بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 يناير 2023

عن الكتب ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي

عن الكتب

ريونوسكيه أكوتاغاوا

ترجمة: ميسرة عفيفي

 

تاريخ المسرح في دول العالم

لأنني أحب الكتب، فسأكتب عن الكتب قليلًا. من بين ما أملك من كتب، ثمة كتاب عجيب عن تاريخ المسرح، يُفتح على الطريقة الغربية[1]. وصدر هذا الكتاب بتاريخ ١٦ يناير ١٨٨٤ م. ويبدو أن المؤلف أحد أفراد عائلة ساموراي في طوكيو، يُسمّى تيتسو ناغاي يعمل في مديرية شرطة العاصمة. وعند النظر إلى خاتم الملكية في الصفحة الأولى، فقد كان هذا الكتاب على ما يبدو من ممتلكات إيكّو إيشيكاوا في الماضي. وفي الديباجة، ذُكر ما يلي:

إن المسرح هو أسرع وسيلة لإزالة الجهل بتاريخ الدول الحي. ولهذا السبب في الدول الأوربية المتقدمة، تحترم طبقات المجتمع العليا من النبلاء والصفوة المسرحَ. ثم وراء الوصول إلى تلك النهضة وذلك الازدهار، هو ظهور علماء مشاهير في روما واليونان قاموا بعمل إصلاحات كبيرة في ذلك المجال. ولكن العلماء في بلادنا يحتقرون عالم مسرح الكابوكي (كما في الأصل[2]) منذ قديم الزمان، وبدون النظر إلى الاستثناءات، فالكتب التي تسجل ذلك ليست كثيرة حتى الآن. وبمعنى أنه يجب القول إنه أمر ينقص من أدوات التحضر السريع. (حذف) وثمة أماكن كثيرة هنا تعطينا إحساسا. عندما أحصل على لحظة فراغ بسيطة، أقرأ بتمعّن الكتب الفرنسية والأمريكية غيرها ثم أترجم النقاط الأساسية ترجمة بتصرف، وأصنع منها كتيب يدوي. وبالتالي أُسمّي ذلك الكتاب تاريخ المسرح في دول العالم

وأعتقد أن علماء مشاهير في روما واليونان تعني شعراء المسرح الروماني اليوناني، ولكن حتى هذا فقط يثير لدي الابتسام. وثمة رسم لنبات الناندين بطريقة الطبع على النحاس التي بين صفحات الكتاب الأصلي، عليها شرح: “رسم للممثل البريطاني جيوفراي وهو محبوس في حفرة خالية”. ومهما نظرنا إلى ذلك الرسم نشعر أنها للممثل كاغيكيو داخل السجن الأرضي. وبالطبع جيوفراي هو على الأرجح جيفري (Geoffery). الشخص الذي كان على اطلاع بتاريخ المسرح القديم في إنجلترا، ربما لا يستطيع تحمل غضبه تجاه ذلك. وبالمرة سأقتبس جزء من النص الأصلي نجد فيه ما يلي: “وبالتالي عندما وصلنا إلى عام ١٥٧٦ م في عصر الملكة إليزابيث، ومن أجل بداية أول عمل تجاري مسرحي برخصة خاصة، تم إنشاء مسرح داخل نطاق مساحة غير مستخدمة من كاتدرائية بلاك فريارس. وكان ذلك أول تأسيس للمسرح البريطاني الشرعي. وبالتالي، كان ينتمي ذلك لإيرل ليستر، وكان يديره جيمس بوربيج. والتحق به ممثل يُدعى وليم سيكسبيا. كان وقتها طفل في الثانية عشرة من العمر، تخرج من مدرسة ستراتفورد بعد أن درس مبادئ اللاتينية واليونانية”.

