازير"
زوجة هاغيوارا بدينة
للغاية وإذا قلدت صوت الخنزير، فسيكون المشهد سرياليا تماما.
"هل المنوم مغناطيسيا نفسه
لا يعي ما يفعل؟"
"لا، على ما يبدو أنه يعي
بشكل ما. عندما كنتُ آمرها بأي أمر تفعل ما أقول ولكن ملامح وجهها تدل على الغضب
وعدم الرضا"
"ماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن
الشخص ذاته لا يريد فعل ما يؤمر به؟"
"على ما يبدو هذا هو ما
يحدث بالفعل. فقد قالت لي زوجتي بعد ذلك عندما سألتها، إنها تغضب من أوامري لها
ولكن لسبب ما جسدها ينفذ تلك الأوامر، مما يزيد من شعلة الغضب لديها"
أحس شينئتشي بشيء من
الغرابة. هل حقا الإنسان يمكن أن يفعل شيئا خارج عن إرادته وهو لا يريد فعله؟
"على ما يبدو أنني عندما
أنوّمها مغناطيسيا وآمرها بفعل كل ما أقول لا تستطيع الرفض. ولكن كذلك هي لا
تستطيع تنفيذ أمر لا تكون قادرة على تنفيذه في حالتها الطبيعية مهما حاولت. ولذلك
مهما كانت منومة مغناطيسيا وقلت لها القِ نفسك من فوق المبنى فهي لن تفعل ذلك على
الأرجح"
"فهمت. الأمر يقتصر على
تقليد الخنزير على سبيل المثال"
"وعلى ذلك وبعد أن جعلتها
تفعل أشياء عدة، في النهاية عندما قلت لها اخلعي ملابسك، تعرت تماما"
"مهلا ... مهلا."
استاء شينئتشي من تردي ذوق
هاغيوارا السيئ.
"ولكن ألا يتم استغلال ذلك
بشكل سيئ؟"
"أنا أيضا فكرت في ذلك
ولكنه أمر مستحيل"
"لماذا؟"
"لأنه ليس سحر، يمكن أن
تصيب به من أمامك في لحظة. وكما قلت منذ قليل التنويم الأولي لا يمكن أن يحدث إلا
بعد أن يستغرق وقتا ما بين نصف ساعة إلى ساعة كاملة. بمعنى أن القاعدة الأساسية
التي يستند عليها التنويم المغناطيسي هي علاقة الثقة القوية"
"تقصد ما يسمى الرابورت.
وهذا يعني أنه من المستحيل تطبيق التنويم المغناطيسي على فتاة قابلتها في بار مثلا"
"بالضبط هو كذلك"
ولكن رغم ذلك أصبح لدى شينئتشي
اهتمام خاص بالتنويم المغناطيسي. وفكر بجدية في أنه يرغب في تجربة عمل تنويم
مغناطيسي لزوجته ولو لمرة واحدة.
"يا ليتني أستطيع التجربة"
أخيرا ضحك هاغيوارا من
كلمة شينئتشي تلك.
"كنت أتوقع أن تقول ذلك،
ولذا أحضرت كتاب التنويم المغناطيسي معي"
ظل شينئتشي يعيد قراءة ذلك
الكتاب مرة بعد مرة في القطار أثناء عودته لمنزله. وفهم منه أن فترة التنويم
الأوليّ في غاية الأهمية كما قال هاغيوارا. وكذلك مكتوب فيه أنه بدون وجود علاقة
ثقة متينة وقوية بين من ينوِم ومن ينوَم، سيكون من الصعب حدوث ذلك. من بعد إقامة
علاقة "الرابورت" تلك، يجب أخذ وقت طويل في إجراء التنويم الأولي.
شينئتشي ظل يفكر وهو جالس
على الأرض يسند ظهره على مسند المقعد الأرضي، ناظرا إلى زوجته التي تدور وتلف في
أرجاء البيت بلا كلل ولا ملل، فكر أنه من المستحيل إجراء تنويم أولي على كيوكا
بأخذ وقت طويل جدا. وإذا طلب منها قائلا أريد أن أجري عليك تجربة التنويم
المغناطيسي من المتوقع أنها سترفض. يذكر الكتاب أنه من الممكن إجراء تنويم لحظي
بدون تنويم أولي، ولكن يذكر أيضا أن ذلك يقتصر حدوثه في حالتين، إما على يد منوّم
في غاية البراعة، أو اجتماع عدة شروط عويصة التجمع معا. في النهاية من المستحيل
إجراء عملية تنويم مغناطيسي على كيوكا.
