بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 4 نوفمبر 2018

في مديح الظل - جونئتشيرو تانيزاكي



مديح الظل
جونئتشيرو تانيزاكي
(الفصل الأخير)
ترجمة ميسرة عفيفي



قرأتُ منذ فترة مضت، في جريدة أو مجلة ما، مقالة تشكو فيها العجائز الإنجليزيات أنه مع أنهن كُن في الماضي يعظمّن كبار السن ويحترمنهن، إلا أن الفتيات الشابات الآن لا يُبدين تجاه كبار السن أي اهتمام، بل وكبار السن بالنسبة لهن شيء قذر لا يقربن منهن، وتتباكى العجائز من الاختلاف بين الشباب في الماضي والحاضر. ولقد تأثرتُ إذ عرفت أن كبار السن يشكون نفس الشكوى في كل الدول بلا استثناء. وعلى ما يبدو أن الإنسان مع تقدمه في العمر، يظن واهما أن الماضي أفضل من الحاضر بلا استثناء. وعلى هذا فالعجوز الذي كان يعيش قبل مئة عام، يشتاق إلى الحياة قبل مئتي عام، والعجوز الذي كان يعيش قبل مئتي عام يشتاق إلى الحياة قبل ثلاثمئة عام، ولا يرضى أحد في أي عصر بعصره الذي يعيش فيه، ولكن علاوة سرعة تقدم الحضارة فبلدنا حالة خاصة جدا حيث أن التحولات التي حدثت فجأة منذ ثورة ميجي تساوي تطور ثلاثة أو خمسة قرون على الأقل من العهود الماضية.
والطريف أنني أنا الذي أقول ذلك قد بلغتُ عمرا سأبدو فيه أنني أقلّد كلام كبار السن، ولكن من المؤكد أن المنشآت الثقافية في العصر الحالي تتملق الشباب خاصة وتصنع تدريجيا عصرا غير رحيم بكبار السن. والمثال الأسرع على ذلك أن كبار السن لا يستطيعون الخروج من بيوتهم مطمئنين بعد أصبح عبور تقاطعات الطرق يتم بأمر من إشارات المرور.
لا ضير لمن يتجول في الطرق باستخدام سيارة، ولكن شخص مثلي عندما أذهب أحيانا إلى مدينة أوساكا فإن مجرد عبوري من هذه الجهة من الطريق إلى الجهة الأخرى يتطلب استنفار جميع أعصاب جسمي. بعد أن تم وضع إشارات: انطلق أو قف، سهل رؤية الإشارات التي توجد في منتصف مفترق الطريق ولكن أحيانا يصعُب اكتشاف مكان الإشارات الكهربائية الخضراء والحمراء التي تضيء وتنطفئ في السماء في جانب لا يمكن توقعه، وأحيانا نخطئ في مفترق طريق واسع بين الإشارة الجانبية والإشارة المقابلة. لقد اعتقدتُ ذلك بالفعل عندما أصبح من الضروري وقوف شرطي المرور في طرق كيوتو، فلم يعد يمكننا اليوم الاستمتاع بالمناظر اليابانية العريقة إلا إذا ذهبنا إلى مدن في حجم نيشينوميا أو ساكاي أو واكاياما أو فوكوياما.
في الطعام أيضا، إن كبار السن يجدون مشقة بالغة في العثور على طعام يتناسب ذائقتهم في المدن الكبرى. منذ فترة جاء إليّ أحد الصحفيين وطلب مني الحديث عن طعام لذيذ وغريب في نفس الوقت، فتحدثتُ عن طريقة صنع السوشي بورق الكاكا الذي يـأكله أهالي قرية جبلية نائية في يوشينو. وسأنتهز هذه الفرصة لأعرض لكم تلك الطريقة هنا. يتم سلق أرز مع مشروب الساكي بنسبة واحد إلى عشرة، ليكن كيلوجرام ونصف أرز مع 150 جرام ساكي. ويتم وضع الساكي بعد أن يغلي القدر. حسنا بعد أن يستوي الأرز يُترك حتى يبرد تماما ثم يتم تشكيله باليدين على شكل السوشي بعد أن ينثر الملح على اليدين. وفي هذه الحالة يجب ألا تكون اليدين بهما أي أثر للماء. سر الصنعة هو الاعتماد على الملح فقط أثناء تشكيل أرز السوشي. بعد ذلك نقطّع السلمون المملح إلى شرائح رقيقة، ونضعها فوق أرز السوشي، ثم نغلفها بورق الكاكا على أن نجعل ظهر الورقة للخارج. واستعدادا لذلك نكون قد مسحنا أوراق الكاكا والسلمون بقطعة قماش جافة لإزالة الماء تماما منهما. يوضع ذلك في صحن السوشي الخاص به أو علبة الأرز بعد تجفيفها بدقة من الداخل وعدم السماح بأي فراغات بين السوشي ووضع غطاء محكم فوقها ثم إضافة الحجر الثقيل الذي يستخدم في ضغط المخللات. إذا صنعت السوشي في المساء يصبح جاهزا للأكل في الصباح التالي، ويكون أجود مذاق طوال ذلك اليوم ويكون صالح للأكل على مدى يومين أو ثلاثة أيام. وعند أكله يُرش عليه خل مصنوع من أوراق نبات فلفل الماء.
لقد علمني هذه الطريقة أحد الأصدقاء كان قد ذهب إلى يوشينو للسياحة ومن شدة إعجابه بهذا الطعام اللذيذ تعلمه طريقة إعداده ثم نقلها لي، وهو طعام يمكن طبخه في أي مكان ما دام توجد أشجار الكاكا والسلمون المملح. إذا كان أهم شيء هو ضرورة عدم نسيان إزالة الماء والرطوبة تماما وأن يُبرّد الأرز وعندما جربتُ صنعه في بيتي اقتنعتُ بأنه لذيذ الطعم. فزيت السلمون وملحه يتغلغلان إلى الأرز بدرجة رائعة، وعلى العكس يعود السلمون طريا وكأنه طازجا بشكل لا يوصف. ويختلف طعمه تماما عن سوشي مطاعم طوكيو، ولقد قضيتُ هذا الصيف لا أتناول إلا هذه الوجبة لما كانت تناسب ذائقتي تماما. ورغم ذلك يا لها من طريقة لتناول السلمون المملح! لقد انبهرتُ من سكان تلك القرية الجبلية لاختراعهم تلك الوجبة رغم فقر الموارد لديهم. ولكن عند البحث عن مثل تلك الوجبات المحلية المتنوعة نجد أن من المؤكد أن سكان الأرياف في العصر الحالي لديهم حاسة ذوق أفضل من سكان المدن وأنهم بمعنى من المعاني يتمتعون برفاهية لا يمكن تخيلها. ولهذا يتخلى كبار السن عن المدن أكثر وأكثر، ويتجهون لحياة العزلة في الأرياف، ولكن حتى مدن الأرياف وصلت إليها أعمدة المصابيح الكهربائية التي على شكل الزنبق، ومع مرور السنين أصبحت تشبه كيوتو مما لا يدعو للاطمئنان مطلقا. توجد نظرية تقول إن الحضارة ستقفز خطوات جبارة وعندها ستكون وسائل المواصلات في الجو وفي أنفاق تحت الأرض، وبالتالي ستعود طرقات المدن إلى سابق عهدها من الهدوء، ولكن نحن نعرف أنه في ذلك العصر ستتولد بالتأكيد وسائل جديدة لمضايقة كبار السن. ولذا سيكون الوضع هو أنهم يضطرون كبار السن إلى الانسحاب من الحياة العامة، ولا يجدون أمامهم مكان إلا التقوقع في بيوتهم يستمعون إلى المذياع وهم يشربون الساكي مع النَقْل من طعام من عمل يدهم.
عندما نعتقد أن كبار السن فقط هم من يتبرمون بهذا الشكل، ولكن ليس الأمر كذلك على الإطلاق، فمؤخرا سخرت جريدة أساهي طبعة أوساكا في عامودها الخاص بالتعليق على الأحداث اليومية بعنوان "صوت السماء بكلمات بشرية"، سخرت من تقطيع بلدية المحافظة لأشجار الغابات بعشوائية من أجل إنشاء طريق للسيارات في حدائق مينوو وبالتالي تتقلص مساحة الغابات الجبلية. وعندما قرأتُ أنا ذلك أحسستُ بقليل من الثقة في كلامي. إن خطف الظلام الذي يوجد تحت ظل الأشجار في عمق الجبال، أمر مجنون عديم الرحمة. ومع استمرار هذه الوتيرة فحتى كل الأماكن المشهورة في نارا وحتى ضواحي كيوتو وأوساكا ستصبح مناطق قاحلة مقابل أن تصبح أماكن لها شعبية.
ولكن في النهاية يعتبر هذا أيضا أحد أنواع التبرم والشكوى، وحتى بالنسبة لي فأنا عالم وممتن بشدة لما للعصر الحالي من أفضال، ومهما قلنا الآن من آراء فطالما بدأت اليابان بالفعل الخطو في خط محاذي للثقافة الغربية، فليس باليد حيلة إلا التقدم بشجاعة للإمام تاركين كبار السن وراء ظهورنا. ولكن ما لم يتغير لون بشرتنا، فليس أمامنا إلا أن نستعد لحمل عبء الخسارة المفروضة علينا نحن فقط إلى الأبد.
ومع ذلك فهدفي من كتابة هذا الكلام، لأنني أعتقد أنه يجب البقاء على طريق يعوض تلك الخسارة في أي منحى من مناحي الحياة وليكن هذا المنحى مثلا الآداب والفنون. أنا أريد استدعاء عالم الظل الذي نفقده حاليا بالتدريج ولو في نطاق الأدب. أريد أن أمدد إفريز المبنى العملاق الذي يسمى الأدب، وأجعل حائطه معتم وأدفع إلى الظلام الأمور التي تُرى بوضوح زائد على الحد، وأزيل من داخل حجراته أية زينة لا لزوم لها. لا أطلب أن تكون كل المباني هكذا، ولكن من الأفضل أن يوجد ولو مبنى واحد فقط بهذا الشكل. حسنا كيف سيكون الوضع؟ جرب أن تطفئ المصباح الكهربائي.