التحق به ممثل يُدعى وليم سيكسبيا! في اليابان قبل ثلاثين عاما ونيف، يمكننا رؤية تلك الكلمة رؤية ضبابية غامضة. وهذا الكتاب ليس نادرا البتة. ولكنني في مثل هذا المكان، أشعر بشوق وحنين لا يمكن التخلي عنهما بسهولة. وبالمرة مرة أخرى أضيفُ إنني سبق أن قادني فضولي لتجميع خمسين نوعا من الروايات صدرت في العقد الأول من عصر ميجي (١٨٦٨ – ١٨٧٨ م). وإن لم يكن في اليد حيلة من جودة الروايات نفسها، ولكن لاحظتُ أن الأخطاء المطبعية بالكتب المطبوعة في ذلك العصر أقل من كتب العصر الحالي.

الأرجح أن السبب أن المجتمع وقتها كان في عصر سلام ووئام، ولكنني أشعر بوجود مشاعر الإخلاص والأمانة أيضا. وبمناسبة الأخطاء المطبعية تذكرتُ شيئا، في وقت ما عندما كنتُ أقرأ في كتاب شعراء البلاط الإمبراطوري في عصر وانغ في الصين المطبوع بالنقش على الحجر، وجدتُ الشعر التالي “يأتي الربيع ومياه البحيرة جميلة، تنساب الفقاقيع البيضاء في كل مكان تحت مجرى المياه الصناعي، فيعرف الملك سرا بدخول الشهر، فيغسل أطراف الثياب مع بقية الناس” ودخول الشهر معناها بداية الدورة للمرأة. (ربما كان استخدام الدورة الشهرية في الشعر، يقتصر على هذا الشاعر فقط)، ولكن طبعت كلمة دخول الشهر (入月) بخطأ على أنها (入用) وبالطبع هذه الكلمة ليس لها معنى. وعندما اصطدمتُ بذلك الخطأ المطبعي، أصبحتُ لا أثق في كل الكتب المنقوشة على الحجر. لقد انحرف الحديث عن مساره قليلا ولكن، من قبل كتاب تاريخ المسرح في العالم للمؤلف تيتسو ناغاي، ما زالت حتى الآن ثمة شك أكان مثل هذا الكلام موجوداً أم لا؟ ومع قولي حتى الآن، فلأنه شأني، فلا يعني ذلك أنني بحثتُ وتقصيت الأمر حتى النهاية. ولكنني كتبتُ ما كتبت وأنا أفكرُ لو أن أحد من المختصين يعطيني معلومة عن هذا الأمر.

رحلة الحاج

 

 

أيضا أملك ترجمة صينية لكتاب (Pilgrim’s Progress) [رحلة الحاج]. ولا يمكن وصف ذلك الكتاب بأنه كتاب نادر. ولكنه أحد الكتب التي أحن إليها. وقد تُرجم (Pilgrim’s Progress) كذلك للغة اليابانية بعنوان رحلة الحاج، وعلى الأرجح أن تلك الترجمة متأثرة بهذه الترجمة الصينية. أولا ترجمة النص صحيحة. والأشعار التي في أماكن كثيرة من النص تُرجمت ترجمة نثرية. “تنساب الحياة على الطريق مثل الماء الطاهر، تتوقف فرحة الحاج المسافر في رحلة الحج، يُقدّم عطايا من مئة زهرة نادرة لنشوته، سعادتي أحصل عليها بالترفيه في هذا المكان” … يمكن التفكير أنه هذا على الأغلب نمط الترجمة. الأمر المشوّق هو الرسومات الداخلية المطبوعة على النحاس، لأنها رُسمت كلها على شكل الصينيين. وحتى عند مقولة “وجئت إلى قصر Beautiful فكما المتوقع رُسم مسيحي صيني يسير أمام قصر على الطراز الصيني. لقد صدر هذا الكتاب من مكتبة هاوكاو في حى سوسونغ بمدينة شانغهاي في العام الثامن من عصر الإمبراطور تونغ زهي في إمبراطورية شنغ (١٨٦٩ م). وبالمناسبة فلأنه كُتب “انتهى في العام الثالث من عصر الإمبراطور شيان فنغ وتمت مراجعته على الترجمة اليسوعية في الصين” فعلى ما يبدو أن ثمة ترجمة تمت قبل هذه الترجمة. ولكن اسم المترجم مجهول تماما. في صيف هذا العام، عندما ذهبتُ إلى حي بادافوتونغ في بكين، رأيت نسخة من الإنجيل مترجمة للصينية على مكتب إحدى فتيات محلات الشاي[3]. ربما مِن بين مَن قرأ ترجمة كتاب “رحلة الحاج” ثمة جميلة مثل تلك الفتاة.

أشعار بايرون

 

 

أملك كذلك ديوان أشعار بايرون الطبعة التي أصدرها، جون موراي في عام ١٨٢١ م. ويحتوي على ثلاثة كتب فقط هي (Sardanapalus, The Two Foscari, Cain). ولأنه في كين تمهيد بتاريخ ١٨٢١ م، فربما يكون ذلك الديوان الشعري هو الطبعة الأولى مع المسرحتين التراجيديتين الآخرين. ومع تفكيري في محاولة قراءة ذلك الديوان، إلا أنه متروك كما هو دون أن ألمسه. لقد أهدى بايرون كتابه “ساردانابالوس” إلى غوته وأهدى “كين” إلى سكوت. ومن خلال ذلك، ربما كانت قراءتهم لذلك الديوان، كان من كتاب رديء الطباعة مثل النسخة التي أملكها أنا. كنتُ أحيانا أنظر إلى تلك النسخة وأقلّب صفحاتها الشاحبة المصفرة وأنا أفكر في ذلك الأمر بمزاج متقلب. إن من أهداني هذه النسخة هو السيد سادا توشيما أستاذ البحرية العسكرية. لقد اهتمّ السيد توشيما بي اهتماما كبيرا عندما كنتُ أُدرّس في الأكاديمية العسكرية البحرية، فكان يعلّمني الجمل الإنجليزية المعقدة، وأحيانا كان يعيرني بعد النقود. إن السيد توشيما يعشق سمك السلمون. وربما تُحمل له الآن آنية وجبة العشاء وعليها أنواع متعددة من السلمون بالتناوب، سلمون نيء وسلمون مملح، وسلمون بصوص نخالة الساكي.عندما أفتح ذلك الكتاب، أفكر أيضا في ذلك الأمر. ولم يسبق أن طرأ على ذهني أمر بايرون ذاته أثناء القراءة. وإن تذكرت، أتذكر فقط أنني قبل خمس أو ست سنوات، تركت كتابيه مازيپّا ودون جوان دون أن أكمل قراءة أي منهما. على ما يبدو أنني إنسان لا له حظ مع بايرون.

حشائش الظل

 

 

إنه حلمٌ حلمته. كنتُ في الحلم مع طفل ابن خالة لي، نسير في الطابق الثاني من متجر ميتسوكوشي. وعندها رأيت كتاب بحجم رُبعي (Quarto) فوق رف عليه لافتة كُتب عليها “ركن الكتب”. وعندما فكرتُ تُرى كتاب من هو؟ عرفتُ أنه كتاب أستاذ موري المعنون “حشائش الظل”. وأنا أقف أمام الرف، فتحتُ الكتاب لأتصفحه، فوجدت أنه على ما يبدو رواية تتحدث عن اليونان. كانت الجمل جملا يابانية تلقائية وطبيعية. “ربما كانت تلك ترجمة الآنسة كيميكو كوغانيه. إن قرأت الحكايات الغريبة والعجيبة قديما وحديثا، ظهرت حكاية لا تختلف مطلقا عن حكاية مراكب تسوكوشي من تأليف الكاتب هارومي موراتا. تُرى من أي لغة تُرجم هذا النص؟” كنتُ أفكر بهذا الأمر أثناء الحلم. ولكن، عندما قرأت نهاية تلك الرواية، وجدت مكتوبا فيها “ترجمة باسيه واكا”. وعندما فتحت الكتاب على صفحات أمامية، هذه المرة ظهرت صور كثيرة مطبوعة. كانت جميعها صور رسمها الأستاذ موري. وبدت لوحات لزهرة اللوتس ورسم لفوجيمي سايغيو. والنسخة المصورة كان عليها رزمة الرسائل من ضمنها ما يلي: “لقد مات ابني لذا لا أستطيع كتابة الرواية. الرجاء السماح والمعذرة” كان المرسل إليه هو كوئتشي هاتا. وكان هناك الكثير من الرسائل الموجهة إلى كايفو ناغاي. وكانت كلها لسبب مجهول، موجهة إلى “الأستاذ كايفو دو”. “إن اسم كايفو دو غريب. من شخص مثل الأستاذ موري” كنتُ أفكر بهذا الأمر أثناء الحلم. وانتهى الحلم عند هذا الحد. في ذلك اليوم كنتُ أشاهد الخط الذي كان الأستاذ موري يكتبه في كتاب “ديوان أشعار المبنى الجبلي الخامس”. ثم بعدها أعطاني السيد كوئتشي هاتا علبة سجائر. ويبدو أن ذلك هو سبب ظهورهما معا في الحلم بذلك الشكل. يُقال إن ماكس بيربوم (Max Beerbohm) في كتاب له عن أكثر الكتب التي يريد تجميعها كتب الكتب التي كتبها شخصيات روائية. أي كتب خيالية. ولكنني أريد الحصول على كتاب “حشائش الظل” بحجم رُبعي (Quarto) أكثر من رغبتي في الحصول على الطبعة الأولى من كتاب “دولة الجريدة”. إن حصلت على ذلك الكتاب في يدي سيكون حقا كتابا في منتهى الندرة.

(ديسمبر 1921)

 

 

[1] الكتب اليابانية في العادة تتبع الطريقة الصينية في الكتابة العمودية من أعلى إلى أسفل، وفي هذه الحالة تُفتح الكتب اليابانية من اليمين إلى اليسار مثل الكتب العربية تماما، ويشير المؤلف هنا إلى أن الكتاب ورغم أنه كتاب ياباني فهو يُفتح من اليسار إلى اليمين مثل الكتب الغربية/المترجم

[2] ثمة خطأ في الرمز الصيني الذي يدل على مسرح الكابوكي (梨園) ووضع بدلا منه رمز (李園) الذي يدل على اسم مطعم صيني وكلاهما ينطق بنفس النطق الياباني  ريئن (rien)/المترجم

[3] الاسم القديم لبيوت الدعارة التقليدية في الصين/المترجم

 

من أجل اتخاذ شكل واضح ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي

من أجل اتخاذ شكل واضح

ريونوسكيه أكوتاغاوا

ترجمة: ميسرة عفيفي

إلى السيد ناكامورا،

كما ترى ها أنا ذا أكتب تلبية لما طلبتَ مني كتابته بعد أن عجزتُ عن رفض طلبك. ولكنني ليس لدي مجال لترتيب حالتي الذهنية من أجل الإجابة على أسئلتك. وكنتُ قد وضعتُ الرسالة التي أرسلتَها لي بين صفحات كتاب كنتُ أقرأه وقتها، ومنذ ذلك الوقت فقدتها فلا أعرف أين ذهبت. ولذلك فطبيعة القضية الذي أجيب عليها أصبحت غامضة غموضا شديدا.

ولكنني أتذكرُ فقط أن سؤالك كان على الأرجح محتواه: “ما هو غرضك من كتابة قصص روائية؟” وطلبت أن أذكر ذلك الغرض على أن يكون غرضا مباشرا عمليا واقعيا. وإن كان الأمر كذلك ستكون إجابتي في غاية البساطة هي: “أكتب لأنني أريد أن أكتب”. وليس هذا على سبيل التواضع ولا المبالغة. والقصة الروائية التي أكتبها الآن، الغرض المؤكد منها أنني أكتبها لأنني أريد فعلا كتابتها. لا أكتب من أجل الحصول على المال، ولا أكتب من أجل الناس في هذا العالم.

