بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 مايو 2013

حرب مع البلدية المجاورة


حرب مع البلدية المجاورة
بقلم: ميسرة عفيفي
فجأة وبدون أية مقدمات تنشب حرب شرسة بين مدينتين متجاورتين في أحد أقاليم اليابان. هذا هو محتوى الرواية التي حازت على جائزة العمل الأول لمجلة سوبارو الأدبية في دورتها السابعة عشر لعام 2004. المؤلف أكي ميساكي وُلد عام 1970 في مدينة فوكوأوكا بأقصى جنوب اليابان، تخرج من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة كوماموتو. وكما ذكرنا هذا هو العمل الروائي الأول له.
تقع الرواية في 196 صفحة وصدرت الطبعة الأولى لها في يناير 2005. (في اليابان غالباً ما يُنشر العمل على شكل حلقات في إحدى المجلات الأدبية أو الجرائد ثم يُطبع في كتاب بعد ذلك، وفي حالة العمل الأول يشترك العمل في مسابقة تسمى مسابقة العمل الأول، وإذا حصل على إحدى الجوائز تصبح الجائزة هي جواز المرور للنشر.)
يعلم كيتاهارا الذي يعمل موظفاً في شركة بنشوب الحرب بين المدينة التي يسكن فيها والتي اختارها للسكن، فقط لقربها من محل عمله، وبين جارتها بطريق الصدفة وبشكل غريب، إذ يقرأ إعلاناً في النشرة الإعلامية النصف شهرية التي تصدرها بلدية المدينة يقول إن حرباً ستنشب بين هذه المدينة والمدينة المجاورة. وعلى الطريقة اليابانية مكتوب موعد محدد باليوم والساعة لبدء الحرب وكذلك نهايتها المتوقعة. لا يهتم كيتاهارا بالموضوع كثيراً، بل إنه وحتى بعد الموعد المحدد لبداية الحرب لا يرى ولا يحس بأن هناك أية حرب دائرة بين المدينتين، خاصة أنه يخترق المدينة المجاورة بسيارته يومياً في ذهابه وإيابه من العمل. إلا أنه يكتشف من خلال النشرة الإعلامية أن الحرب فعلاً دائرة وعدد ضحاياها من مدينته فقط وصل إلى 12 فرد قُتلوا في العشرة أيام الأولى للحرب.
ثم يفاجأ كيتاهارا بخطاب من البلدية يطلب منه أن يعمل مراسلاً للمعلومات لصالح مدينته. يحاول أن يتهرب من قبول هذه المهمة إلا أنه في النهاية يقبل عندما يجد أن الموضوع لا يزيد عن إخبار البلدية بما يشاهده أثناء مروره بالمدينة المجاورة عند ذهابه وإيابه من عمله. لكنه يُفاجأ عندما يقرأ النشرة الإعلامية التالية أن عدد القتلى من مدينته وصل إلى 53 قتيل في الأسبوعين الآخيرين.
أين تدور هذه الحرب؟ وكيف لا يشعر بها ولا يرى لها أثراً في حياته اليومية؟ وهل المعلومات التافه التي يرسلها إلى البلدية تتسبب في قتل أحد؟! موظفة البلدية المسئولة عن الاتصال به أبلغته أنهم في البلدية يشكرونه على ما يقدمه من معلومات. بل أنه لا يعرف ولا يمكن أن يفهم السبب وراء قيام الحرب أصلاً. يكاد كيتاهارا أن يجن.
في أحد الأيام يأتي تليفون في منتصف الليل من كوساي الموظفة المسئولة في البلدية لتقول له إن البلدية قررت إرساله في مهمة استطلاعية لأرض العدو. أرض العدو هذه يُراد بها المدينة المجاورة التي لا تبعد سوى دقائق بالسيارة. وتأخذ العملية الاستطلاعية هذه شكل الزواج الشكلي من كوساي الموظفة بالبلدية والانتقال إلى عش الزوجية في المدينة المجاورة. حتى بعد الانتقال للمدينة المجاورة لا يرى كيتاهارا أي أثر للمعارك أو القتال. المدينتان وسكانهما في حالة طبيعية جداً.
لكن في وقت متأخر من ليل أحد الأيام يأتيه تليفون من زوجته التي لا زالت في عملها تخبره أنه جاءتهم معلومات تفيد حدوث تفتيش على المنزل من قبل أجهزة عسكرية تابعة للعدو تحت مسمى إجراء استبيان لحالة المواطنين، وتطلب منه سرعة الهروب من المكان حاملاً معه كل الملفات والوثائق السرية التي توجد في غرفتها.
لأول مرة يشعر كيتاهارا بطعم الحرب ويقضي ليلة هي الأولى والأخيرة التي يمكن أن يتذوق فيها الإحساس بخوض حرب فعلية وليس من خلال الكلام فقط. تظل كوساي على اتصال به من خلال التليفون الجوال لتعطيه تعليمات تساعده في الهرب من المدينة المجاورة إلى مدينته حيث توجد هي. وبالفعل ينجح كيتاهارا في الوصول إلى حدود مدينته بعد أن حصل على مساعدة أفراد من المدينة الأخرى يعملون كجواسيس لصالح مدينته. ومن هذه الحدود تأتي سيارة فارهة تقودها كوساي وبها كبار موظفي البلدية تنقله إلى مقر البلدية. ومع وصوله إلى البلدية تشرق الشمس لتعلن بداية يوم جديد فيذهب إلى عمله ثم يعود منه إلى الشقة التي هرب منها في الليل ليمارس حياته كما هي قبل التفتيش لكن بعد أن أخلى المكان من أي وثيقة يمكن بها محاسبته. لكن هذه الليلة التي شعر فيها كيتاهارا بطعم الحرب، لم تكن كما توقعها. أي نعم لقد ظل طوال الليل هارباً من شيء ما لكنه لم يشاهد هذا الشيء فعلياً كل ما هنالك أن كوساي على الطرف الآخر من الهاتف تسأله عن ما يشاهده فيقول لها مثلاً أنه يرى من بعد أنواراً داخل النفق المؤدي إلى مدينتهما فتطالبه بالهرب السريع لأن هذا يعني أن داخل النفق حملة تفتيشية من الجهة العسكرية المسئولة في المدينة المجاورة. لم يرى كيتاهارا على أرض الواقع أي شيء يمكن أن يشير إلى وقوع قتال في أي مكان مر به. ولم يسمع حتى أي صوت يمكن اعتباره صادراً عن معارك. حس كيتاهارا لذلك بخيبة أمل دفينة في داخله.
كما بدأت الحرب فجأة تنتهي فجأة من خلال تليفون من كوساي تخبره فيه أن الحرب قد انتهت وبالتالي انتهت مهمته الاستطلاعية في أرض العدو ويمكنه بعد الانتهاء من الإجراءات أن يعود إلى بيته الأصلي.
وفي الموعد المحدد وهو الحادي والثلاثون من مارس تنطلق ضربات المدفع من مقر البلدية لتعلن انتهاء الحرب بشكل رسمي. يقول كيتاهارا في نفسه أن أول مرة يسمع فيها صوت إطلاق النيران هي التي تعلن نهاية الحرب.
رواية غريبة الشكل غريبة الفكرة. الحديث عن الحرب في اليابان ينحصر في الكلام عن الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة اليابان واحتلالها بواسطة جيش الحلفاء وإقرارها لدستور سلمي يتخلى عن اللجوء إلى الحرب كوسيلة لحل النزاعات ويرفض امتلاك الدولة لجيش.
أما أن تعود الحرب بهذا الشكل الإقليمي بين مدينة وجارتها فهو ما يدخل ضمن تصنيف الخيال العلمي. لكن الرواية غارقة في الواقعية باستثناء الفكرة كل التفاصيل فيها تُبنى على أرض الواقع الحالي لليابان.
من وجهة نظري الشخصية الرواية تريد أن تناقش نقطتين رئيسيتين، الأولى هي استسلام الشعب الياباني التام للبيروقراطية ولأوامر طبقة التكنوقراط التي تقرر كل شيء في حياة الشعب دون أن يعترض أحد، حتى لو قررت الحرب على الجيران. فحتي بطل الرواية الذي يرفض نظرياً قبول منطق الحرب نجده يستسلم للأمر الواقع ويشارك فيها أسوء أنواع المشاركة. مواطني المدينة عندما يحضرون اجتماع لشرح أسباب انتشار الحرب وتداعياتها على حياتهم لا يصدر منهم صوت يتسائل عن سبب وجدوى الحرب وهل لم يكن هناك سبيل غيرها. بل نجدهم على العهد بهم يسألوا عن ساعات القتال التي قرر أن تكون من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً وهل يمكن تفادي موعد عودة التلاميذ من مدارسهم أم لا. أو من يستفسر عن التعويضات لمن يتضرر من الحرب كأن يكسر زجاج النافذة أو أشياء من هذا القبيل. شئ لا يصدقه عقل ولكن بالفعل هذا هو الحال إذا ما قررت البلدية أن تنفذ مشروعاً ما في داخل نطاق المدينة كأن تبني جسراً أو تسوي طريقاً. لكن هل فعلاً سيصل الأمر إلى التعامل مع الحرب بذات المنطق؟
النقطة الثانية التي يريد المؤلف عرضها هي قضية الحرب ذاتها. بتصغير حالة الحرب إلى حجم مصغر لها بين مدينتين صغيرتين يتضح عبثية الحرب ولا معقوليتها. وإنها أولاً وأخيراً تتم بناء على رغبة فئة محدودة هي المستفيدة من قيام الحرب. ولكن من أجل إعطاء شرعية لهذا العمل الإجرامي تبذل هذه الفئة، وهي هنا طبقة التكنوقراط كل ما في وسعها لتضليل الناس وإشعارهم أن هذه الحرب ضرورية لهم للحفاظ على الرفاهية التي هم عليها الآن. وأن بذل النفوس في سبيل ذلك شئ لا مفر منه. بل أنهم يقدمون الحرب كمشروع استثماري سيجلب الخير والرخاء للناس.
لا زالت الرواية تثير العديد من النقاش والإعجاب في اليابان. واحتلت بعد صدورها في كتاب مرتبة عالية في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الأسواق.