السبت، 20 أكتوبر 2018

بلوز بلدة إيسيزاكي




بلوز بلدة إيسيزاكي
Ise zaki machi buruuzu
غناء: مينا أوئه Aoe mina
كلمات: كوهان كاواؤتشي Kawauchi Kouhan
لحن: يوئيتشي سوزوكي Suzuki Youichi

آه آه آه آه
anata shitteru minato yokohama
ميناء يوكوهاما الذي تعرفه
machi no namiki ni shio kaze fukeba
تهب رياح البحر بين أشجار المدينة
hana chiru yoru wo oshimu yo ni
وكأنها تتحسر على ليلة تتبعثر فيها الزهور
Ise zaki atari ni akari ga tomoru
تشتعل الأضواء في منطقة إيسيزاكي
koi to nasake no …
الحب والشفقة ...
do do vi ju do vi jubi do va
دو دو بي جو بي دو فا
hi ga tomoru
تشتعل الأضواء
آه آه
atashi wa hajimete minato yokohama
أول مرة لي في ميناء يوكوهاما
ame ga sobofuri kiteki ga nareba
هطلت الأمطار بغزارة وانطلقت صافرات السفن
hatoba no wakare oshimu yo ni
كأنها تتحسر على الوداع عن رصيف المرسى
Ise zaki atari ni akari ga tomoru
تشتعل الأضواء في منطقة إيسيزاكي
yume wo furimaku
وتتبعثر الأحلام
do do vi ju do vi jubi do va
دو دو بي جو بي دو فا
hi ga tomoru
تشتعل الأضواء
آه آه آه آه
anata najimi no minato yokohama
ميناء يوكوهاما الذي تعتاد عليه
hito ni kakurete ano ko ga naita
اختبأت تلك الفتاة عن الناس لتبكي
namida ga hana ni naru toki ni
وفي الوقت الذي تتحول فيه الدموع إلى زهور
Ise zaki atari ni akari ga tomoru
تلمع الأضواء في منطقة إيسيزاكي
koi no moodo no
مزاج الحب
do do vi ju do vi jubi do va
دو دو بي جو بي دو فا
hi ga tomoru
تلمع الأضواء

الجمعة، 14 سبتمبر 2018

#مصطلحات_يابانية


#مصطلحات_يابانية
螺子を巻く
ねじをまく
neji wo maku
نيجي أو ماكو
يُدير اللولب - يلف الزنبرك
يشد المرتخي
يُعيد الأمور إلى نصابها
wind up a screw



#مصطلحات_يابانية
唸る
うなる
unaru
أونارو
يعوي - يتأوه - يزمجر
Growl


هل يكتب هاروكي موراكامي سيرة ذاتية في أعماله

يجد قراء الروائي الياباني هاروكي موراكامي في أبطال قصصه أو رواياته بعض من صفاته وربما ما يوحي بسيرة ذاتية ما. ولكن موراكامي في كافة الحوارات والمقالات التي يتحدث فيها عن ذلك ينفي تماما أنه كتب أي سيرة ذاتية في قصصه ورواياته وينفي أن أي من أبطاله يمثله شخصيا.
إذن كيف يقع ذلك اللبس؟
يشرح موراكامي الأمر في حوار طويل مع الأديبة مييكو كاواكامي نُشر في كتاب كامل مستقل بعنوان "البومة القرناء تغادر وكرها في المساء" الذي صدر بمناسبة صدور رواية "مقتل الكومنداتور"؛ يشرح الأمر بالقول إنه في حياته قابل مفترقات طرق عديدة، وأنه كان عليه الاختيار أكثر من مرة بين خيارين إما الذهاب يمينا أو يسارا، فيختار ما يراه ويمضي في حياته.
ويقول موراكامي إن ما يفعله في رواياته أنه يتخيل حياته لو أنه اختار في أحد المرات ما لم يختره في الواقع، كيف ستكون حياته وماذا سيفعل وهكذا. ولذا في بعض الأحيان يشبه البطل موراكامي نفسه في فترة ما حياته من حيث صفاته الشخصية أو عمله أو طريقة تفكيره ولكن الوقائع والأحداث التي يمر بها كلها من خيال موراكامي وليست سيرة ذاتية أو تسجيل لأحداث حدثت بالفعل.