وعلى الأرجح أنك ستسألني في هذه الحالة: “حسنا تريد أن تكتب، ولكن لماذا إذن تريد أن تكتب؟” ولكنني شخصيا لا أعرف السبب جيدا. ولكن إن أجبتُ على السؤال في إطار ما أعرف، فإن داخل رأسي “كلاكيع” تطلب مني أن أضعها في شكل واضح ومحدد. وذلك لأن وضعها في شكل واضح ومحدد هو نفسه الغرض من الكتابة. ولذلك عندما تتولد تلك “الكلاكيع” داخل رأسي مرة، لا أجد سبيلا إلا الاندفاع في الكتابة حتى وإن كنتُ أكره ذلك. أي ربما يكون الأمر يشبه هجوم تهديد فكري مهذب لعقلي.

وإن كنتَ ستتقدم خطوة للأمام وتسأل: “حسنا ما هي طبيعة تلك الكلاكيع؟” سأعجز مرة أخرى عن الإجابة. فلا هي أفكار ولا هي مشاعر. … لأنها كما هو متوقع عبارة عن “كلاكيع”. ولكن السمة التي تتسم بها أنها على الأرجح لا تستطيع أن تكون هي نفسها حتى تأخذ الشكل الواضح والمحدد لها. كلا، ليس على الأرجح، بل المؤكد أنها كذلك. وفيما يتعلق بهذه النقطة فهي لا تُلاحظ في أي نشاط عقلي أو نفسي آخر. ولذلك (إن تركتني أنحرف قليلا عن أصل الحديث)، فأنا أعتقد حقا أن الفن معناه التعبير.

على التقريب هذا هو الغرض المباشر الذي يجعلني أكتب قصص روائية. بالطبع ثمة أغراض متعددة أخرى غير مباشرة على الأرجح. وربما يمتزج داخلها أشياء من التي يمكن وضع أوصاف إنسانية لها. ولكن مهما كان الأمر فهي أغراض غير مباشرة. فأنا أؤكد من البداية إلى النهاية على أنني أكتب فقط لأنني أريد أن أكتب، كأمر عادي وطبيعي ومألوف. وعلى الأرجح أنني سأستمر مستقبلا على نفس الحال. ليس أمامي أية حيلة أخرى.

غير ذلك، أتذكر أيضا أنك ذكرت كلمة الموقف أو ما شابه في رسالتك إليَّ. أو ربما لم تذكر، ولكن إن كنتَ ذكرتها، فإجابتي هي: لأنني جعلت غرضي من الكتابة هو “أكتب لأنني أريد أن أكتب”، فعلى التقريب الأمر مفهوم. ثم بعد ذلك، لأن القضية غير واضحة تماما بالنسبة لي ربما لا تتفق إجابتي مع ما طلبته مني. ولذا أطلب منك التفضل بالتغاضي عن ذلك ولا تعتبره إساءة مني.

انتهى

(الشهر العاشر من السنة السادسة ​لعصر تايشو [أكتوبر ١٩١٧])

أنا والأدب الفرنسي ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي

 

أنا والأدب الفرنسي

ريونوسكيه أكوتاغاوا

ترجمة: ميسرة عفيفي

في الصف الخامس من المرحلة المتوسطة قرأت ترجمة إنجليزية لرواية ألفونس دوديه "سافو". بالطبع لا يمكن الاعتماد على طريقة قراءتي لها. فقد كنتُ فقط أتنقّل بين الصفحات وأنا أبحث في القاموس بلا مبالاة، ولكن على أي حال كانت تلك هي أول رواية فرنسية أتعرف عليها عن قرب. ولا أتذكر بشكل مؤكد أأُعجبت برواية "سافو" أم لا. ولكن كان بها فقرة من خمسة أو ستة أسطر يصف فيها البطل مدينة باريس في وقت الغروب عند عودته من ذلك الحفل الراقص. أتذكر فقط أن تلك الفقرة أسعدتني.