استيقظ شينئتشي فجأة على
من يطبطب على كتفه. على ما يبدو أنه أخذته غفوة من النوم وهو جالس على المقعد
الأرضي.
"لو كنت متعبا لهذه
الدرجة لماذا لا تذهب لحجرة النوم؟"
"آه، لا ... لا داعي
لذلك"
عدل شينئتشي نصف جسده
الأعلى.
"أريد قدحا من القهوة"
"هذا ما توقعت أن تقوله،
لذا أعددته وجئت لك به"
وضعت كيوكا القدح فوق
الطبلية.
"شكرا"
"بالمناسبة ماذا كنت تقول
منذ قليل؟ ماذا حدث للتنويم المغناطيسي؟"
"لا ... لا شيء البتة"
"هل ستجرى لي تنويم
مغناطيسي؟"
قالت كيوكا ذلك وهي تضحك
بشكل لاهي وعابث.
"أبدا. مجرد أن زميل في
العمل ذكر لنا اليوم أنه عمل تنويم مغناطيسي لزوجته"
"حقا، أمر مشوّق جدا. أنا
مثلا لم يسبق لأحد أن عمل لي تنويم مغناطيسي، ولذا أنا مهتمة بالأمر. هل سألته عن
الطريقة؟"
"آه ... قليلا فقط. لأنني
لم أكن أستمع وفي نفسي رغبة في تطبيق الطريقة"
"على كلٍ، جرب وافعل"
قالت كيوكا ذلك ثم بعدها
جلست أمام شينئتشي.
شينئتشي بدلا من أن يفرح
لتطور الأحداث الذي لم يكن يتوقعه على العكس أصابته حيرة. وعندها أخرج من جيبه
خيطا مربوط في نهايته عملة معدنية من فئة خمسة ينات.
"ما هذا؟"
ضحكت كيوكا.
"هذا يعني أنك كنت جاهزا
ومستعدا لفعل ذلك"
شينئتشي وهو محرج قليلا،
قال لكيوكا أن تمسك الخيط من طرفه وترفعه لأعلى جاعلة العملة مُعلّقة في الهواء.
فعلت كيوكا ما يُطلب منها وهي تضحك.
قال لها شينئتشي:
"حسنا ... ركّزي نظرك على
العملة. وعند فعل ذلك، يحدث شيء عجيب، وهو أن العملة تتأرجح ببطء من تلقاء نفسها"
قالت كيوكا:
"بل هذا أمر طبيعي. على
العكس الأصعب هو جعل العملة واقفة لا تتحرك"
"آه ... حقا؟"
للأسف شينئتشي أصابه
الارتباك.
"حسنا ... بعد ذلك جربي أن
تجعلي طرف سبابة اليد اليمنى يتلامس ببطء مع طرف سبابة اليد اليسرى"
بعد أن وضعت كيوكا العملة
على الطبلية فعلت ما قاله لها شينئتشي.
"التصاقا تماما ببعضهما
أليس كذلك؟ وهنا الإصبعين لا يمكن فصلهما"
أومأت كيوكا موافقة على
كلامه. اندهش شينئتشي.
"حقا؟ لا يمكن فصلهما؟"
"هل تمزح؟"
قالت كيوكا ذلك وفصلت
إصبعيها بمنتهى السهولة.
"لا يوجد سبب لالتصاقهما"
ضحكت كيوكا مستمتعة وهي
ترى وجه شينئتشي الذي أصابته خيبة.
"ذاكر جيدا ثم عد مرة أخرى،
يا طفلي!"
