بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 12 يوليو 2019

من الأرشيف: حكاية جائزة نوبل للآداب مع اليابان


حكاية جائزة نوبل للآداب مع اليابان

ميسرة عفيفي


في بداية الخريف من كل عام تتردد في اليابان والعالم كله المقولة المعتادة:
هل يفوز هاروكي موراكامي بجائزة نوبل هذا العام؟
هذا السؤال الذي دأبت عليه وسائل الإعلام اليابانية كل عام منذ عدة سنوات كلما حل موعد الإعلان عن جوائز نوبل ومنها جائزة نوبل للآداب. وتكون طريقة الإعلان عن الجائزة في اليابان بعد معرفة الفائز ليس أن جائزة نوبل للآداب فاز بها فلان أو فلانة، ولكن كل عام تكون عناوين الجرائد ونشرات الأخبار الرئيسة بعد إعلان الجائزة هي: "جائزة نوبل للآداب تخطئ موراكامي" أو "فشل موراكامي في الفوز بجائزة نوبل" أو ما شابه من عناوين.
ولكن عندما يُسئل موراكامي شخصيا عن جائزة نوبل للآداب ومشاعره وهو يُرشح لها كل عام تقريبا، يتكلم بمنتهى الجدية ويُعرب عن عدم سروره بذلك قائلا: "هذا الأمر يزعجني بشدة. لأن الترشيح لا يستند على أي أساس كأن يكون هناك قائمة معلنة طويلة أو قصيرة للمرشحين مثل ما يحدث في جوائز أخرى. ولكن الأمر لا يعدو إلا أن يكون استباق من الناشرين وحيلة رخيصة منهم لزيادة مبيعات الكتب فقط لا غير. وفي النهاية أنا لست فرسا في سباق، ليتراهن الناس على فوزي بالجائزة". وعندما سئل موراكامي عما يشعر به من معاناة في تلك الأيام التي تسبق الإعلام عن الجائزة والأيام التي تليها، ولماذا لا يستبق الأمر فيعلن رفضه لقبول الجائزة حتى لو اختير لها ليريح نفسه من هذا العناء، وردا على ذلك أعلن موراكامي رفضه للفكرة وقال إن سبب رفضه لتلك الفكرة هو أنه يوجد في هذا العالم من لا يستطيع إصدار حكم على شيء أو شخص إلا بمقاييس مادية ملموسة، مثل مقدار المبيعات أو الحصول على الجوائز، وإنه شخصيا لا يستطيع أن يمنع هذا التفكير عن الناس، رغم أن الأدب في أساسه هو محاولة لإيجاد مقاييس وقيم معنوية أكثر منها مادية ملموسة، وهذا هو أصل المشكلة، على حسب تعبير موراكامي.

من المعروف أن موراكامي حاليا هو أشهر روائي ياباني وأكثر الروائيين مبيعا في العالم كله، وما أن تصدر له رواية أو كتاب حتى يصطف الناس في طوابير بالغة الطول للحصول على نسخة من تلك الرواية. وآخر رواية أصدرها في اليابان باسم "تسوكورو تازاكي عديم واللون وسنوات حجه" حطمت عدد من الأرقام القياسية في المبيعات لم تتحقق على مدى التاريخ، منها أنها أول رواية أو كتاب في اليابان تصدر منه الطبعة الثانية في نفس يوم صدور الطبعة الأولى بسبب نفاد الطبعة الأولى من الأسواق خلال ساعات قليلة.