بعد ذلك قرأت راوية "تاييس" لأناتول فرانس. والسبب أن الصديق ساداو ياسوناري كتب تعريفا بها في العدد الجديد من مجلة “أدب واسيدا”، وأتذكر أنني عندما قرأت ذلك التعريف بالرواية ذهبتُ مباشرة إلى محل ماروزن لبيع الكتب واشتريت الرواية. ولقد انبهرتُ كثيرا بتلك الرواية. (وحتى الآن إن سُئلتُ عن أكثر روايات أناتول فرانس إمتاعا لأجبتُ على الفور إنها “تاييس”. ويليها رواية “الملكة بيدوك”. ولا أعتقد أن روايته الأشهر “الزنبقة الحمراء” تفوقهما جودة) ولكن يبدو أن أكثر النقاش إمتاعا لم أفهمه إلا في أماكن قليلة متباعدة. ولكنني كنتُ أضع خطوطا بقلم رصاص ملون تحت سطور رواية “تاييس”. إنني ما زلت أملك ذلك الكتاب حتى الآن، ولكن كانت أكثر كلمة وضعتُ تحتها خطا هي كلمة “نيسياس”. وأكثر من كان يتفوه بكلمة نيسياس ككلمة تحذير هم الطبقة العليا من سكان مدينة الإسكندرية. كنتُ وقتها أيضا في الصف الخامس من المرحلة المتوسطة. بعد دخولي المدرسة الثانوية، ولأن مستوي اللغوي ارتفع كنت أجرب من وقت لآخر قراءة روايات باللغة الفرنسية. ولكنني لم أقرأ باستمرار قراءة منظمة مثلما يقرأ المتخصصون في ذلك المجال. كنتُ أمر بعيني سريعا على أي شيء يصل إلى يدي بدون تمييز. وما أتذكره بين ذلك رواية تُسمى “إغواء القديس أنطون” لفلوبير. ولكنني لم أستطع قراءة ذلك الكتاب حتى نهايته مهما حاولت ذلك عدة مرات. وعندما رأيت نسخة مكتبة اللوتس الإنجليزية ذات اللون البنفسجي وجدتها مختصرة جدا وقراءتها للنهاية بدون صعوبة تذكر. وقتها أحسستُ أنني اقتنعت برواية “إغواء القديس أنطون”، ولكن الطبعة البنفسجية إياها في الواقع كانت معضلة. ومؤخرا عندما جربت قراءة كتاب “خطوط صغيرة” للبروفيسور رافائيل فون كويبر، وجدته يقول إن ذلك الكتاب وكتاب “سلامبو” مملان. وسعدتُ لذلك جدا. ولكن مقارنة بذلك ربما كان كتاب “سلامبو” ماتعا إلى حد ما بالنسبة لي على الأقل. وبعد ذلك كنت أكره دي موباسان حتى وإن كنت أحترمه كثيرا. (حتى الآن ما زلت أشعر بالاستياء عندما أقرأ بعض أعماله) ثم بعد ذلك وحتى دخولي الجامعة لم أقرأ أي عمل طويل لإميل زولا لسبب لا أعلمه. وبعد ذلك بدأت أشعر منذ ذلك الوقت شعورا عجيبا وهو أن دوديه يشبه ماساو كوميه. ولأن ماساو كوميه وقتها كان ينشر بصعوبة شِعرا في مجلة أصدقاء المدرسة في الصف الأول الثانوي، فمن المؤكد أن دوديه أعظم منه جدا. وبعد ذلك كنتُ أقرأ لتيوفيل غوتيه باستمتاع. وكنتُ أستمتع بقصصه القصيرة ورواياته الطويلة على السواء لأنه بأي مقياس كان مبدعا جدا ولا شبيه له. ولكن لم أمتن لروايته ذائعة الصيت “الأنسة دو موبان” للدرجة التي استقبلها بها الغربيون. حتى قصصه القصيرة مثل “أفاتار” و”ليلة كليوباترا” لا أعتقد أنها كاملة بالرغم من أن شخص مثل جورج مور يحس بالخجل منها. حتى أسطورة الملك كانداوليس، فلقد ألف فريدريش هيبل “جيجس وخاتمه” المرعبة. ولكن عند إعادة النظر في قصة غوتيه القصيرة، نجد أن ثمة ميل إلى الحيوية في أبطاله سواء كان الملك أو غيره. ولكن أثناء قراءتي لمسرحية هيبل بعد وقت طويل من ذلك، لأنه كان للمحرر في المقدمة رأي في منتهى المنطقية أنه ربما أعطت قصة غوتيه القصيرة تلميحا إلى هيبل، مما دفع بي إلى أن قمتُ باستخراج قصة غوتيه وعمقتُ من إعجابي بها. بعد ذلك … لقد مللت من استكمال الحديث.