"طفلي!" هو لقب
شينئتشي منذ كان في قسم التسويق بالشركة. أطلقه مديره عليه في العام الأول لدخوله
الشركة، بسبب وجهه الطفولي المستدير، ومنذ ذلك الحين وكل زملائه الأقدم منه في
العمل ينادونه بهذا اللقب. كيوكا خريجة المعهد المتوسط كانت أحدث منه بسنتين. ولكن
كيوكا ذات السمات الشخصية التي لا تضع اعتبارا لشيء، أصبحت تناديه هي الأخرى بهذا
اللقب رغم أنه يكبرها بأربعة أعوام. ولكن لسبب ما لم يشعر شينئتشي بالاستياء.
والسبب أن كيوكا كانت بنت ظريفة وجميلة.
ولكنه لم يكن ليعتقد أن
كيوكا ستصبح حبيبته في يوم ما. فكيوكا على درجة عالية من الجمال، وكانت محبوبة من
الجميع بسبب تبادلها الحديث بدون تكبّر مع كل زملاء العمل من الرجال. وبالفعل كانت
تتواعد بشكل مكثف مع العديد منهم. وكان هناك من الزملاء الرجال من صرح بوضوح أنه
يضع كيوكا هدفا له.
أما شينئتشي فقد انسحب من
البداية من الاشتراك في هذا السباق. أي نعم هو ذو طول فارع وملامحه لا بأس بها،
ولكنه لم يكن ممن يقترب من النساء من نفسه ويتحرك تجاههن بإيجابية. ولذا عندما قرر
الاثنان الزواج، لم يقتصر الأمر على قسم التسويق ولكن كان ذلك حديث كل الأقسام
الأخرى في الشركة.
وأحيانا ما يسأل شينئتشي
نفسه لماذا اختارت كيوكا أن ترتبط به؟ دعوة التواعد الأول بينهما كانت كيوكا هي
التي قامت بها. كان الوقت متأخرا بسبب العمل الإضافي، وجهت له الحديث قائلة ألا
ترغب في تناول وجبة العشاء معي. ووقتها لم يشعر شينئتشي بالفرح لذلك بل على العكس
اندهش مفكرا في سبب عرضها عليه هو بالذات.
بعد العشاء تبادل مع كيوكا
عنوان البريد الإلكتروني، وبدأ يتبادل معها الإيميلات. وأصبح شينئتشي ينجذب بسرعة
شديدة نحو كيوكا، ولكن على الدوام ظل داخله شك في احتمالية أنها تتلاعب به. ولم
يزول هذا الشعور من داخل قلبه، حتى بعد أن دخل في علاقة جسدية معها، بعد مرور
ثلاثة أشهر على علاقتهما التي جعلاها سرا ولم يصرحا بها أمام جميع المحيطين بهما.
وفي الأصل حتى تلك العلاقة كانت كيوكا هي التي اقترحتها.
بعد الخطوبة سألها مرة
واحدة فقط لماذا أقامت معه هو علاقة غرامية؟ أجابت كيوكا: "لأنك كنت تبدو
مخلصا وعاقلا." ويتذكر أنه شعر وقتها أن ذلك السبب لا يعتبر من قبيل المديح.
الآن، بعد مرور عامين من زواجهما، أصبح الآن معترفا أنها الآمر الناهي في البيت.
كيوكا التي تجلس أمام عينه
الآن، تحملق في شينئتشي بشكل يبدو في غاية التشوق والاهتمام بما سيقال لها في
اللحظة التالية. انزعج شينئتشي وأخذ بيده قطعة العملة من فوق الطبلية ثم قفزها في
الهواء. اتبعتها عيون كيوكا. رشق شينئتشي مقبض الملعقة التي يمسكها بيده اليمنى في
قطعة العملة الساقطة في الهواء، فرشق مقبض الملعقة في ثقب العملة ببراعة. مرت قطعة
العملة المعدنية خلال المقبض وهي تدور لتستقر في النهاية داخل يد شينئتشي.
نظر شينئتشي إلى زوجته
التي تفاجأت من تلك الحركة، وارتاح من تعبيرات وجهها. والسبب أن عيون كيوكا بدت
وكأنها هائمة في الفراغ بشكل أو بآخر.
"كيوكا"
نادى شينئتشي زوجته
باسمها. أجابت كيوكا على النداء بقول: نعم، ولكن صوتها لم يكن الصوت المتفجر حيوية
كما هو دائما. كرر شينئتشي اسم زوجته مرة ثانية. ومرة أخرى أجابت كيوكا وكان الرد
ممطوطا بشكل واضح جدا.