شون مْدوروما و"قطرات الماء"


شون مْدوروما و"قطرات الماء"

بقلم : ميسرة عفيفي

شون مْدوروما روائي من محافظة أوكيناوا، التي تتكون من عدة جزر في أقصى جنوب غرب الأرخبيل الياباني، على مقربة من تايوان.
كانت أوكيناوا في الماضي مملكة مستقلة بذاتها تُسمى "مملكة ريووكيو" لها ثقافتها الخاصة ولغتها الخاصة التي مازالت آثارها موجودة في اللغة المحلية لسكان أوكيناوا.
وُلد شون مْدوروما في عام 1960 وتخرج من كلية الآداب و القانون بجامعة ريووكيو بأوكيناوا. عمل بعد تخرجه في عدة وظائف مثل فرد أمن لحراسة المباني ومعلم في فصول التقوية الأهلية، وحتي الآن لا يزال يعمل كمعلم مع عمله في كتابة القصص.   حصل عام 1983 على جائزة ريووكيو شين بو للقصة القصيرة في دورتها الحادية عشر عن قصته "حكاية سرب الأسماك". وحصل في عام 1986على أوكيناوا الجديدة للآداب في دورتها الثانية عشر عن مجموعته القصصية "مشياً في شارع السلام".  في عام 1997 حصل على جائزة الأدب بمهرجان كيووشيوو للفنون في دورته السابعة والعشرين عن قصة "قطرات الماء" ثم بعد ذلك على جائزة "أكوتاغاواشو" العريقة عن نفس القصة ليصبح رابع كاتب من أوكيناوا يحصل على هذه الجائزة. يُصنّف  شون مْدوروما على أنه كاتب معارض للنظام وفي مجموعته القصصية "مشياً في شارع السلام" يهاجم الإمبراطور والنظام الإمبراطوري بطريقة غير مباشرة. أغلب إنتاجه عبارة عن مجموعات قصص قصيرة لكنه يكتب في الجرائد والمجلات المحلية (خاصة في أوكيناوا) عدد كبير من الأعمدة والمقالات النقدية والأدبية *.

تدور أحداث قصة "قطرات الماء" في أحدى قرى أوكيناوا عن زوجين عجوزين يعملان في الزراعة وليس لهما أولاد، تبدأ القصة بسقوط الزوج فجأة طريح الفراش بسبب مرض غريب لا يُعرف له اسم ولا سبب. فقد تورمت قدمه اليمنى من أسفل الركبة ليصبح حجمها  أكبر من الفخذ مع ارتفاع درجة حرارتها وتحول لون البشرة إلى اللون الأخضر الفاتح. ثم بدأ يتساقط من بين الأصابع سائل يشبه قطرات الماء. أصبح الزوج واسمه توكوشو طريح الفراش لا يستطيع الحركة أو الكلام لكن رغم ذلك لم يفقد الوعي. بدأ ينتشر في القرية خبر توكوشو وقدمه فأقبل الناس بدافع الفضول يأتون لزيارته أو بالأحرى لمشاهدة هذه القدم العجيبة.
بعد أيام بدأ توكوشو يلاحظ في الجزء الأخير من الليل قدوم شباب في عمر الزهور يلبسون ملابس عسكرية قديمة. يقفون في طابور طويل وهم يتلهفوا على شرب قطرات الماء التي تنزل من قدم توكوشو وأغلبهم مصاب بإصابات خطيرة أو قاتلة.
يبدأ توكوشو في التعرف عليهم  واحداً بعد الآخر. إنهم زملاءه الجنود الذين كانوا محاصرين معه في أحد الكهوف أثناء الحرب العالمية الثانية حيث انقطع عنهم الماء والطعام.

