بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 أبريل 2020

المثقف المغترب


جزء من فصل باسم إدوارد سعيد
من كتاب بصمة الإنسان
للناقد البلغاري تزفيتان تودوروف
ترجمة نجلاء أبو النضر

إنه ابتداء من هذه الهامشية المطلوبة تنبع عند إدوارد سعيد الصلة التي تجمع بين المثقفين والمنفيين. لكن هناك عامل أساسي ممكن أن يجعل إحساس المنفى مختلفاً من شخص لآخر وقد وصفته في كتابي الذي ظهر في عام 1966 بعنوان "المغترب". فلكي تكون هذه التجربة خصبة، يجب أن تكون هناك بعض الظروف المواتية مثل: أن يكون الشخص قد رحل عن بلده بمحض إرادته وليس رغماً عنه، أن يكون قد حقق نجاحاً معقولاً في الاندماج في البلد الذي ذهب إليه وأن يكون متحدثاً بلغة البلد ولديه عمل بها ومشاركاً في الحياة الاجتماعية.
إن "المغترب" الذي يبرز من هذه التجربة ليس دائماً ساكناً أصلياً مضافاً إلى السكان الأصليين: فهو لا يتخلى كلية عن هويته السابقة لكنه يشارك في نفس الوقت في إطارين من المرجعيات، دون أن يتطابق تماماً مع أي منهما. هذا الشخص ينظر إلى كل ثقافة من الثقافتين من الداخل والخارج في آنٍ واحد، مما يسمح له بعدم الانخداع بآلياتها ويتفحصها بنظرة نقدية. فهو لا ينطلي عليه الألفاظ ولا العادات. فالبلدان بالنسبة له ليسا على نفس المستوى: وإنما يكون بينهما تسلسل بنَّاء تراتبي معقد، بعض الإيماءات ممكنة في ثقافة ما لكنها غير ذلك في ثقافة أخرى، بعض الكلمات ممكن أن تتم ترجمتها والبعض الآخر لا. إن المنفي يعيش دائماً خارج المكان، وعلى الجانب الآخر، فهو شخص مهمش – لكنه يتمسك بهذا النقص باعتباره ميزة. هذا الشعور بالغربة الذي يجتاح الشخص من الممكن أن يؤثر بدوره على الذين يحتكون به ويسمح لهم كذلك بالنظر إلى عادتهم الخاصة بعين جديدة وأن يكتشفوا ثقافة جديدة في حين أنهم كانوا يعتقدون أنهم يسايرون الطبيعة.
إن الانتقال من بلد إلى آخر، هو اليوم تجربة شديدة الانتشار، وليست الشكل الوحيد للغربة: فهم يحملون أكثر من هوية، نستطيع أن نعيش ذلك عند الانتقال من إقليم إلى آخر أو تغيير مكان أو مهنة أو نظم القيم؛ ببساطة، المنفى هو الشكل الرمزي لكل هذه "التغييرات الثقافية". إذا كان بإمكاننا أن نقوم بتعريف المثقف بالشخص المستعد لطرح الأسئلة على الأنواع المختلفة التي قامت بتشكيل حياته الشخصية، إذن فنستطيع أن نقول عنه إنه بطريقة أو بأخرى هو المنفي داخل ظروف وطنه.

ليست هناك تعليقات: