قواعد كتابة الرواية العشر
ريونوسكيه أكوتاغاوا
ترجمة ميسرة عفيفي
القاعدة الأولى:
اِعلم أن الرواية هي أكثر أنواع الأدب بُعدا عن الأدب. وأن الشعر فقط هو الأدب الوحيد بين جميع أنواع الأدب. بمعنى أن الرواية لا تكون عملا أدبيا إلا بما تحتويه من شعر. وبالتالي لا تختلف الرواية في قليل أو كثير عن التأريخ وكتابة السير.
القاعدة الثانية:
على الروائي إن يكون مؤرخا وكاتبَ سير مع كونه شاعرا. وبالتالي لا يجب عليه أن ينفصل عن مختلف مناحي الحياة (في عصره وبلده). وتبرهن أعمال الروائيين اليابان على ذلك منذ شيكيبو موراساكي وحتى سايكاكو إيهارا.
القاعدة الثالثة:
يتوجه الشاعر دائما بمشاعره الخاصة إلى أحد ما (اِنظر إلى ميلاد شعر الغزل من أجل خطب ود المرأة). يجب على الروائي أن يجتهد في أن يكون مؤرخا وكاتب سير مع كونه شاعرا بالفعل. يتواجد كاتب السيرة الذاتية والتي هي أحد أنواع كتابة السير داخل الروائي. وبالتالي يجب أن يشعر الروائي بالكآبة والمعاناة في حياته أكثر بكثير من الشخص العادي. والسبب هو أن الشاعر الذي داخل الروائي عادة ما يكون ضعيفا في تنفيذ أفكاره. وإن كان الشاعر الذي داخل الروائي أكثر قوة من المؤرخ وكاتب السير، فسيلمع نجمه ويستطيع الهرب من المعاناة في النهاية. ويُعدّ آلان بو مثالا جيدا على ذلك. (ولا داعي للقول إن نابليون ولينين لو كانا شاعرين لأصبحا روائيين لم يظهر مثلهما في التاريخ).
القاعدة الرابعة:
من خلال الشروط الثلاثة التي ذكرتُها عاليه، تتكوّن موهبة الروائي من المواهب الثلاث التالية: موهبة الشاعر وموهبة المؤرخ أو كاتب السير وموهبة خوض غمار الحياة. وأطلق الأقدمون على التغلب على المواهب الثلاثة تلك أصعب الصعاب. (ومن لا يعتبرها أصعب الصعاب فهو محدود الموهبة). من يريد أن يكون روائيا، لا يستطيع أن يأمل في سلام أو أمان طوال حياته كلها، مثل سائق يقود سيارة في طرقات المدينة فجأة بدون رخصة ولا تعليم.
القاعدة الخامسة:
إن كان لا يأمل في سلام أو أمان طوال حياته، فيجب أن يعتمد على المال والقوة البدنية والحرية الشخصية (أي الحياة البوهيمية). وثمة فاعلية للاثنين لكن يجب أن يضع في اعتباره أن تلك الفاعلية أقل مما يتوقع. وإن كان يرغب في أن يعيش في سلام نسبي، فلا يجب عليه أن يكون روائيا. من خلال النظر إلى تفاصيل سيرتهم الذاتية الكاملة، يجب تذكّر أن الروائيين الذين يعيشون في سلام نسبي دائما روائيون مبهمون.
القاعدة السادسة:
بالتالي يجب على الروائي الذي يحاول أن يعيش حياة سلام نسبي في هذه الدنيا، أن يصقل موهبة خوض غمار الحياة أكثر من أية موهبة أخرى. ولكن ليس معنى هذا أنه سيترك أعمالا أدبية رائعة (التناقض أيضا موجود بالطبع). وموهبة خوض غمار الحياة أعلاها هو السيطرة على القَدَر (ولكن ما من ضمان يضمن القدرة على تلك السيطرة من عدمها) ويصل أدناها إلى التعامل بحرص وأدب مع أي غبي مهما كانت درجة غبائه.