تتفق "أوشي" زوجة توكوشو مع أحد أقرباءها على أن يرعى زوجها المريض أثناء غيابها للعمل في الحقل. وبطريق الصدفة يكتشف هذا القريب أن الماء الذي يخرج من قدم توكوشو له فوائد عدة مثل علاج الصلع والعنة وزيادة القوة الجسمانية. فيبدأ في تعبأته في زجاجات وبيعه على أنه الماء المعجزة ويكّون ثروة طائلة من ذلك.

أما توكوشو فيبدأ في استرجاع ذكرياته عن الحرب وخاصة الأجزاء التي حاول طيلة عمره أن يمحيها من ذاكرته ولم يخبر بها أحداً حتى الأقربين.
حيث أنه أثناء الحصار في الكهف خان زملاءه أو بالأحرى فضل نفسه عليهم عندما شرب آخر كمية ماء موجودة رغم أنه لم يكن أحوج الناس إليها وخرج من الكهف واعداً الباقين بالحصول على الماء وجلبه لهم، لكنه عندما وجد أول فرصة للهرب بحياته لجأ اليها ناسياً الجرحى والمصابين الذين كانوا ينتظرونه في الكهف متلهفين على قطرة ماء.

عندما يسترجع توكوشو ذكرياته ويقر بفعلته المخزية ويعترف بأنه أخطأ في حق زملاءه، بل ويعتذر لهم ويطلب منهم السماح، هنا يكف الجنود عن المجئ ليلاً، وتكف قطرات الماء عن تساقطها من قدمه ويتعافي توكوشو ويذهب تورم قدمه كأنه لم يكن.
في ذات اللحظة يتوقف مفعول الماء المعجزة بل وتصبح حالة من تناوله أسوأ عن ذي قبل ويطارد المشترون من باعه لهم على أنه نصاب ويحيلون بينه وبين ثروته الحرام.

تُظِهر هذه القصة وجهة نظر كاتبها في الحرب التي لم يعاصرها والتي وُلد بعد 15 عاماً من نهايتها. يرى أن الأمراض التي يعاني منها المجتمع سببها عدم الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت أثناء الحرب وأن هناك من يتاجر بهذه الأمراض أو بأعراضها ويحقق ثروات هائلة في الخفاء (وأحياناً في العلن). ويرى أن العودة إلى الأصل ومعالجة الأخطاء السابقة ربما ستحل الكثير من المشاكل القائمة التي هي مجرد أعراض أو استغلال لهذه الأعراض من جانب عديمي الضمير.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المرجع : مقالة لـ إيجي كايانو باللغة اليابانية على الإنترنت

ناتسوهيكو كيوغوكو وأحلام العِظام المجذوبة


أحلام العِظام المجذوبة

 

بقلم :   ميسرة عفيفي

 "ناتسوهيكو كيوغوكو" روائي ياباني في الخمسين من عمره، حصل عام 2004على أكبر جائزة يابانية في الأدب هي جائزة "ناوكي شو" عن آخر رواية كتبها وقتها وهي جزء من سلسلة طويلة اسم السلسلة "الحكايات المئة". ولم تنتهي بعد هذه السلسلة.

يكتب كيوغوكو رواياته في قالب غامض تحيط به الإثارة والتشويق، لكنها ليس من نوع الروايات البوليسية التي تهدف إلى التسلية فقط. في رواياته يمتزج الماضي بالحاضر، الحوادث التاريخية بالأحداث الجارية، الفسلفة بعلم النفس، الإثارة بالرعب الممنطق. أغلب رواياته ذات حجم ضخم يجهد المرء في مجرد قراءتها لإحتواءها علي كمية لابأس بها من المصطلحات والكلمات الغريبة وأيضاً الكلمات المهجورة في اللغة اليابانية.

لا أدري إن كان قد تَرجمت أعماله إلي لغات أجنبية أم لا. لكن أدعو المهتمين بآداب الشرق الأقصى الانتباه إلى هذه الشخصية التي أتوقع أن تبزغ في سماء الأدب العالمي. بل لا أظن أن جائزة نوبل عصية عليه إذا تمت ترجمة أعماله بشكل جيد إلى اللغات الحية.

رواية "أحلام العظام المجذوبة" سِفر بالغ الضخمة في أدب الروايات البوليسية تفوق فيه "كيوغوكو" على ما سبقوه في هذا المجال، ووصل آعالي شاهقة في الحبكة الدرامية التي ليس بها أي ثغرة أو افتعال. ويصل بقارئه إلى الاقتناع بكل ما مر عليه من أحداث في غاية الغرابة، والتي تبدو للوهلة الأولى تقع في نطاق اللامعقول أو الخيال العلمي، لكن كاتبنا يقول أنه لا يؤمن باللامعقول.

تقع أحداث الرواية في منتصف القرن الماضي بعد مرور سنوات قليلة على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. لكنها تغوص في أعماق الماضي ثم تعود إلى الحاضر، وبما أن عنوان الرواية عن الأحلام فلم يترك الكاتب أي رأي قيل في تفسير الأحلام لعلماء النفس ولم يذكره.

تقع الرواية في حوالي الألف صفحة من القطع المتوسط. وتتعدد فيها الشخصيات بشكل هائل، وتتنوع فيها الأحداث، ولكن رغم ذلك تجبرك على الاستمرار معها لمعرفة تفسير ما جرى ويجري من أحداثها الغامضة بل واللامعقولة.

إلا أن المفاجأة هي أن لكل حادثة تفسيرها المنطقي الذي يكشفه لنا بطل الرواية بائع الكتب القديمة الذي يلجأ إليه أكبر المحققين وأعتى العقول ليفسر لهم الأسرار التي تحيط بالجريمة أو على الأصح جرائم القتل التي لا تنتهي، والغريب أن الضحية شخص واحد، ما يلبث ان يُقتل حتى تعود إليه الروح ليقتل من جديد. وعلى يد من؟ إنها زوجته السابقة. التي قتلته في المرة الأولى لتتخلص من عار هروبه من الاستدعاء إلى ساحة الشرف.

في الصفحات الأربع الأولى من هذه الرواية يكتب "ناتسوهيكو كيوغوكو" على لسان الزوجة النص التالي :

 

أكره صوت البحر.

من الأفق البعيد، من مكان بعيد يبعث على اليأس من بلوغه، يأتي متتابعاً في هدوء مريب. صوت مدمدم ذو لهجة تهديدية صاعقة. أين مصدره بالتحديد؟ صوت ماذا؟ ما الذي يصيح؟ هل هو صوت الماء؟ أم على العكس صوت الريح؟ أم هو صوت شيء ما آخر سواهما. إنه يسبب الإحساس بالإتساع اللانهائي والعمق الفارغ من المعنى، ولاغير.

