بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 يناير 2023

أنا والأدب الفرنسي ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي

 

أنا والأدب الفرنسي

ريونوسكيه أكوتاغاوا

ترجمة: ميسرة عفيفي

في الصف الخامس من المرحلة المتوسطة قرأت ترجمة إنجليزية لرواية ألفونس دوديه "سافو". بالطبع لا يمكن الاعتماد على طريقة قراءتي لها. فقد كنتُ فقط أتنقّل بين الصفحات وأنا أبحث في القاموس بلا مبالاة، ولكن على أي حال كانت تلك هي أول رواية فرنسية أتعرف عليها عن قرب. ولا أتذكر بشكل مؤكد أأُعجبت برواية "سافو" أم لا. ولكن كان بها فقرة من خمسة أو ستة أسطر يصف فيها البطل مدينة باريس في وقت الغروب عند عودته من ذلك الحفل الراقص. أتذكر فقط أن تلك الفقرة أسعدتني.

بعد ذلك قرأت راوية "تاييس" لأناتول فرانس. والسبب أن الصديق ساداو ياسوناري كتب تعريفا بها في العدد الجديد من مجلة “أدب واسيدا”، وأتذكر أنني عندما قرأت ذلك التعريف بالرواية ذهبتُ مباشرة إلى محل ماروزن لبيع الكتب واشتريت الرواية. ولقد انبهرتُ كثيرا بتلك الرواية. (وحتى الآن إن سُئلتُ عن أكثر روايات أناتول فرانس إمتاعا لأجبتُ على الفور إنها “تاييس”. ويليها رواية “الملكة بيدوك”. ولا أعتقد أن روايته الأشهر “الزنبقة الحمراء” تفوقهما جودة) ولكن يبدو أن أكثر النقاش إمتاعا لم أفهمه إلا في أماكن قليلة متباعدة. ولكنني كنتُ أضع خطوطا بقلم رصاص ملون تحت سطور رواية “تاييس”. إنني ما زلت أملك ذلك الكتاب حتى الآن، ولكن كانت أكثر كلمة وضعتُ تحتها خطا هي كلمة “نيسياس”. وأكثر من كان يتفوه بكلمة نيسياس ككلمة تحذير هم الطبقة العليا من سكان مدينة الإسكندرية. كنتُ وقتها أيضا في الصف الخامس من المرحلة المتوسطة. بعد دخولي المدرسة الثانوية، ولأن مستوي اللغوي ارتفع كنت أجرب من وقت لآخر قراءة روايات باللغة الفرنسية. ولكنني لم أقرأ باستمرار قراءة منظمة مثلما يقرأ المتخصصون في ذلك المجال. كنتُ أمر بعيني سريعا على أي شيء يصل إلى يدي بدون تمييز. وما أتذكره بين ذلك رواية تُسمى “إغواء القديس أنطون” لفلوبير. ولكنني لم أستطع قراءة ذلك الكتاب حتى نهايته مهما حاولت ذلك عدة مرات. وعندما رأيت نسخة مكتبة اللوتس الإنجليزية ذات اللون البنفسجي وجدتها مختصرة جدا وقراءتها للنهاية بدون صعوبة تذكر. وقتها أحسستُ أنني اقتنعت برواية “إغواء القديس أنطون”، ولكن الطبعة البنفسجية إياها في الواقع كانت معضلة. ومؤخرا عندما جربت قراءة كتاب “خطوط صغيرة” للبروفيسور رافائيل فون كويبر، وجدته يقول إن ذلك الكتاب وكتاب “سلامبو” مملان. وسعدتُ لذلك جدا. ولكن مقارنة بذلك ربما كان كتاب “سلامبو” ماتعا إلى حد ما بالنسبة لي على الأقل. وبعد ذلك كنت أكره دي موباسان حتى وإن كنت أحترمه كثيرا. (حتى الآن ما زلت أشعر بالاستياء عندما أقرأ بعض أعماله) ثم بعد ذلك وحتى دخولي الجامعة لم أقرأ أي عمل طويل لإميل زولا لسبب لا أعلمه. وبعد ذلك بدأت أشعر منذ ذلك الوقت شعورا عجيبا وهو أن دوديه يشبه ماساو كوميه. ولأن ماساو كوميه وقتها كان ينشر بصعوبة شِعرا في مجلة أصدقاء المدرسة في الصف الأول الثانوي، فمن المؤكد أن دوديه أعظم منه جدا. وبعد ذلك كنتُ أقرأ لتيوفيل غوتيه باستمتاع. وكنتُ أستمتع بقصصه القصيرة ورواياته الطويلة على السواء لأنه بأي مقياس كان مبدعا جدا ولا شبيه له. ولكن لم أمتن لروايته ذائعة الصيت “الأنسة دو موبان” للدرجة التي استقبلها بها الغربيون. حتى قصصه القصيرة مثل “أفاتار” و”ليلة كليوباترا” لا أعتقد أنها كاملة بالرغم من أن شخص مثل جورج مور يحس بالخجل منها. حتى أسطورة الملك كانداوليس، فلقد ألف فريدريش هيبل “جيجس وخاتمه” المرعبة. ولكن عند إعادة النظر في قصة غوتيه القصيرة، نجد أن ثمة ميل إلى الحيوية في أبطاله سواء كان الملك أو غيره. ولكن أثناء قراءتي لمسرحية هيبل بعد وقت طويل من ذلك، لأنه كان للمحرر في المقدمة رأي في منتهى المنطقية أنه ربما أعطت قصة غوتيه القصيرة تلميحا إلى هيبل، مما دفع بي إلى أن قمتُ باستخراج قصة غوتيه وعمقتُ من إعجابي بها. بعد ذلك … لقد مللت من استكمال الحديث.