القاعدة السابعة:
الأدب هو فن يعتمد على الأسلوب والتعبير. وبالتالي من المؤكد أن الروائي لا يجب أن يتكاسل في صقل أسلوبه. ويجب أن يدرك الروائي أن به عيوبا غير قليلة في مؤهلاته لكي يصبح روائيا إن كان لا يستطيع الإحساس بالنشوة من جمال كلمة واحدة. وبالتأكيد لم يكن حصول سايكاكو على لقب “سايكاكو الهولندي” لأنه كسر قواعد وقيود ذلك العصر في الرواية فقط، بل لأنه كان يعلم جمال الكلمات التي فهمها جيدا من خلال شعر الهايكو.
القاعدة الثامنة:
روايات عصر واحد في دولة واحدة تكون ملتزمة من نفسها بقيود متنوعة (هذا ما أقرّه التاريخ). ومن يريد أن يصبح روائيا يجب عليه أن يجتهد في إطاعة تلك القيود. وفوائد إطاعة القيود هي، أولا: سيستطيع تأليف رواياته الذاتية على أكتاف السابقين الأولين من الأدباء، ثانيا: سيمنع عنه ذلك نباح كلاب عالم الأدب لأنه سيبدو لهم جادا. ولكن هذا أيضا ليس معناه أنه سيترك أعمالا أدبية رائعة. (لا داعي للقول إنه لا تناقض هنا). وأكثر العباقرة هم الذين يحطمون القيود التي تقابلهم تحت أقدامهم. (ولكن ما من ضمان أنهم يحطمونها للدرجة التي يفكر بها الناس العاديون). إنهم من أجل ذلك يهربون – حتى وإن كان بدرجة قليلة – بعيدا عن قَدَرِهم، بمعنى بعيدا عن تقدم (أو تغير) عالم للأدب، ولا يستطيعون التدفق مثل تدفق المياه في الميزاب. ويجب عليهم البقاء ككوكب سيّار خارج النظام الشمسي للأدب. وبالتالي فعدم فهم جيلهم لهم أمر مؤكد، وإن تعرّفت عليهم الأجيال التالية فسيكون ذلك فقط من حسن حظهم. (ينطبق ذلك على جميع أنواع الأدب وليس الروايات فقط).
القاعدة التاسعة:
يجب على من يريد أن يكون أديبا أن يحذر دائما من التفاعل مع الأفكار الفلسفية والفيزيائية والاقتصادية. فلا يستطيع أي نوع من الأفكار أو النظريات أن يسيطر على حياة الإنسان الحيواني طالما ظل الإنسان الحيواني مستمرا. وبالتالي، يجب العلم أن التفاعل مع الأفكار (على الأقل بوعي) يُصعّب من عمر – أي حياة – الإنسان الحيواني. إن النظر إلى الشيء كما هو والتعبير عنه كما هو يُسمى الوصف الحي. وما من وسيلة أسهل للروائي من الوصف الحي. ولكن يجب القول إن كلمة “كما هو” هنا تعني “كما يراها هو بعينيه”. وليس معناها “كما يراها بناء على أسلوب مستعار من آخرين”.
القاعدة العاشرة:
ما من قاعدة ذهبية بين جميع قواعد كتابة الرواية. وبالتأكيد “قواعد كتابة الرواية العشر” هذه ليست قواعد ذهبية. وفي النهاية من لديه مقومات أن يكون روائيا سيكون روائيا، ومن ليس لديه لن يكون.
ملحق:
أنا أتبع مذهب الشك في كل شيء. ولكن مهما كانت رغبتي في اتباع مذهب الشك، فأنا أعترف أنني لم أستطع حتى الآن أن أكون متشككا تجاه الشعر مطلقا. وفي نفس الوقت أعترف كذلك أنني أجتهد على الدوام أن أكون متشككا تجاه الشعر.
٤ مايو ١٩٢٦
* نُشرت لأول مرة في العدد التاسع من السنة الثانية لمجلة “شينتشو” الصادر في أول سبتمبر من عام ١٩٢٧ أي بعد انتحار أكوتاغاوا بشهر.