ولايسمح بأي إحساس بالاطمئنان.

أصلاً، أنا أكره البحر.

أنا الذي تربيت في مكان لا يوجد به بحر، عندما رأيت هذا الشيء لأول مرة انحصر تفكيري في شيء واحد، من أين إلى أين يسمى بالبحر. هل البحر هو الماء؟ أم هو أرض القاع أسفل الماء؟

أولاً هذا غير واضح تماماً. سطح الأرض التي تغوص بالماء هل هي فعلاً البحر؟

إذا كان الأمر كذلك، فماذا تكون هذه الأمواج العاتية التي تثير الإحساس بالضغينة؟

الموج أيضاً، التفكير فيه يدعو إلى الاستياء. يتتابع من الأفق البعيد متماوجاً ثم يرحل عائداً إلى حال سبيله. عندما أتذكر أنه في هذه اللحظة يتتابع ويتكرر بلا انقطاع وبنفس الشكل على سواحل بحار العالم أجمع، أكاد أن أُصيب بالجنون. معنى ذلك أن البحر ينتفخ بلا هوادة موسعاً لحدوده أو مضيقاً لها.

أصلاً، ساحل البحر إن كان رملاً او حتى صخراً، فهو بلا أي شبهة خطأ  أرض قارية. لا توجد أي علامة لتحدد لنا  من أين يبدأ البحر.

وإذا سألنا، من ماذا يتكون ماء البحر؟ في الأصل إنه في منتهاه ماء رائق شفاف. فقط مجرد أن الماء تجمّع في أرضٍ منخفضة. شيء لا غرابة فيه على الإطلاق.

ومع ذلك، الماء الذي من المفترض أنه شفاف ورائق، في غفلة من الزمن يكوّن لون البحر الأزرق الذي يثير الخوف، ثم يبدأ في الإعراب عن وجوده الطاغي.

في اعتقادي أن هذه هي القوة البلهاء للكم. إنه حتى مجرد الوجود الشفاف، الخائب إذا تجمع بشكل كهذا، يبدأ في التعبير عن النفس الطاغية. البحر إن كان صغيراً لا يعتبر بحراً. يصبح مجرد ماء. إذاً هذه الكميات المهولة من الماء هي التي تجعل من البحر بحراً.

يا له من تعبير غبي.

أيضاً، لم يصل تفكيري إلى أنه توجد بحار عميقة إلى حد لا تستطيع قامتي الوقوف فيها. لا ليست مسألة قامتي فقط. أن مجرد التلميح إلى أنه توجد بحار يصل عمقها إلى أضعاف، بل آلاف الأضعاف من طول قامتي لم أكن أعتبره إلا مجرد قدح من الخيال تخطى حدود المعقول. ولكنها الحقيقة.

لا يوجد أي شيء أسفل القدم. رعب السقوط دون أن يكون هناك شيءٌ ما يستقبلك. هل هناك ما هو أكثر رعباً من ذلك.

إن السقوط من مكان عالٍ يختلف تمام الاختلاف. مهما بلغ ارتفاع مكان السقوط الشيء الأكيد أن الأرض في انتظارك.

ولكن البحر يختلف. إذ ربما لا يوجد للسقوط نهاية.

يقولون أن أعماق البحار لا يصلها شعاع الشمس.

الماء الذي يفترض أنه شفاف، لماذا يصبح حاجباً حتى لأشعة الشمس. شئ يستحيل عليَّ فهمه.

بمعنى أن الكميات الهائلة وقدرتها على التعبير عن ذاتها، تبتلع حتى أشعة الشمس.

شئ يثير الضجر.

لا يوجد شاطئ على الجانب الآخر علاوة على ذلك لا يوجد قاع.

أنا أكره البحر،.....أخافه.

 

 

 

السبت، 18 مايو 2013

"مفاكهة الخلان في رحلة اليابان"


قراءة في كتاب
"مفاكهة الخلان في رحلة اليابان"