الخميس، 23 أغسطس 2018

مشاكل الترجمة


في الصفحة 559 من النسخة العربية لرواية "كافكا على الشاطئ" للروائي الياباني هاروكي موراكامي ترجمة إيمان حرز الله يقول بطل الرواية:  
"هذا أيضا واحد من الأفلام القليلة التي شاهدتها في طفولتي. كنت في الصف الخامس حينها ولفت نظري عنوان الفيلم فأخذت القطار بمفردي حتى إيكيبوكورو وشاهدت الفيلم وعدت"
فتسأل نفسك ما الذي لفت نظر طفل في العاشرة من عمره يجعله يذهب من بيته لمسافة بعيدة حتى إيكيبوكورو وهي مسافة لا يسمح بها الأهل عادة للأطفال في ذلك العمر والأدهى لمشاهدة فيلم؟ خاصة وأن ما لديك من معلومات عن اسم الفيلم هو "الأربعمئة ضربة" ولا يمكن أن يكون سببا معقولا للفت انتباه طفل.
فتبحث عن الفيلم تجده فيلما فرنسيا وأن عنوانه (Les Quatre Cents Coups) وترجمته الحرفية فعلا الأربعمئة ضربة إلا أنه مصطلح يطلق بمعنى "عِش حياتك طولا وعرضا" (حتى وإن تلقيت أربعمئة ضربة) فتظن أن هذا سبب معقول للفت نظر طفل صغير، ولكنه غير كافي مئة بالمئة لكي يريح بالك.
فتبحث عن العنوان الذي عُرض به الفيلم في اليابان لأنه هو المتهم الرئيس الذي لفت نظر الطفل، فتجد أن اليابان كما تفعل عادة قد غيّرت اسم الفيلم تماما وأنه عُرض في اليابان تحت اسم "الكبار لا يفهموني" على لسان طفل.
وعندها تهدأ رغبة البحث لديك وتعرف أن ذلك العنوان هو الذي لفت انتباه الطفل وليس اسم "الأربعمئة ضربة" أو "عِش حياتك"، لأن هذه هي مشكلة البطل منذ طفولته أي عدم تفاهمه مع والده. 
وتظل المشكلة هي كيفية الموائمة بين اسم الفيلم الذي يعرفه العالم ومن ثم العرب وبين الاسم الذي تغير في اليابان واستُخدم في الرواية ليشير إلى الموضوع الأهم والأكبر في نفسية البطل منذ صغره وهي مشكلة عدم التفاهم والتواصل مع والده إلى الحد الذي يصل به إلى قتله، سواء كان قتله في الواقع أو في الخيال.



الأحد، 29 يوليو 2018

من الأرشيف: يوكيو ميشيما وأزهار الكرز*

الفتى الذي كان يكتب الشعر فصار أحد أكبر روائيي اليابان

بقلم: ميسرة عفيفي
زهرة الكرز (الساكورا) هي الزهرة المفضلة لدى اليابانيين، ولذا يعتبرها الكثيرون معلما من معالم اليابان، رغم أن وجودها لا يقتصر على اليابان فقط.
وتعتبر أشجار الكرز التي تتميز بزهرتها تلك نوعا عجيبا من الأشجار، فهي من الأشجار المعمرة التي تعيش لعدد كبير من السنين، ولكن العجيب فيها هو أن زهورها تظهر قبل أوراقها. ففي بداية الربيع تكون الزهرة هي أول ما ينبت فوق الأغصان الجافة التي قضت شتاءً طويلا عارية من الأوراق. ولكن لا تلبث تلك الزهور أن تتساقط سريعا بعد أن تصل إلى أوج تفتحها وجمالها وقبل أن تظهر أوراق الشجرة. ولا تتعدى الفترة من ظهور زهرة الكرز إلى سقوطها مدة الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع هي ذروة فصل الربيع في اليابان. وبعد سقوط الأزهار أو تقريبا في ذات الوقت تنبت الأوراق، ثم في الصيف تبدأ الثمار (في النوع المثمر منها حيث أن أشجار الكرز يزيد أنواعها على الأربعمئة نوع وأغلبها للزينة فقط غير مثمر)، وهي فاكهة الكريز في النضوج، حتى يأتي الخريف فتسقط الأوراق لتصبح أجمل الأشجار عجفاء يابسة، لا تحتوي إلا على أغصان جافة طوال فصل الشتاء ومع بداية الربيع تعيد الحياة دورتها مع أشجار الساكورا.
جمال زهرة الساكورا وتفردها ليس هو فقط ما يعشقه اليابانيون فيها. بل أحد الأشياء التي تسحر ألبابهم هي عمرها القصير، ففي خلال عدد بسيط من الأيام يتراوح ما بين العشرة أيام والعشرين يوما، تنبت زهرة الساكورا وتصل لقمة جمالها فتسعد البشر وتعطيهم أقصى ما يمكن من متعة ثم في غمضة عين تختفي.
وهذا أيضا ما يميز شيئا آخر يعشقه اليابانيون أكثر من أي شعب من شعوب العالم، ألا وهو الألعاب النارية (هانابي). ففي دول العالم المختلفة تُطلق الألعاب النارية احتفالا بشيء ما. أما في اليابان وخاصة في الصيف فتقام مهرجانات الألعاب النارية في طول البلاد وعرضها من أجل الألعاب النارية فقط ولمجرد التمتع برؤيتها. تلك القذيفة التي تنطلق إلي عنان السماء مستغرقة الكثير من الوقت والجهد والمال، لتنيرها لمدة ثوان بأشكال وألوان رائعة الجمال، ثم فجأة تختفي في لمح البصر بعد أن تحدث أثرها في قلوب عشاقها اليابانيين، الذين يجتمعون من كل’صوب وحدب في أزياء تقليدية وزينة تراثية جميلة ليتمتعوا بهذه اللحظة شديدة الجمال، كثيفة المعنى، سريعة الزوال.
هناك شيء آخر يتشابه مع الساكورا والهانابي وإن كان ربما لا يكون مثلهما في الجمال، وربما كذلك لا يحوز على حب اليابانيين وسحرهم به، ألا وهي حشرات الزيز (سْيمِي) التي تظهر في فصل الصيف في جميع أنحاء اليابان، معلنة عن انتهاء موسم الأمطار وبداية صيف حار رطب كريه عند اليابان. حشرات الزيز كذلك تمتاز بقصر حياتها لدرجة مذهلة. فرغم أن دورة حياتها الكاملة من بيضة لدودة أو يرقة ثم شرنقة أو عذراء حتى تصل إلى حشرة كاملة، طويلة للغاية يقال إنها تتراوح بين الثلاثة أعوام إلى العشرة أعوام وقد تصل أحيانا إلى العشرين عاما في بعض الحالات النادرة إلا أن حياتها بعد أن تصبح حشرة كاملة قصيرة للغاية تتراوح بين الثلاثة أيام والأسبوع تقضيها كلها في الصراخ والزعيق بصوتها الحاد المزعج الذي يكرهه أغلب اليابانيون. فتلك الحشرة في النهاية تريد أن تعلن وجودها للعالم، وتود أن تخبره بما عانته من فترة مخاض طويلة للغاية حتى تظهر فوق ظهر البسيطة، ولكن للأسف لن تستمر على قيد الحياة إلا أياما معدودة، فانتبه لي أيها العالم وانظر لي أيها الإنسان.
يعتبر يوكيو ميشيما (1925 ـ 1970) أكثر كاتب ياباني نال شهرة عالمية رغم عدم حصوله على جائزة نوبل للآداب التي تعتبر بوابة الانتشار العالمي خاصة لأدباء اللغات غير ذات الانتشار العالمي، فاللغة اليابانية لا تتحدث بها إلا دولة واحدة فقط. ويقال إن كتب ميشيما قد بِيْعَ منها أكثر من مئتي مليون نسخة في دول العالم المختلفة وبمختلف اللغات الحية، وكذلك يعتبر يوكيو ميشيما أكثر كاتب ياباني تُرجمت أعماله إلي اللغة العربية.