فكر شينئتشي أنه ربما تكون
كيوكا قد لحق بها التنويم المغناطيسي اللحظي. فحتى الكتاب الذي استعاره من هاغيوارا
يذكر أنه من الممكن حدوث التنويم المغناطيسي اللحظي بدون المرور بمرحلة الرابورت.
والنص هو: "بعض الحالات يسقط فيها الإنسان أحيانا في تنويم مغناطيسي لحظي إذا
تم تنفيذ التنويم المغناطيسي بطريقة وتوقيت معين يسبب في هدهدة فراغ القلب".
ربما كان رشق مقبض الملعقة في ثقب العملة المعدنية أثر في فراغ قلب كيوكا. أو ربما
كانت كل الأحداث السابقة عبارة عن تنويم أولي. إذا كان الأمر كذلك، فكر شينئتشي
أنه يجب عدم إضاعة تلك الفرصة.
أخرج شينئتشي من جيبه،
قداحة وأشعل نارها.
"انظري إلى هذه النار"
أومأت كيوكا وظلت تنظر إلى
النار القداحة.
"جسدك يتمايل مع تمايل
النار"
بدأ جسد كيوكا يتمايل ببطء
وهي تنظر إلى النار. بدأ شعور شينئتشي يتوتر فجأة.
"تريدين أن تغمضي عينيك
ولكنك لا تستطيعين"
تحاول كيوكا عدة مرات أن
تغمض عينيها وهي تشد محجريها ولكن الجفون لا تنغلق.
"ولكن عندما أعد أنا حتى ثلاثة،
عيونك ستُغمض. واحد ... اثنين ... ثلاثة!"
في ذات اللحظة تغمض كيوكا
عيونها.
"أنت الآن لا تستطيعين سماع
أي شيء، فقط كلماتي الوحيدة هي التي تستطيعين سماعها"
أومأت كيوكا.
"جسدك أصبح ثقيلا لدرجة لا
تحتمل. انظري كلما مر الوقت زاد ثقلا، لدرجة فقدان القدرة على تحمّله"
كيوكا التي كانت تجلس فوق
ساقيها بدأ جسدها في الانهيار. وأخيرا أرخت كيوكا بالنصف الأعلى من جسدها فوق
الطبلية. بدأ توتر شينئتشي يزداد بتسارع مستمر. فقد وقعت كيوكا في شراك التنويم
المغناطيسي بشكل كامل.
"هذه المرة أصبح جسدك خفيفا"
عندما قال شينئتشي ذلك
بدأت كيوكا ترفع خصرها ببطء.
"انظري! أصبح خفيفا بشكل
سريع. أصبح خفيفا أكثر وأكثر من ذي قبل"
كيوكا همت واقفة ببطء وهي
مغمضة العينين وكأنها مثل العرائس المتحركة التي يحركها أحد ما بالخيوط ليجعلها
تقف.
تذكر شينئتشي قول هاغيوارا
عندما قال إنه جعل من زوجته خنزيرا.
"كيوكا! لقد أصبحتِ طائرا"
وفي ذات اللحظة بدأت كيوكا
في تحريك يديها لأعلى ولأسفل وكأنهما جناحي طائر. وبعد ذلك وقفت ببطء، وأخذت تجوب
الغرفة جيئة وذهابا وهي ترفرف بيديها.
شينئتشي نسي حتى الضحك
وأخذ يحملق في ذلك المنظر مندهشا. هل التنويم المغناطيسي رائع لهذه الدرجة.
"اجلسي!"
توقفت كيوكا عن الرفرفة
بيديها وجلست مرة أخرى فوق حصير التاتامي.
"اخلعي ملابسك"
عبس وجه كيوكا وهي كما هي
مغمضة العينين. وفهم شينئتشي أنها تكره بوضوح تنفيذ ذلك الأمر. ولكن وبنفس ملامح
الوجه غير الراضية، فتحت بأصبعها أزرار البلوزة ببطء. نظر شينئتشي إلى ذلك المشهد
بمشاعر عجيبة. أخيرا خلعت كيوكا البلوزة، وأصبح النصف الأعلى من جسدها بالملابس
الداخلية فقط.