بقلم : ميسرة عفيفي

صدر كتاب "مفاكهة الخلان في رحلة اليابان" للكاتب والروائي يوسف القعيد عن دار الشروق بالقاهرة للمرة الأولى عام 2001. ويقع في 317 صفحة من القطع الكبير.
يحكي فيه الكاتب عن رحلته في بلاد الشمس المشرقة مدعواً من قِبَل الحكومة اليابانية ممثلة في مؤسسة تدعى "مؤسسة اليابان" هي الذراع الثقافي لوزارة الخارجية كما يقول الكاتب في الصفحة الثامنة من الكتاب في المقدمة التي أراد لها اسم "المصافحة الأولى". فترة الزيارة هي أسبوعان اثنان فقط لاغير. أقول ذلك لأن أول انطباع أخذته من الكتاب هو قدرة الكاتب على كتابة اثنين وثلاثين فصلاً إضافةً إلى المقدمة والخاتمة في ما إجماله 317 صفحة من القطع الكبير كما ذكرنا، عن بلد لم يقم فيها إلا 14 يوماً بالتمام والكمال بعد خصم يومي السفر ذهاباً وإياباً. لكن لن نندهش إذا علمنا أنه وصل إلى طوكيو وبدأ الكلام عنها في الفصل الرابع الذي يبدأ من الصفحة رقم 60 من الكتاب. أي أن الأستاذ يوسف القعيد استهلك 60 صفحة كاملة لكي يحكي لنا عن الظروف والملابسات التي أدت إلى السفر إلى اليابان ثم عن الطريق من القاهرة إلى طوكيو.
 ما علينا نعود إلى الكتاب الذي يصنف ضمن كتب الرحلات، وكتب الرحلات من الكتب ذات الأهمية الكبرى في أصناف الكتابة الأدبية. وأرى أن أي منها له أهداف عديدة يريد الكاتب أن يحققها من تسجيل تجربته في كتاب. لعل أهم هذه الأهداف هي  أولاً تعريف جانب عريض من القراء بمكان لم تتح لهم فرصة زيارته وذلك بإعطاءهم كمية كبيرة من المعلومات والانطباعات عن البلد محور الزيارة أو الرحلة. وتكون هذه المعلومات في شكل شيق وجذاب لكي يسهل استيعابها من القارئ. أمّا القارئ الذي يقتني كتاباً يحكي عن رحلة لبلدٍ ما فله أيضاً أهدافه التي يبغي تحقيقها من قراءة الكتاب، مثل الحصول على معلومات وحكايات أو انطباعات عن بلدٍ لم تتح له الفرصة لزيارتها وربما لن يستطيع زيارته مستقبلاً. وهناك من يقرأ الكتاب لأنه على موعد لزيارة هذا البلد في المستقبل القريب ويريد معرفة معلومات أكيدة عنه، ومعرفة تجارب من سبقوه إلى الزيارة. وهناك من زار هذا البلد من قبل بالفعل ويريد من قراءة الكتاب استرجاع ذكريات سعيدة قضاها فيه. هذا غير المتخصص الذي يحاول قراءة كل ما يستطيع في مجال تخصصه. هذه بالطبع بعض الأهداف وهناك الكثير والكثير الذي يقال في هذا المجال.
الكاتب يوسف القعيد لخص هدفه من هذا الكاتب في مقدمته قائلاً:
" ... وهكذا كان هذا الكتاب الخارج من رحم الصدمة، وأملى الوحيد أن يُحدث للقارئ نفس هذه الصدمة، وفى هذه الحالة فقط، أكون قد حققت بعض ما أهدف إليه."
لقد أحدث هذا الكتاب لي صدمة، لكنها ليست الصدمة التي أرادها كاتبه. يمكنني القول إنها صدمة عكسية تماماً. فالكتاب يحتوي على كمية هائلة من المعلومات الخاطئة التي لو كلّف الكاتب نفسه التأكد منها لكان الكتاب من أفضل الكتب التي كُتبت عن اليابان باللغة العربية خاصة وأن الكاتب، لكونه روائي، يمتاز برشاقة الأسلوب وبلاغة التعبير. وربما يكون هذا هو الفارق بين الروائي الباحث عن الجمال وبين العالِم الباحث عن التدقيق في كل ما يقول أو يكتب، فيحاول التأكد من كل معلومة يذكرها ويوثقها إن استطاع من مصدرها الأصلي.
سبب آخر من أسباب صدمتي بالكتاب، هو أن الكاتب من أول الكتاب إلى آخره ينعي على المصريين تخلفهم وتأخرهم عن الركب، ويحاول من خلال جلد الذات (وهي هنا عموم المصريين) أن يستحثهم على النهوض من أجل اللحاق بالركب وتحسين أحوالهم، إلاّ أنه عند الحديث عن شخصه نجد الكتاب يحتوي على نرجسية مروعة ونجده يدافع بكل من أوتي من قوة عن أخطاءه وتصرفاته وعيوبه التي يجعلها من مميزاته وحسناته. ونجده يخصص فصلاً كاملاً بعنوان "عندما قابلت أبي في جامعة طوكيو" يحكي فيه عن أحد أساتذة الجامعة اليابانيين الذي يخصص له في مكتبه بالجامعة ملفاّ عنه وعن والده مطعم بالصور له ولوالده.
طبعاً أنا اتفهم فرحة الكاتب إنسانياً بوجود صورة والده في أقصى بقاع الأرض. لكن هذا من الممكن أن يكون موضوع حديث مع صديق في المقهى أو حديث تليفوني مع زميل في العمل.
أمّا أن يخصص لذلك فصلاً من كتاب فهو كثير. بالمناسبة الجامعة هي جامعة طوكيو للغات الأجنبية وهي تختلف تماماً عن جامعة طوكيو العريقة التي تعتبر أشهر وأفضل جامعة في اليابان، ويشار إلى طلابها وخريجيها بالبنان، فما بالنا بأساتذتها. ما علينا كنت أريد أن أقول إن الكاتب كان عليه التفرقة بين الجامعتين.
الكتاب كما ذكرت بالغ الضخامة والتعرض له كله في مقالة صغيرة ربما يكون صعباً ولكنها محاولة لقراءة الكتاب. وسأذكر بعضا من المعلومات الخاطئة التي لفتت نظري فيه مع ملاحظة أنني أعتمد على نسخة من الطبعة الأولى للكتاب التي ظهرت عام 2001، ولا أدري إن كان تم تعديل أو تنقيح الكتاب في الطبعات التالية أم لا.

يقول الأستاذ يوسف القعيد في الصفحة رقم 57 ما يلي:
"قبل أن نصل إلى المكان الذي كان عبارة ركن صغير كانت هي تبحث عنا. اسمها كريمة موروكا. وموروكا اسم عائلة أمها واسمها المصرى: كريمة على السمنى، ووالدها جاء إلى اليابان من مصر وعاش فيها حوالى عشرين عاما، وأنجبها هي وأخت لها، اسمها إيمان واسمها هنا نامه لأن إيمان من الصعب العثور على نطق يابانى له.
الأب مصرى والأم يابانية، وقد تعلمَت فى مصر وتخرجت في العام الماضى في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وكان تعليمها قبل الثانوى هنا فى اليابان "طبعا فالتعليم الجامعي في مصر ببلاش يابلاش" ثم جاءت لتعمل هنا، وقررت أن تكون يابانية. تعمل مترجمة مستقلة، أى مترجمة ولكنها لا تعمل في أى مؤسسة. هى نفسها المؤسسة، وعندها في البيت التليفون والفاكس وكل مستلزمات العمل، وتتفق على أى عمل يطلب منها، وتحدد شروطها غير أنها تكتب عقدا وتسجله في الشهر العقاري. هكذا تسير الحياة بطريقة آلية تماما."
انتهى الاقتباس من الكتاب الأصلي. حوالي عشرة أسطر بها العديد من الأخطاء والخطايا!!. أولاً ما قاله عن اسم إيمان غير صحيح بالمرة فـ "إيمان" من الأسماء القليلة جداً في اللغة العربية التي تنطق كما هي دون تحريف في النطق. مثله مثل اسم كريمة وربما هذا هو سبب اختيار الأب هذين الاسمين لبنتيه اللتين شاء القدر لهما العيش بين مصر واليابان. اسم كاتب الكتاب ينطقه اليابانيون هكذا " يوسوفو الكوأيّدو" في حين أن إيمان ينطق كما هو "إيمان" واسم كريمة ينطق "كَريما" أي نفس النطق العربي.
أمّا ما أضحكني هو كلمة " تكتب عقدا وتسجله في الشهر العقاري" شهر إيه؟ وعقاري إيه؟ ولماذا يجب توثيق عقد عمل في شهر "عقاري" يبدو أن كاتبنا لا زال متأثراً بالعهد الناصري والفكر الشمولي الذي حوّل حياة الناس إلى سلسلة لاحد لها من التعقيدات.
في اليابان الأمر أبسط من ذلك بكثير. فالمترجم الحر يتعامل مع المؤسسات سواء الأهلية أو الحكومية بعقد شرفي بالكلمة. وفي حالة الحاجة إلى عقد مكتوب، يوقع الطرفين على العقد ويحتفظ كلاهما بنسخة. ولا يظهر هذا العقد مرة أخرى إلا في حالة واحدة فقط هي لجوء أحد الطرفين إلى القضاء لحل أي نزاع نشأ بين الطرفين وهي حالة تكاد تكون معدومة في اليابان. لأن الكل يلتزم بعهوده ووعوده.
أمّا حكاية التعليم الجامعي في مصر ببلاش يا بلاش التي ذكرها الكاتب فبغض النظر عن الإجحاف وعدم النظر للأمور في شكلها الصحيح، إلا أني استغرب من الكاتب الذي لا زال (في كتاباته على الأقل) يشيد بالعهد الناصري وإنجازات العهد الناصري التي من ضمنها بالطبع مجانية التعليم. أم أنه يرى حرمان أبناء أي مصري عاش فترة بالخارج من مجانية التعليم؟!
لكن ماذا يقول الكاتب في نفس الكتاب صفحة 168 وصفحة 169 ؟ يقول ما يلي:
"... وكريمة هى ابنة الدكتور على السمنى. هاجر من مصر في زمن عبد الناصر العظيم، وأتى إلى هنا. ودرس اللغة لليابانيين وتزوج من يابانية تعمل الآن في السفارة اليابانية فى القاهرة فى حين أن على السمنى يعيش فى شبرا بالقاهرة.
كريمة تعلمت فى مصر حتى حصلت على الشهادة الجامعية من جامعة القاهرة. أعتقد من كلية الآداب جامعة القاهرة من قسم اللغة اليابانية، الذي يعد أقدم قسم يدرس اليابانية في مصر الآن."
ولا تعليق، إلا تأكيد ما قلت من أن الكاتب ترك لقلمه العنان ليكتب ما يشاء وقتما يشاء دون تدقيق أو توثيق.