فمهما قلتُ إنني قرأتُ في المرحلة الثانوية هذا وذاك ومن الكتب فلا يُفترض أن يمثل هذا الأمر أية متعة. بل الأمر في أقصى حدوده مجرد إبهار الآخرين بمعلومات يجهلونها. ولكن بما أنني بدأت هذا الحديث فأريد أن أضيف فقط ما يلي: وهو أنه في ذلك الوقت أو منذ ذلك الوقت لمدة خمس أو ست سنوات، كانت أغلب الروايات الفرنسية التي قرأتها كُتبت في عصر قريب، أو كانت لكتاب معاصرين. وعندما أعيد التفكير سريعا فيما قرأت، أجد أنني لم أذهب إلى عصر أبعد من شاتوبريان أو إن قلنا على أقصى تقدير أقدم من روسو وفولتير. (كان موليير استثناءً من ذلك) وبالطبع لأنه في عالم الأدباء من هو ضليع المعرفة بالأدب الفرنسي، لدرجة ربما وجد خبير قرأ كتاب “مئة خبر: أخبار الملك لويس الحادي عشر” (Cent nouvelles Nouvelles du roi Louis XI). ولكن إن تغاضينا على ذلك الاستثناء، فيمكن القول إن مثل تلك الروايات التي قرأتُها هي في العادة روايات الأدب الفرنسي التي قرأها أغلب الأدباء في الوسط الأدبي الياباني. ولذلك عندما أتحدث عن الروايات الفرنسية التي قرأتها أنا، فهو أمر يتعلق كثيرا بقطاع عريض من الوسط الأدبي الياباني بشكل عام، ولذلك لا يجب الإنصات إلى ذلك بإهمال أو تسفيه… إن لم أعط أهمية لما سبق ولكن عدم قراءتي أنا إلا تلك الكتب يعني أنه لن نجد روايات أدب فرنسي أثرت على الأدب الياباني فيما عدا تلك الكتب التي ذكرتها. فلم يتأثر الوسط الأدبي الياباني بفرانسوا رابليه ولا جان راسين ولا بيير كورني. تأثر فقط بالكتاب فيما بعد القرن التاسع عشر. والدليل على ذلك أنه لا يمكن مشاهدة عمل للأدباء الأقدم مني المعجبين بالأدب الفرنسي انتشر وذاع صيته يعبّر عمّا يقال عنه “روح الغال” (الروح الفرنسية القديمة). حتى وإن تردد من حين لآخر صدى صوت الضحكات التي انطلقت من روح الغال بين كتاب القرن التاسع عشر وما بعده، لم يكن أمام الوسط الأدبي إلا أن يعيروا لها آذان صماء. وحتى في هذه النقطة كانت جنازة الوسط الأدبي اليابان، كما في رواها الأستاذ أوغاي موري في رواية له، جادة للأبد… ربما كانت تلك حجتي. ولذلك فلا يجب في النهاية أن تستمعوا إلى حديثي هذا وأنتم تظنون ​فيَّ الغباء.

فبراير ١٩٢١