في حديث مرئي لإحدى القنوات التلفزيونية يتكلم ميشيما عن تسونتومو ياماموتو (1659 ـ 1719) أحد أبطاله العظام وهو محارب أو ساموراي من عصر ايْدو (1603 ـ 1878) مؤلف كتاب ’هاجاكوريه’ الذي يشرح فيه أخلاق الساموراي والذي تم إعادة استنساخه مرات عديدة أشهرها كتاب طريق المحارب ’بوشيدو’، ويبدي ذلك الساموراي استياءه من العصر الذي ولد فيه، وهو نفس ما يعنيه ميشيما، فالساموراي وكما هو معروف يتم تدريبه وتربيته تربية صارمة على قواعد القتال والنزال ولكن بشرف وفروسية وأخلاق يتميز بها عن غيره من عامة الشعب، وإذا وضع في موقف صعب وكان عليه الاختيار بين الموت والحياة فإنه يختار الموت على الفور دون تردد أو رهبة. ولكن ياماموتو ولد في عصر قد استقر فيه الوضع السياسي لأسرة توكوجاوا الحاكمة وانتهت معارك الحرب الأهلية بل وقد أعلنت حكومة توكوجاوا سياسة الانغلاق التام عن العالم، مما أعدم أي احتمال لخوض اليابان حروب مع الدول الأخرى سواء دفاعية أو هجومية، لتعيش اليابان في فترة سلام تام واسترخاء عسكري لفترة تقترب من الثلاثة قرون. يحكي ياماموتو في مؤلفاته عن معاناته تلك في عدم وجود الهدف الذي يعتبر نفسه خُلق له وهو القتال والنزال مع العدو بكل شرف وفروسية وأخلاق عالية ليكون قذيفة نور تضيء ظلام السماء ثم يختفي في التو والحال تاركا المجال لمن يأتي بعده من أبطال عظام. هكذا كان يتمنى أن يعيش وهكذا تم تنشئته. لكنه يفاجئ بعد بلوغه مرتبة الساموراي، أن عمله هو عمل إداري كموظف حكومي يسيّر شؤون الدولة من خلال الأعمال الروتينية اليومية. فيقرر في النهاية ترك مهنة الساموراي ويعتزل العالم ويتحول إلى راهب بوذي زاهد يعيش في الجبال.
ولد ميشيما في أسرة شبه أرستقراطية وتربى على يد جدته لوالده (ناتسو ناجاي) التي تعود أصولها إلى عائلة محاربين ساموراي تنتمي مباشرة إلى سلالة إيياسو توكوجاوا الحاكم العسكري القوي الذي وحد اليابان بعد حروب أهلية طويلة ومريرة وحكمها هو وعائلته من بعده لمدة تزيد على القرنين والنصف القرن. حيث عاشت اليابان تلك الفترة في حالة سلام داخلي (في فترة الحكم العسكري كان الإمبراطور موجودا في كيوتو والحاكم العسكري يخضع له روحيا ويتولى سلطاته بمباركة الإمبراطور وموافقته بشكل ظاهري فقط).
قامت ’ناتسو’ جدة ميشيما بتربيته وتنشئته على أخلاق المحاربين الساموراي، ولكنه يفاجئ مثل ياماموتو باختلاف الواقع المعاش عن المتخيل المأمول خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان واحتلالها من قبل قوات الحلفاء ممثلة بجيش الولايات المتحدة التي أنشأت مقرا لها في مواجهة قصر الإمبراطور أطلقت عليه مركز القيادة العامة حكمت من خلاله اليابان بشكل مباشر لمدة سبع سنوات كاملة من عام 1945 إلى عام 1952. وحتى بعد انتهاء مهمة مركز القيادة العامة وتقلص الجيش الأمريكي في قواعد عسكرية في أوكيناوا وغيرها من المدن البعيدة عن أعين غالبية اليابانيين، إلا أن ميشيما كان يعتقد أن وضع الاحتلال والتبعية لم يتغير وأنه يجب على اليابانيين استلهام روح الساموراي بداخلهم والقيام بما ينبغى عليهم فعله من هبة قتال وفناء كقذيفة الهانابي لتنير سماء اليابان ولو لثوان ليأتي من بعدهم من يواصل المسيرة. ولكن لا يجد ميشيما من يستمع له أو يحقق مراده.
في قصته القصيرة ’فتى يكتب الشعر’ التي كتبها ميشيما في عام 1954 وهو على مشارف الثلاثين من عمره يحكى فيها تجربته مع الشعر عندما كان في عمر الخمسة عشر ربيعا، وتعتبر تلك القصة قصة محورية في أدب ميشيما توضح بعض من أفكاره وجزء من سيرته الذاتية وسبب تحوله من شاعر إلى روائي وقاص، يتحدث ميشيما عن أبطاله العظام من الشعراء. أبطال ميشيما هم بالضرورة الشعراء الذين ماتوا في ريعان الشباب. يقول ميشيما في تلك القصة:
’كان الفتى يهتم كثيرا بحياة الشعراء القصيرة. يجب على الشاعر الحق أن يموت مبكرا. ولكن حتى لو قلنا الموت مبكرا، فالنسبة للفتى ذي الخامسة عشر ربيعا، كان الأمر لا زال بعيدا جدا، وبسبب ذلك الآمان الحسابي، ظل الفتي يفكر في الموت المبكر بمشاعر سعيدة. (.....) لقد كان الفتى يؤمن بالتوافق القدري. التوافق القدري لسير حياة الشعراء. إيمانه بذلك وإيمانه بعبقريته كانا شيئا واحدا بالنسبة للفتى.