"كيوكا!"
"... نعم"
"... نعم"
"اذكري اسم أكثر شخص تحبينه"
لم تجيب كيوكا على السؤال.
فكر شينئتشي أن صيغة السؤال كانت خاطئة.
"اذكري اسم أكثر رجل تحبه
كيوكا"
"شينئتشي ... ماساوكا"
اجتاحت شينئتشي فجأة رغبة
في احتضان زوجته.
ولكنه وقتها، لم يستطع أن
يقاوم شكوكا تولدت داخله.
"اعترفي بعدد الرجال الذين
مارستِ معهم الجنس حتى الآن"
ارتجف قلبه قلقا وهو يسأل
ذلك السؤال.
وعندما بدا التردد على
ملامح كيوكا، ارتفعت نبرة التوتر والقلق لديه. وفكر أنه قد سأل الآن السؤال الذي
كان لا ينبغي عليه سؤاله أبدا.
وعندما كان على وشك القول
لك حرية عدم الإجابة، قالت كيوكا شيئا ما همسا بصوت غير مسموع.
"ماذا قلتي؟"
"عشرين شخص"
هذه المرة أجابت كيوكا
بوضوح. للحظة فقد شينئتشي النطق. امرأة في درجة جمال كيوكا لا يُعقل أن تكون بلا
تجارب سابقة مع الرجال. هو يفهم هذا، ولكن لم يكن يتخيل أن تكون لها علاقة جسدية
مع عشرين رجلا! وفكر أنه فتح صندوق "باندورا" الذي كان يجب ألا يفتحه
أبدا. ضربات قلبه ازدادت عنفا، وتصبب عرق كريه من جميع أنحاء جسده.
ولكنه لا يستطيع إلقاء
اللوم على زوجته بسبب ذلك. فمهما كانت علاقتها الجسدية مع الرجال في الماضي، فهذا
كله من الماضي. ومن الأصل لم يكن من الأنسب السؤال عن ذلك الأمر بتاتا. وأكثر من ذلك
توجيه السؤال لزوجته وهي واقعة أسر التنويم المغناطيسي ولا تستطيع رفض الأوامر
التي تقال لها، هو خرق لكل القواعد، حتى ولو بين الأزواج.
لا يجب أبدا مواصلة
الأسئلة بعد الآن، هكذا صرخ المنطق داخل عقل شينئتشي. يجب وقف تلك اللعبة المخيفة
في التو والحال!
ولكن الآخر المختفي داخله
وسوس له وسوسة الشياطين. ولم يستطع شينئتشي مقاومة ذلك الصوت.
"متى كانت آخر مرة حضنك
رجل؟"
سأل شينئتشي ذلك بصوت
مبحوح.
"... قبل ثلاثة أيام"
شينئتشي الذي لمست أذنه
إجابة كيوكا تلك أخذته الدهشة تماما. فهو لم يمارس الجنس مع كيوكا منذ أكثر من عشرة
أيام مضت.
العالم السعيد الذي كان
يرسمه في خياله حتى دقائق معدودة مضت، انهار الآن بالكامل مصدرا صوتا مهولا
لانهياره ...
"م ... مع مَنْ ...؟"
اصطكّت أسنان شينئتشي وهو
يقول ذلك مصدرة صوتا: "من هو؟"
كانت كيوكا على وشك
الإجابة، ولكنها أغلقت شفتيها.
"من هو؟ انطقي!"
قال شينئتشي ذلك بنبرة
قوية.
"السيد يوشيكازو أداتشي"
تحول العالم أمام عيني
شينئتشي إلى ظلام دامس. يوشيكازو أداتشي هو رئيسه المباشر ومدير إدارة التسويق.
أنه الشخص الذي قام بدور الوسيط عند زواجه بكيوكا منذ عامين. الآن فهمت! هذا هو
محتوى الأمر!
تساقطت الدموع من عيني
شينئتشي. عندها فتحت كيوكا عيناها المغمضة.
ضحكت كيوكا عاليا وهي تقول
"أهبل وعبيط!"
"من هذا الذي يسقط صريع
تنويم مغناطيسي على يدك أنت يا طفلي!"