بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 مايو 2013

رواية الأديب الياباني الشهير كيئتشرو هيرانو "الكسوف"

كيئتشرو هيرانو روائي ياباني من مواليد عام 1975. نشر أول رواياته "الكسوف" عام 1998 وهو مازال طالباً في العام النهائي من كلية القانون بجامعة كيوتو اليابانية. نالت الرواية إحدى أكثر الجوائز اليابانية شهرة في الأدب في العام التالي وهو عام 1999 التي تسمى جائزة "أكتاغاوا".
وأثارت الرواية جدلاً كبيراً في الأوساط الأدبية اليابانية لعدة أسباب، أولها أن الكاتب رغم أنها أول رواية له، ورغم أنه مازال طالباً جامعياً حصل بها على هذه الجائزة العريقة في اليابان. وثاني الأسباب هو موضوع الرواية، فالرواية ليس لها أي علاقة من قريب أو من بعيد باليابان، أحداثها تدور في أوربا آبان عصور الظلام ومحاكم التفتيش، وتحكي عن تسلط الكنيسة على مقدرات الأمور في آواخر القرن الخامس عشر. ثالث أسباب حصول الرواية على الإهتمام الكبير من المختصين وغير المختصين هو طريقة كتابتها.
فهذا الشاب الذي لم يتخرج بعد من الجامعة، يكتب عن الصراع الفكري الذي دار في أوروبا أثناء العصور الوسطى، مستخدماً اللغة اليابانية التي كانت تستخدم في نفس العصر تقريباً!!
أي أنه استخدم الكلمات والمصطلحات القديمة جداً التي لم تعد تُستخدم أغلبها الآن في كتابة اللغة اليابانية. لذلك لا يستطيع القارئ العادي، بل والمتخصص قراءتها دون الاستعانة بالمعاجم والقواميس التي تشرح معنى وطريقة قراءة كلمات الرواية. وقيل أن بعض أعضاء اللجنة التي قررت منح الرواية جائزة "أكتاغاوا شو" لم يستطع قراءتها دون العودة إلى المعجم من حين إلى أخر.
تقع الرواية في 189 صفحة من القطع المتوسط، وصدرت لأول مرة في أكتوبر عام 1998 عن دار "شين تشو للنشر". تبدأ الرواية بمقدمة "إبيلوغ" عبارة عن سطر اقتبسه المؤلف من "لاكتانتيوس" يقول فيه: < لقد طرد الله الإنسان من الجنة، وحتى لا يعود لها ثانيةً أحاطها بجهنم > يقول ناقد ياباني إن هذه العبارة هي خُلاصة ما يريد هيرانو إبلاغه من هذه الرواية.
تدور الرواية على لسان ضمير المتكلم، وهو هنا بطل الرواية القس نيقولا طالب علم اللاهوت في جامعة باريس على شكل مذكرات يكتبها بعد فترة من انتهاء أحداثها. ويخصص البطل أول صفحات المذكرات في كتابة شرح لها يقول فيه: < سأبدأ من الآن في تسجيل ذكريات ذاتية، أو الأصح أن نطلق عليها اسم اعترافات. ولكونها اعترافات، فقد أخذت عهداً على نفسي ألا أكذب، وأن أقول الحقيقة فقط ، في البداية أقسم باسم الرب على ذلك. >
ثم يشرح أن سبب إعلانه هذا العهد هو خوفه من عدم تصديق القرّاء له، لما تحتويه المذكرات من أحداث غير معقولة. وخوفه أيضاً من النفس الأمارة بالسوء أن تجنح إلى الكذب، أو إلى الخيال لإكمال ما لم يتم في الواقع. أو أن تجنح إلى إخفاء ما لا ينبغي إخفاءه. ثم بعد ذلك يبدء في تسجيل وقائع حدثت له أثناء رحلته من مدينة باريس إلى مدينة ليون في بداية عام 1482 للحصول على أحد الكتب التي كانت نادرة في ذلك الوقت. وبعد وصوله إلى ليون يقابل أسقف المدينة الذي يقترح عليه الذهاب إلى مدينة فلورانسا، لا لكي يحصل على الكتاب المذكور فالأسقف نفسه معه نسخة من الكتاب، ومستعد لإعطاءه إياها، ولكن لكي يشاهد على أرض الواقع ما يحدث في تلك الأرض التي يقول عنها: < يوجد في جنوب جبال الألب عالم يختلف تماماً عن عالمنا، قولي هذا ربما يوحي أنه عالم سحري ورائع، لكنني لست متأكداً من كونه عالماً جيداً أم على العكس عالماً سيئاً. ولا أستطيع القول ببساطة، هل جبال الألب هي حصن يحمي عالمنا، أم هي حامية تحرس ذلك العالم الجديد. لذلك أريدك أن تذهب إليها، وتتأكد من ذلك بنفسك. >
ثم يقترح عليه أيضاً أن يعرج في طريقه على قرية صغيرة قريبة من مدينة ليون، يوجد بها رجلٌ يسمى بيير يحاول صناعة الذهب الخالص مستخدماً العلوم الحديثة من كيمياء وفيزياء، ويدعوه لمقابلته للتعرف عليه وعلى التجارب التي يقوم بها. فيذهب نيقولا بالفعل إلى القرية التي يبقى فيها إلى نهاية الرواية تقريباً.
هذا هو الإطار العام للرواية التي تمتلئ بنقاشات عديدة عن الفلسفة واللاهوت والعلوم الحديثة. وتبرز الرواية الصراعات التي كانت دائرة على أشدها بين المتزمتين، وبين أصحاب العقول المتحررة الذين يحاولون الأخذ من العلم بما لا يتعارض مع الدين. وتحكي كيف حوّل أنصار التخلف الصراع الفكري إلى وجهة أخرى هي صيد الساحرات، ومحاكم التفتيش، وإطلاق تهمة الهرطقة على كل من يخالفهم في الرأي حتي لو كان عالماً لاهوتياً كبيراً.
اللافت للنظر في الرواية أن الكاتب يقرر ولكن بطريق غير مباشرة أن الأفكار العلمية المتحررة وفلسفة اليونان القديمة، انتقلت إلى الغرب عن طريق المسلمين. بدليل ذكره لمدينة فلورانسا وإنتشار الآراء المستنيرة فيها بسبب قربها من البلاد الإسلامية، وإزدهار التجارة بينها وبين دول شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط.
وكذلك ذكره أيضاً لإبن رشد وتأثيره على الفكر الأوروبي بوجه عام، إلى حد أن تكون هناك طائفة علمية يطلق عليها إسم "الرشديين". وذكره أن بيير الخيميائي في القرية النائية، الذي يحاول صناعة الذهب الخالص يعتمد ضمن مؤلفات عدة، على كتاب "الكيمياء" لجابر بن حيان. إلى غير ذلك من الشواهد التي لا يتم التركيز عليها وإنما تُذكر بشكلٍ عابرٍ.
تنتهي الرواية بالقبض على بيير الخيميائي، الذي يعتبر بطل الرواية الحقيقي، بتهمة الزندقة وممارسة السحر الأسود. في حين يعود نيقولا إلى عمله في السلك اللاهوتي بعد أن يحصل على جميع كتب بيير بناء على وصية الأخير. ثم بعد ثلاثون عاماً يبدء نيقولا في إتمام ما بدءه بيير من تجارب كيميائية بعدما علم بطريق الصدفة أن بيير قد مات بعد القبض عليه مباشرةً أثناء التحقيقات التي جرت معه.
 