وكان ممتعا له أن يفكر في محتوى نعي طويل يكتبه لنفسه، أو في مجده بعد الموت، ولكن عندما يفكر في جثته، تكون نهاية الأفكار سيئة نوعا ما. كان يحدث نفسه بقوة وحماس قائلا لها: ’يجب عليّ أن أحيا كالألعاب النارية. أبذل كل جهدي في تلوين سماء الليل في لحظة، ثم أختفي في الحال’.
كان يفكر في أشياء متعددة ولكنه لم يستطع تخيل طريقة للحياة غير ذلك. ولكنه كان يكره الانتحار. لذا فالتوافق القدري سيسدي له معروفا ويقتله في الوقت المناسب بشكل ملائم.’ (انتهى الاقتباس من قصة ’فتى يكتب الشعر’ ترجمة كاتب هذه السطور).
هذه هي أفكار ميشيما في فترة المراهقة عن البطولة حتى لو في مجال الشعر وظلت تلك الفكرة مسيطرة على ميشيما طوال حياته (45 عاما) التي تعتبر قصيرة نوعا ما مقارنة باليابانيين الذين يشتهرون بطول العمر، خاصة وأنه قد أنهاها بنفسه على طريقة الهاراكيري أو السيبّوكو متمتثلا فيها روح الساموراي العظماء الذي يطبقون المثل العربي الأصيل في الفروسية ’بيدي لا بيد عمرو’.
في حديث مع الأديب الياباني الصديق كيئتشيرو هيرانو وهو من أبرز الأدباء المعاصرين الذين تأثروا بشدة بأدب ميشيما ويعتبر أحد أهم أدباء اليابان حاليا، قال لي: ’إن حصول الأديب ياسوناري كاواباتا على جائزة نوبل للآداب في عام 1968 كان أحد الأسباب التي عجلت بإقدام ميشيما على’الانتحار’
فميشيما ظل مرشحا لنيل الجائزة لعدة أعوام، وكل عام كان ينتظر بفارغ الصبر إعلان الفائز بالجائزة ويُعد نفسه لعقد مؤتمر صحافي يتحدث فيه عن مشاعره بعد فوزه بتلك الجائزة العظيمة، ولكن بعد فوز كاواباتا بها، يئس ميشيما من الحصول على تلك الجائزة التي تعتبر قمة المجد في الأدب العالمي، لمعرفته باستحالة حصول أديب ياباني آخر على ذات الجائزة إلا بعد مرور سنوات وربما عقود طويلة ’وهو ما حدث بالفعل فلم يحصل أديب ياباني على جائزة نوبل إلا بعد مرور حوالى ثلاثة عقود وهو كينزابورو أويه في عام 1994). ربما يظن البعض أن ربط انتحار ميشيما بعدم حصوله على جائزة نوبل يعني أن الانتحار كان بسبب الإحباط أو اليأس من التحول إلى أديب عالمي شهير. ولكن الأمر في رأيي على العكس، فكما ذكرت قول هيرانو منذ قليل، حصول كاواباتا بجائزة نوبل ’عجّل’ فقط بانتحار ميشيما ولم يكن سببا من أسباب الانتحار نفسه، ففكرة الانتحار كانت هي الفكرة الأساسية والمحورية التي دار في فلكها ميشيما أثناء حياته كلها، وفي حديث ميشيما المتلفز الذي سبق الإشارة له، يتحدث ميشيما عن عدم تخيل حياته وقد بلغ من الكبر عتيا وأصبح عبئا على نفسه وعلى الآخرين. ربما كان ميشيما يرسم سيناريو مخالفا لنهايته يتمثل في الحصول على جائزة نوبل للآداب والتألق في سماء الأدب العالمي ليصبح اسمه على كل لسان في العالم أجمع كقيمة فكرية وأدبية عظيمة ملأت الأفاق متعة وجمالا، ثم في ذات لحظة التألق وفي ذروة الشهرة ولفت الأنظار يقوم بإنهاء حياته بنفسه، كزهرة ساكورا أنهت مهمتها في إمتاع الأبصار، وكقذيفة هانابي أضاءت سماء الكون لثوانٍ لتنطفئ بعدها على الفور.
هامش: حادث انتحار ميشيما
في 25 نوفمبر من عام 1970 توجه ميشيما مع أربعة من أعضاء جماعته ’جماعة الدرع’ بزيهم العسكري إلى مقر قوات الدفاع الذاتي اليابانية في إيتشيجايا بوسط طوكيو بعد أن أخذوا موعدا مع القائد العام للقوات، وأثناء لقائهم مع القائد العام قام ميشيما ورفاقه بأخذه كرهينة، وطالبوا بجمع كل أفراد قوات الدفاع الذاتي الموجودين في المقر ليلقي عليهم ميشيما خطابه الذي أعده لهم لكي يحثهم على الثورة والانقلاب ضد الوضع الحالي وتغيير الدستور لكي يتم إعادة كل السلطات للإمبراطور ولكي تعود قوات الدفاع إلى ما كانت عليه من جيش قوي يحمي البلاد. ولكن لم يستطع ميشيما خلال عشرين دقيقة تقريبا من حديثه لهم من فوق شرفة غرفة القائد العام إقناع الجنود بأي شيء وسط تذمرهم وشوشرتهم على حديثه وعدم سماعهم لما يقوله بسبب عدم استخدامه مكبرا للصوت ووجود طائرات هيلوكوبتر تابعة لوسائل الإعلام تحوم فوق المكان. يئس ميشيما من الجنود فعاد إلى غرفة القائد العام لينهي حياته بنفسه بطريقة الهاراكيري المقدسة ببقر بطنه بخنجر صغير وليطير مساعده المخلص رأسه من على جسده في ذات اللحظة