ولكن ما هي قصة جائزة نوبل للآداب مع اليابان؟
لقد فائز بجائزة نوبل للآداب من اليابان اثنان فقط هما ياسوناري كاواباتا عام 1968 ثم كِنْزابرو أُوئْيه عام 1994 ومن ذلك العام وخاصمت جائزة نوبل الأدبية أرض الشمس المشرقة ولم يحصل منها أديب على تلك الدرة الثمينة التي تتوق لها أعناق الكثيرين من الأدباء. ولكن رغم عدم شهرة ذلك يوجد العديد من الكتاب اليابانيين الذين كانوا أقرب الناس للفوز بها ولكن لم يحلفهم الحظ في الفوز.
فطبقا لوثائق الأكاديمية السويدية المسؤولة عن اختيار الفائز بجائزة نوبل في الآداب، والتي لا يمكن الاطلاع عليها إلا بعد مرور خمسين عاما من تاريخ تلك الوثائق، فإن أول من رُشح للفوز بجائرة نوبل في الآداب من اليابان هما الروائي روان أوتشيدا (1868 – 1929) والشاعر والروائي يونيجرو نوغوتشي (1875 – 1947) وذلك عام 1926 ولكن بالطبع لم يصل أي منهما إلى القائمة النهائية المرشحة للفوز.
ثم بعد تظهر وثائق الأكاديمية التي أعلنتها بناء على طلب من جريدة أساهي اليابانية أن عالم الاجتماعي والفيلسوف الياباني الذي نشط في مجال الإصلاح السياسي والاجتماعي المسيحي تويوهيكو كاغاوا (1888 – 1960) قد رُشح مرتين للجائزة عامي 1947 و1948. وانقضى عقد من الزمن حتى ظهر على قوائم المرشحين للفوز بالجائزة اسم الروائي الياباني العملاق جونئتشيرو تانيزاكي (1886 – 1965) ومعه الشاعر وأستاذ الأدب الإنجليزي د. جونزابرو نيشيواكي (1894 – 1982) ليُرشحا معا في عام 1958. ولكنهما كذلك لم يصمدا كثيرا وكان السبب الرئيس هو قلة الأعمال المترجمة لهما.
من خلال وثائق وزارة الخارجية اليابانية التي سُمح بالاطلاع عليها أمكن بطريقة غير مباشرة معرفة أن نفس الأديبين رُشحا معا في عامي 1960 و1961 وتأكد الأمر من خلال وثائق الأكاديمية السويدية بعد طلب من جريدة يوميوري اليابانية الذي أوضحت أيضا أن ياسوناري كاواباتا الذي كان أول ياباني يفوز بالجائزة عام 1968 قد سبق ترشيحه لها عامي 1961 و1962. ومن خلال الوثائق عُرف أنه تم ترشيح ثلاثة يابانيين معا في عام 1963 وهما نيشيواكي وتانيزاكي وكاواباتا. ومن خلال حديث صحفي مع رئيس لجنة نوبل في الأكاديمية السويدية مع جريدة يوميوري ذكر أنه لولا موت كوبو أبيه (1924 – 1993) المفاجئ لكان حصل على جائزة نوبل فقد كان الأقرب لها من الجميع. وقال إن يوكيو ميشيما (1925 – 1970) لم يصل إلى المرحلة المتقدمة التي وصلها آبيه. وقال أيضا إن الروائي ياسوشي إينوؤيه (1907 – 1991) كذلك كان قريبا من الجائزة ونوقشت أعماله بجدية داخل اللجنة. وردا على ذلك يقول البروفيسور دونالد كين إنه من خلال وثائق الأكاديمية التي كُشف النقاب عنها يتضح أن ميشيما وصل للقائمة قبل الأخيرة المكونة من ستة مرشحين عام 1963 وكان من بين المرشحين صامويل بيكيت. ولكن تم استبعاد ميشيما عندما قُلصت القائمة إلى ثلاثة أشخاص. وفي ذلك العام طُلب من دونالد كين تقييمه لأدباء اليابان فقام بإرسال توصيته بترتيب الأفضلية حسب العمر والإنتاج الفكري على الشكل التالي الأول تانيزاكي (76 عام) الثاني كاواباتا (63 عام) الثالث ميشيما (38 عام) وهذا رغم أنه كان يرى أن ميشيما هو أعظم كاتب ياباني على قيد الحياة وقتها ولكنه رغم ذلك فضل تانيزاكي وكاواباتا على ميشيما في التوصية منطلقا من الثقافة اليابانية التي تعطي أهمية بالغة لكبر السن والأقدمية في العمل، فلقد كان المجتمع الياباني يرى أن ميشيما لا زال شابا وإذا حصل على الجائزة قبل تانيزاكي وكاواباتا فستكون نتيجة ذلك عكسية ويشعرون بشعور ساخط تجاه ميشيما.
وطبقا لما أذاعته وكالة كيودو من وثائق الأكاديمية السويدية نعرف أنه رُشح أربعة يابانيين للجائزة في عام 1964 هم تانيزاكي ونيشيواكي وكاواباتا وميشيما، وأن تانيزاكي وصل إلى قائمة الستة في المرحلة قبل الأخيرة. كما حدث معه عام 1960. وأن نفس الأربعة رُشحوا كذلك في العام التالي 1965 وهو العام الذي توفى فيه تانيزاكي فقالت الأكاديمية في وثائقها أنه بعد موت تانيزاكي يكون كاواباتا هو أقرب أديب ياباني للجائزة وبالفعل فاز بها ياسوناري كاواباتا عام 1968 ولينتظر اليابانيون ربع قرن حتى يحصل عليها ثاني ياباني وهو كِنْزابرو أُوئْيه عام 1994. وتصمت الجائزة عن اليابان حتى هذه اللحظة.

*نُشرت في أخبار الأدب المصرية