في صفحة 101 يقول :
" إن أى سيارة بعد اثنى عشر شهرًا من الاستخدام تباع بنصف الثمن الذى بيعت به وهى جديدة، وبعد الاثنى عشر شهرا الثانية ينزل الثمن الى الربع، وبعد ذلك لا يعادل ثمنها ثمن حذاء، وبعد خمس سنوات من سنة الإنتاج لا يكون مسموحا بسيرها في الشارع ولا ترخص أصلا، ومصيرها هو الإلقاء في مقابر السيارات. "
طبعاً منتهى التهريج والاستخفاف في الدنيا. لم تصل الرفاهية بأي دولة في العالم أن تقنن عدم الترخيص للسيارات التي تعدي عمرها الخمس سنوات. وفي اليابان بالذات لا يوجد قانون أصلاً يقيد حركة سير السيارة أو الترخيص لها بناءً على سنة إنتاجها. القانون في اليابان يفرض على كل سيارة عمل فحص كل سنتين لتجديد الترخيص، وأي سيارة تجتاز هذا الفحص تستلم الرخصة وتسير في الشوارع مهما كان عمرها. ومن المعروف أن هناك هواة السيارات العتيقة الذين يركبون سيارات موديل قديم من خمسينات أو ستينات القرن العشرين. الشائع في اليابان أن الياباني يغير سيارته كل خمس سنوات في المتوسط. لكن هذا ليس معناه أن كل اليابانيون يشترون سيارة جديدة كل خمس سنوات. التبديل ليس بالضرورى تبديل جديد بقديم. بل أن سوق السيارات المستعملة في اليابان رائج للغاية. أما أسعارها فهي بالطبع تقل عن السيارات الجديدة. لكن ليس كما يقول الكاتب وهو يروي أسطورة من أساطير الرفاهية والبذخ الياباني.

في صفحة107 وما تليها يقول الكاتب:
"كنا فى جامعة أوزاكا قبل الموعد المحدد، وفي أوزاكا جامعتان. واحدة حكومية. وهي التى ذهبت إليها، والأخرى خاصة أقامتها الجمعية البوذية في اليابان."
مرة أخرى يذكر كاتبنا الهمام معلومات ما أنزل الله بها من سلطان ولا أدرى من أين حصل عليها، فأوزاكا هذه هي أوساكا ثاني أكبر المدن في اليابان، بها خمسون جامعة بالتمام والكامل، خمس جامعات حكومية وخمسة وأربعين جامعة خاصة. الحكومية  منها ثلاث قومية وواحدة تتبع محافظة أوساكا والأخيرة تتبع مدينة أوساكا. التي ذهب إليها الكاتب هي جامعة أوساكا للغات الأجنبية وليست جامعة أوساكا المشهورة وهما الاثنتان قوميتان.

يقول في الصفحة 110 مايلي:
"كل التاكسيات محدد لها خط سير. وهي جميعها تابعة لشركات كبرى عملاقة ولا تعرف اليابان التاكسى الفردى الذى يملكه صاحبه. أو التاكسى الذي يملكه إنسان ويحضر سائقا لكى يعمل عليه لحسابه."
طبعاً كلام في الهجايص، كما نقول في عاميتنا المصرية الرائعة، لأنه إذا تم تحديد خط سير لسيارات الأجرة والتاكسيات فسينتفي معناها تماما. أي شخص يفكر بطريقة سليمة يدرك ذلك. بالتالي لم ولن يحدد اليابانيون خطوط سير لتاكسياتهم لأنهم يفكرون بطريقة عملية عقلانية وليس بطريقة ميكروباصية على حسب تعبير الدكتور سراج الدين الحلفاوي. طبعاً يوجد في اليابان شركات عديدة وكبيرة للتاكسيات لكن يبقى العدد الأكبر هو للتاكسيات الفردية التي يقودها أصحابها أما الذي يملك تاكسي ويحضر له من يعمل عليه، فهو شركة وإن لم يملك إلا سيارة واحدة أو سيارتين. قلة عدد السيارات أو كثرتها لا علاقة له الموضوع.

في الصفحة 131 من الكتاب يقول الكاتب:
"استغرق القطار ساعتين، وكالعادة فإن معظم القطارات الفاخرة والغالية، ومعظم القطارات هنا فاخرة، تملكها شركتان، إحداهما صاحبها يعد من أغنى أغنياء العالم، وكل القطارات والمحطات والعاملين فيها مكتوب عليها جى.آر. وجى هو الحرف الأول من اسم اليابان والحرف الآخر هو الأول من اسمه."
هذه الفقرة بالذات هي ما حملتني على كتابة هذه المقالة لتصحيح أخطاء الكتاب. ما ذكر هو قمة الاستهتار بعقلية القراء. الكاتب معروف عنه أنه ناصري من أشد المعارضين لخصخصة القطاع العام وهو ما يقوله في هذا الكتاب أيضاً، لكني أعتقد إن زيارة اليابان إذا استغلها استغلالاً صحيحاً كان من الممكن أن يعثر على حل ما لهذه المعضلة الكبرى، والحل هو في اليابان. للأسف معلوماتي وعلاقتي بالاقتصاد لا تسمح لي بشرح ما تفعله اليابان في هذا الخصوص إلا أني أطلب من الجميع النظر إلى التجربة اليابانية في الخصخصة التي بلغت الذروة، حيث تخلت الحكومة للقطاع عن أغلب الخدمات ومنذ سنوات تم خصخصة هيئة البريد بعد معارك سياسية وبرلمانية كبرى.
أما حكاية السكك الحديدية اليابانية باختصار شديد فهي كالتالي: صدر قانون خصخصة هيئة السكك الحديدية اليابانية في عام 1987 وتحولت إلى سبع شركات مساهمة ولكنها لم تكن خصخصة فعلية إذ اُنشئت هيئة مستقلة هي التي تملك أسهم جميع هذه الشركات  وتدريجياً تم طرح الأسهم للجمهور في سوق طوكيو للأسهم، ثلاث شركات فقط من السبع شركات هي التي اكتمل بيعها الأولى في عام 2002 والثانية في عام 2004 والثالثة في عام 2006. أما الأربع شركات الأخرى فلا تجد لها مشترين لوجود بعض الصعوبات الفنية والإدارية. ولنأخذ مثال على إحدى الشركات المباعة وهي أكبرها شركة "جي آر شرق اليابان" عدد أسهم هذه الشركة يزيد على الـ 16 مليون سهم يملكه أكثر من 320 ألف مساهم (320483 مالك أسهم) أكبر عشرة حاملين للأسهم هم عبارة عن شركات تأمين وبنوك ونقابات العاملين في الشركة، مجموع ما يحمله العشرة الكبار من الأسهم هو 32% من الإجمالي. المركز الأول في قائمة العشرة يحتله بنك ائتمان ونسبته 6% من مجموع الأسهم.
إن أي شخص يرى على قطارات اليابان حرفين جى آر JR يتوقع دون أن يسأل أنها تعني جابان ريل وايز JAPAN RAILWAYS  سكك حديد اليابان، وليست اسماً لشخص أيّ كان.
هذا عن هيئة السكك الحديدية القومية التي تم خصخصتها والمعلومات الواردة حصلت عليها من الموقع الرسمي لشركة "جي آر شرق اليابان" على شبكة الإنترنت ولم يستغرق الأمر دقائق. أما شركات القطارات الأخرى فهي الشركات الخاصة التي بدأت من الأصل شركات أهلية ويسمونها هنا في اليابان شيتتسو بمعنى شركات السكك الحديدية الخاصة، وهي ليست واحدة أو اثنتان بل عدد هائل في طول اليابان وعرضها. وبعد البحث في الإنترنت وجدتُ أن عدد الشركات الخاصة المسجلة في اتحاد شركات السكك الحديدية الخاصة هو 71 شركة خاصة. هذا غير السكك الحديدية التابعة للبلديات والمحليات أي أنها شبه حكومية أو ما يسموه هنا في اليابان القطاع الثالث.
كنت أود أن يذكر الكاتب اسم صاحب الشركة الذي يكوّن أحد حرفي الـ جي آر حتى تكتمل النكتة لأن عدم ذكر الاسم أفسد طمعها حين ذكرتها لمعارفي وقلل ذلك نسبياً من كمية الضحك عليها.

في الصفحة 141 عند زيارة متحف القنبلة الذرية في مدينة هيروشيما يقول:
"كانت المفاجأة الأخيرة فى جولتى بالمتحف عندما وصلت إلى المرحلة النهائية، شاهدتُ بالقرب منى شخصًا ملتحيا له لحية كثيفة، أكثف لحية أراها حتى الآن. ربما جاء الإحساس بكثافتها الرهيبة، لأننى فى بلاد لم أر فيها شاربا واحدًا منذ حضورى، فالوجوه تلمع كأنها خارجة لتوها من حمام شعبى.
وياليت الأمر توقف عند هذا الحد. كان الملتحى يصطحب منقبة معه. نظرت إليهما طويلا، الجلباب الأبيض والسبحة التي تصل إلى الأرض، والطاقية البيضاء والبلغة السوقي البلدى. كان هذا زى الملتحى. أما المنقبة فهى قطعة من السواد، كأن الليل نسيها هنا قبل أن يرحل. نظرت لهما وقلت لنفسى، إن كان أجدادنا قد قالوا: اطلبوا العلم ولو الصين، فها أنذا أقول إن التطرف والإرهاب ورائي ولو في اليابان."
أريدُ أن اُشهد القراء. أين التطرف والإرهاب فيما وصفه الكاتب؟ لقد نقلت كل ما كتبه في وصفهما كلمة كلمة حرف حرف. رجل ملتحي يرتدي جلباباً أبيض ويصطحب معه إمرأة منقبة. أي إرهاب في ذلك؟ لم يقل لنا إنه شاهدهما يقتلان الناس في المتحف، أو رأى في حوذتهما قنابل ورشاشات. أم هل رأهما يعترضان الناس ويفرضان عليهم لبس الجلباب والنقاب. بالله إنه شئ مُحيّر. الكاتب المسلم لا يستحي أن يذكر أنه شاهد أفلام جنسية في غرفته بالفندق (صفحة 94)، ولا يستحي أن يقول إنه شرب الخمر والويسكي مع فلان وعلان ساخراً من المترجمة المسلمة التي لم تشاركه في ذلك (صفحة 122). هل هذا هو الإسلام المعتدل الذي يريده، ومجرد لحية وجلباب ونقاب يصبح إرهاباً وتطرف. لا أدري ماذا أقول !! لعل القارئ لديه الحكم  والقول المناسب.
في نهاية المقال لى كلمة أخيرة هي أنني لم أتطرق إلى الأخطاء التي ذكرها الكاتب عند كتابته الأسماء اليابانية فأخطئ فيها كلها أو أغلبها. لم أتطرق لذلك لأن الكاتب يخطئ حتى في اللغة العربية ( كما ترون في الأجزاء التي نقلتها كما هي ) التي من المفروض أنها بضاعته وصنعته التي يبيعها للناس، ويخطئ في الأسماء العربية نفسها، لتصبح قصيدة أحمد فؤاد نجم التي طارت شهرتها الآفاق تصبح "بقرة حاجة" وليس "بقرة حاحا".
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      

الثلاثاء، 14 مايو 2013

مفاجأة مذهلة عبيد يابانيون في المكسيك


「日本人奴隷」3人、メキシコに…安土桃山時代
اكتشاف وجود ثلاثة يابانيين عبيد في المكسيك في نهاية القرن السادس عشر الميلادي
読売新聞 513()1444分配信


読売新聞

 安土桃山時代末の1597年、日本人が「奴隷」としてメキシコに渡っていたことがわかった。

تم اكتشاف أن ثلاثة يابانيين قد عبروا المحيط إلى المكسيك في عام 1597 كعبيد.