* نُشرت في جريدة القدس العربي بتاريخ 28 مارس 2013م

الثلاثاء، 10 يوليو 2018

فاوست العربي في اليابان


فاوست العربي في اليابان
ميسرة عفيفي

من الحوادث العجيبة التي حدثت لي في اليابان.
كنتُ أعمل منسق برامج في إحدى المؤسسات الحكومية اليابانية التي تستضيف وفودا من دول العالم للاطلاع على التجربة اليابانية في مختلف المجالات. بالطبع كنتُ أعمل في تنسيق ومرافقة الوفود العربية فقط.
وفي أحد الأعوام (تقريبا عام 2003 على ما أتذكر) انتشر في العالم مرض غريب غير واضح المعالم يسبب ارتفاعا في درجة الحرارة وقد اُصطلح وقتها على تسميته حُمّى السارس. وكان من دواعي الوقاية التي اتبعتها المؤسسة أن يتم قياس درجة حرارة كل ضيف في اليوم الأول من بداية الزيارة أثناء المقدمة التعريفية، لكي يتم التعامل سريعا مع أية حالة اشتباه في الإصابة بحمى السارس في وقتها. لم تحدث طوال عملي والحمد لله أية حالة اشتباه من أي نوع. ولكن حدث ما يلي أثناء عملي مع وفد من إحدى الدول العربية وبه ما يزيد قليلا عن عشرة أفراد.
وهو أن جميع الضيوف كانت درجات حرارتهم طبيعية ولا مشكلة فيها. ولكن قابل فرد واحد فقط، في الخمسينات من العمر، مشكلة عكسية. فمن المعروف أن درجة حرارة الإنسان الطبيعية تدور حول رقم 37 درجة مئوية. في اليابان تقل قليلا حيث يعدون الدرجة الطبيعية أقل قليلا من 37 درجة مئوية تقريبا 36.5 أو 36.6 درجة مئوية مثلا. ولكن ذلك الرجل كانت درجة حرارته أقل من الطبيعي بشكل كبير، إذ أنها كانت في حدود 33 أو 34 درجة مئوية، ومهما أعادنا القياس وغيرنا جهاز القياس كانت النتيجة لا تتغير (كانت هناك خمسة أو ستة أجهزة قياس كلها تعمل جيدا وقاست درجات حرارة باقي الوفد بلا مشاكل). انزعجت الممرضة التي تقيس وهمست لي سرا إن هذا الرجل ميت، في حين كان يضحك هو وزملائه من النتيجة، وكلما زاد هو من مزاحه نزداد أنا وزملائي اليابانيون قلقا وريبا من هدوئه. في النهاية انتهى القياس دون أن نصل إلى معرفة سبب هذه المعضلة، وحيث أن الغرض من القياس كان استكشاف من لديه اشتباه في الحمى، فلم تكن هناك مشكلة من أن تكون درجة الحرارة منخفضة. وسُجّلت الدرجة كما هي، ومر الأمر بسلام، خاصة وأن الرجل أمامنا في كامل صحته يضحك ويمزح وليس به أي ما يسبب القلق.
وكنتُ أثناء الزيارة التي استمرت حوالي ثلاثة أسابيع، أبدي اهتماما زائدا بذلك الرجل مخافة أن يكون بصحته شيء ما خفي عليه وعلينا، ولكنني اكتشفت أمرا آخرا لا علاقة له بصحة الرجل.
كان ذلك الوفد مرسلا من حكومة تلك الدولة لبحث موضوع متعلق بأحد مشاريع البنية التحتية، وكان من ضمن الوفد وكيل وزارة يحمل درجة الدكتوراه هو رئيس الوفد. ولكني اكتشفت أن الرجل الخمسيني إياه هو رئيس الوفد الفعلي وهو الذي يصدر القرارات وهو الذي يتحدث باسم الحكومة عندما يكون هناك حاجة لذلك، أي أنه كان رئيس الوفد الخفي رغم أن منصبه الرسمي الذي جاء به وخبرته وعلمه أقل كثيرا ممن معه من أعضاء الوفد وخاصة الأستاذ الدكتور رئيس الوفد. إلا أن رئيس الوفد نفسه كان متفهما للموقف وكان يترك لصاحبنا القرار والحديث كما يحلو له دون اعتراض ظاهر.
ثم عرفت السبب أن صاحبنا ذلك هو عضو قيادي في الحزب الحاكم لتلك الدولة، وأن منصبه الحزبي وإن – كنت لا أعلم منصبه الحزبي هذا معرفة دقيقة – كان هو الذي يخوّل له تلك السلطات التي كانت أعلى بكثير من قدراته وخبراته وعلمه. وكان من الممكن أن يتسبب في كوراث كثيرة لجعله هو صاحب القرار رغم وجود من هو أفضل منه خبرة وعلما.
لا أدري لماذا تخيلت أن هؤلاء الذين يسيطرون على مقدرات الشعوب بجهلهم وتخلفهم، بحجة واحدة فقط هي أنهم أصحاب الثقة، هم في الواقع من الموتى الذين عقد معهم الشيطان عقدا يعطيهم به سلطة الحكم والقرار ويسلب منهم حرارة القلب ودفء المشاعر والروح، وإننا لو قسنا درجات حرارة هؤلاء بجهاز قياس حرارة "ياباني" لأوضح لنا أنهم باردون، ميتون، ليس لهم قلب ولا مشاعر.