الخميس، 2 مايو 2013

الترجمة من اللغة اليابانية إلى اللغة العربية


الترجمة من اللغة اليابانية إلى اللغة العربية

بقلم: ميسرة عفيفي

هذه التدوينة هي تلخيص لمحاضرة قمت بإلقائها باللغة اليابانية على عدد من الأدباء وأساتذة الأدب ومترجمين ومهتمين بالأدب من أعضاء "جماعة إييدا باشي الأدبية" والتي أشرف أن أكون عضوا مؤسسا فيها.

المحاضرة كانت بغرض التعريف باللغة العربية والأدب العربي، ثم التعريف بدور الترجمة في وضع أسس النهضة الحضارية والعلمية التي قامت إبان ازدهار الدولة الإسلامية، بعد ترجمة ما وصل إلينا من تراث القدماء إلى اللغة العربية وخاصة تراث اليونان، ومن ثم نقل هذا الإرث الإنساني إلى اللغات الأوربية فساعد في تطور البشرية في العصور الحديثة، وفي نهاية المحاضرة تكلمت عن الوضع المأسوي الذي أصبحت عليه حالة الترجمة إلى اللغة العربية الآن ضاربا المثال بحال الترجمة من اللغة اليابانية إلى اللغة العربية، وهو ما أركز عليه في السطور التالية.

قمت بعمل بحث عن الكتب اليابانية التي تُرجمت إلى العربية سواء ترجمة مباشرة أو من خلال لغة وسيطة، كانت في الأغلب هي اللغة الإنجليزية، وقد اعتمدت بشكل أساسي على إحصائية رسمية لجهة يابانية شبه حكومية وهي "مؤسسة اليابان" أو (Japan Foundation)، التي تعتبر وسيلة الحكومة اليابانية في نشر لغتها وثقافتها في دول العالم المختلفة، بدعمها لنشاطات ثقافية وأدبية وفنية من خلال مكاتبها المنتشرة في عشرين دولة من دولة العالم أجمع، ومكتبها الوحيد في الشرق الأوسط مقره في القاهرة، وهو المكان الذي بدأتُ فيه أنا تعلم مبادئ اللغة اليابانية منذ ما يقرب من ربع قرن من الآن، ولا زال حتى الآن يقوم بتدريس اللغة اليابانية، والعمل على نشر الثقافة والأدب والفنون اليابانية.

من خلال إحصائية "مؤسسة اليابان" السالفة الذكر ومن خلال رصدي لغيرها من مصادر، فيما يلي بعض الأرقام عن حالة ترجمة الكتب اليابانية إلى اللغة العربية. والمفاجأة الكبرى هي أن عدد الكتب التي تُرجمت من اللغة اليابانية إلى اللغة العربية في كل الدول العربية وعلى مر العصور يقل عن الثمانين كتاب، سواء كانت الترجمة مباشرة أو من خلال لغة وسيطة. والعدد الذي وصلت إليه كان 76 كتابا فقط، ربما زاد كتابين هنا أو ثلاثة كتب هناك مما لم أستطع الوصول إليه.

الدول العربية التي قامت بنشر كتب يابانية مترجمة هي كالتالي: مصر 37 كتابا بنسبة 49 % من الإجمالي، لبنان 18 كتابا بنسبة 24 %، الإمارات العربية المتحدة 9 كتب بنسبة 12 %، وسوريا أربعة كتب بنسبة 5 % والعراق والكويت لكل منهما 3 كتب بنسبة 4 % وأخيرا المغرب وعُمان لكل منها عمل واحد. أي أن 8 دول فقط هي التي قامت بالنشر واكتفت باقي الدول الدول العربية بالقراءة، هذا إن وصلت لمرحلة القراءة. أما محتوى تلك الكتب فكان أغلبها أعمال أدبية وهي كالتالي: 56 رواية بنسبة 74 %، 11 كتاب قصص قصيرة بنسبة 14 %، ثلاثة مسرحيات بنسبة 4 %، و6 أعمال في غير تلك من أنواع بنسبة 8 % غير ذلك. أما المأساة فهي نسبة الترجمة المباشرة إلى الترجمة غير المباشرة، أي عن لغة وسيطة كانت هي اللغة الإنجليزية في الأغلب الأعم، الترجمة من خلال لغة وسيطة كانت عددها 54 عملا بنسبة 71 % والترجمة من اللغة اليابانية مباشرة عددها 22 عملا بنسبة 29 % من إجمالي الأعمال المترجمة. أما عن كُتّاب تلك الكتب فيأتي الكاتب يوكيو ميشيما على رأس قائمة الكتاب الأكثر ترجمة للغة العربية بعدد 10 أعمال بنسبة 13 % موزعة بين روايات وقصص قصيرة ومسرحيات، ثم ياسوناري كاواباتا صاحب أول جائزة نوبل في الآداب تعطى لياباني، بعدد 8 أعمال بنسبة 11 % عبارة عن روايات وقصص قصيرة، يليهما أشهر روائي ياباني على قيد الحياة والياباني الأكثر مبيعا في العالم حاليا، هاروكي موراكامي بعدد خمسة أعمال كلها روايات بنسبة 7 % ، يتقاسم المركز الرابع كل من كينزابرو أويه (صاحب نوبل الثانية والأخيرة حتى الآن لليابان في الأدب)، وجونئتشيرو تانيزاكي، وأوسامو دازاي، وريونوسكيه أكوتاجاوا، وكوبو أبيه، بعدد 3 أعمال بنسبة 4 % لكل منهم على حدة.

وهذه الأرقام تدل على كل حال فيما تدل على أن الوضع مزري وبائس إلى حد بعيد، ويحتاج إلى أن ننتبه نحن العرب إلى تلك الأمة التي تقع في أقصى الأرض والتي سقطت سهوا من حسابنا في الترجمة، وأن تقوم حركة ترجمة كبرى تعمل على ترجمة أدب وثقافة وحضارة هذا الشعب بشكل شامل تشترك فيها مؤسسات حكومية كبرى سواء كانت لدولة عربية منفردة أو لتجمع ما من عدة دول عربية.