ポルトガル人で同国立エヴォラ大特別研究員ルシオ・デ・ソウザさん(大航海時代史)と、東大史料編纂(へんさん)所の岡美穂子助教(日欧交渉史)がメキシコ国立文書館に残る異端審問記録で確認した。「日本人奴隷」の実態を示す貴重な資料であり、日本人の太平洋渡航を詳細に記した最初の資料としても注目される。研究成果は近く海外で出版される予定。

تأكد من ذلك البروفيسور لوسيو دي سوزا (المتخصص في تاريخ عصر الاستكشافات الكبرى) الباحث المتميز في جامعة إيفورا القومية بالبرتغال بالمشاركة مع الباحثة اليابانية ميهوكو أوكا (المتخصصة في تاريخ المفاوضات بين اليابان وأوروبا) المعيدة في معهد دراسات التاريخ بجامعة طوكيو، بواسطة سجلات محاكم التفتيش المتبقية في متحف الوثائق القومية في دولة المكسيك. وهو ما يعتبر وثيقة تاريخية هامة توضح حقائق عن الوضع الفعلي "للعبيد اليابانيين". وستلفت الأنظار كأقدم وثيقة تاريخية تسجل بالتفاصيل أول عبور قام به يابانيون للمحيط الهادئ. ومن المنتظر أن يتم نشر نتائج هذا البحث في القريب العاجل.

審問記録には、日本名の記載はないが、名前の後ろに「ハポン(日本)」と明記された、「日本生まれ」の人物の名があった。「ガスパール・フェルナンデス」「ミゲル」「ベントゥーラ」の3人で、いずれも男性とみられる。

لم يُعثر في سجلات محاكم التفتيش على أسماء يابانية، ولكن وجدت أسماء أشخاص "يابانيّ المولد" حيث تم توضيح ذلك بكتابة "هابون(اليابان)" بعد أسمائهم. الأسماء هم ثلاثة "جاسبارو فيرنانديز"، و"ميغيل"، و"فينتورا"، ويعتقد أنهم جميعا ذكور.

ガスパールは豊後(大分県)生まれ。8歳だった1585年、長崎で日本人商人からポルトガル商人のペレスに、奴隷として3年契約7ペソで売られた。その後の詳細は不明だが、引き続きペレスのもとで、料理などの家事労働をしていたとみられる。当時のスペインで、高級オリーブオイル1本が8ペソだった。

ولد جاسبارو في إقليم بونغو (محافظة أويتا حاليا). وفي عام 1585 عندما كان في الثامنة من العمر، تم بيعه في ناجازاكي بسعر سبعة بيسو إلى بيريز، بواسطة تاجر عبيد ياباني أو تاجر عبيد برتغالي. وتفاصيل حياته بعد ذلك مجهولة ولكن يُعتقد أنه ظل تحت كنف بيريز يقوم بالأعمال المنزلية من طبخ وغيره. ومما يذكر أنه في ذلك الوقت كان زجاجة زيت الزيتون الفاخر تباع في أسبانيا بسعر ثمانية بيسو.

ベントゥーラは来歴不明だが、ミゲルは94年、ポルトガル奴隷商人がスペイン領マニラで、ペレスに売った。

غير معلوم تاريخ مجئ فينتورا، ولكن ميغيل تم بيعه إلى بيريز في مانيلا من تاجر عبيد برتغالي في عام 1594.

ペレスはマニラ在住時の96年、隠れユダヤ教徒として当局に逮捕され、有罪判決を受けた。次の異端審問のため一家は97年12月、マニラから太平洋航路でスペイン領メキシコ・アカプルコに移送された。その審問記録に、ペレスの「奴隷」として3人の名があった。

وفي عام 1596 قبضت السلطات على بيريز أثناء وجوده في مانيلا كيهودي متخفي، وأصدر حكم من المحكمة ضده كمذنب. ومن أجل مثوله أمام محكمة التفتيش التالية، تم ترحيله هو وعائلته في شهر ديسمبر من عام 1597 عبر المحيط إلى مدينة أكابولكو المكسيكية التي كانت خاضعة للحكم الأسباني. وفي سجلات تلك المحكمة وجدت أسماء الثلاثة كـ "عبيد" لدي بيريز.

ガスパールは審問で、食事内容をはじめとするペレス家の信仰の様子などを証言。その後の99年、ベントゥーラと共に、自分たちは奴隷ではないと当局に訴え、1604年に解放された。

 شهد جاسبارو في محمكة التفتيش بمحتوي عقيدة عائلة بيريز بداية من قائمة طعامهم. وبعد ذلك في عام 1599 قدم مع فينتورا عريضة للسلطات  تفيد أنهما ليسا من العبيد، فتم إطلاق سراحهما في عام 1604م.

الجمعة، 10 مايو 2013

الطريقة الأسرع في إثبات وجود الله منطقياً


الطريقة الأسرع في إثبات وجود الله منطقياً
論理的に創造主を証明する最も早い方法

إما أن أوجدك العدم أو أوجدك موجِد
あなたを存在させたのは、虚無か、あるいは創造者かのどっちだ。

الأول باطل، لأن العدم لا يُنسب له فعلٌ.
前者は無理だ。なぜなら、虚無は行動を起さないからだ。

الثاني: إما أن يكون الموجِد أنت أو غيرك
後者は、その創造者があなた自身か、あるいはあなた意外の何者かのどっちだ。

الأول باطل؛ لأنك إن كنت موجوداً قبل وجودك فلا تستطيع إيجاد ذاتك؛ لأنها أصلاً موجودة.
前者は無理だ。なぜなら、あなたが創造される以前に存在しているならば、自分を創造できない、既に存在しているからだ。

الثاني: إما أن يكون هذا "الغير" حادثاً (يعني موجود بعد عدم) أو أزليا
後者は、その“何者か”が被造物(虚無のあとに存在したものの意味)か非造物のどっちだ。

الأول: باطل؛ لأنه إن كان حادثاً فهذا يعني أن هناك من أوجده، وأوجد من أوجده، وهكذا تستمر السلسلة دون الوصول إلى حل، وهذا ما يسمّى في علم المنطق "التسلسل"، وهو دليل على بطلان الاحتجاج.

前者は無理だ。被造物だったら、それは何者かによって創造され、その何者かがまた別の何者かによって創造され、また別の何者かに、また別の何者…この連鎖は永遠に続く。これは論理学では”連鎖思考“と呼ばれるもので、否定に用いられるものだ。

الثاني: وهو الخالق الإزلي، إما أن يكون المادة أو يكون الله.
後者はこの非造物たる創造主が物質か、あるいはアッラーか、のどっちだ。

الأوَّل: باطل، لأنَّ المادة لا وجود لها في الخارج، وإنما هي تتشكّل بأشكال، وهذه الأشكال متغيّرة، وتغيّرها يدل على أنها حادثة وتحتاج إلى فاعلٍ منفصل، وهو الذي يقرر شأن التغيير.
前者は無理だ。なぜなら物質は自分以外に存在しない、何かの形をして、その形によって変化し、その変化が、あれは被造物であることを表すもので、自分と別の何者かが必要とし、その何者かがその変化を決定するということを意味するからだ。

إذن لم يبقَ إلا الخيار الثاني، وهو أن الموجِد هو الله سبحانه وتعالى.

しかるに、選択肢には後者しかありえないのだ、アッラーが唯一の創造主であることだ。

* النص العربي من مدونة أعرابي موجود هنا