فمهما قلتُ إنني قرأتُ في المرحلة الثانوية هذا وذاك ومن الكتب فلا يُفترض أن يمثل هذا الأمر أية متعة. بل الأمر في أقصى حدوده مجرد إبهار الآخرين بمعلومات يجهلونها. ولكن بما أنني بدأت هذا الحديث فأريد أن أضيف فقط ما يلي: وهو أنه في ذلك الوقت أو منذ ذلك الوقت لمدة خمس أو ست سنوات، كانت أغلب الروايات الفرنسية التي قرأتها كُتبت في عصر قريب، أو كانت لكتاب معاصرين. وعندما أعيد التفكير سريعا فيما قرأت، أجد أنني لم أذهب إلى عصر أبعد من شاتوبريان أو إن قلنا على أقصى تقدير أقدم من روسو وفولتير. (كان موليير استثناءً من ذلك) وبالطبع لأنه في عالم الأدباء من هو ضليع المعرفة بالأدب الفرنسي، لدرجة ربما وجد خبير قرأ كتاب “مئة خبر: أخبار الملك لويس الحادي عشر” (Cent nouvelles Nouvelles du roi Louis XI). ولكن إن تغاضينا على ذلك الاستثناء، فيمكن القول إن مثل تلك الروايات التي قرأتُها هي في العادة روايات الأدب الفرنسي التي قرأها أغلب الأدباء في الوسط الأدبي الياباني. ولذلك عندما أتحدث عن الروايات الفرنسية التي قرأتها أنا، فهو أمر يتعلق كثيرا بقطاع عريض من الوسط الأدبي الياباني بشكل عام، ولذلك لا يجب الإنصات إلى ذلك بإهمال أو تسفيه… إن لم أعط أهمية لما سبق ولكن عدم قراءتي أنا إلا تلك الكتب يعني أنه لن نجد روايات أدب فرنسي أثرت على الأدب الياباني فيما عدا تلك الكتب التي ذكرتها. فلم يتأثر الوسط الأدبي الياباني بفرانسوا رابليه ولا جان راسين ولا بيير كورني. تأثر فقط بالكتاب فيما بعد القرن التاسع عشر. والدليل على ذلك أنه لا يمكن مشاهدة عمل للأدباء الأقدم مني المعجبين بالأدب الفرنسي انتشر وذاع صيته يعبّر عمّا يقال عنه “روح الغال” (الروح الفرنسية القديمة). حتى وإن تردد من حين لآخر صدى صوت الضحكات التي انطلقت من روح الغال بين كتاب القرن التاسع عشر وما بعده، لم يكن أمام الوسط الأدبي إلا أن يعيروا لها آذان صماء. وحتى في هذه النقطة كانت جنازة الوسط الأدبي اليابان، كما في رواها الأستاذ أوغاي موري في رواية له، جادة للأبد… ربما كانت تلك حجتي. ولذلك فلا يجب في النهاية أن تستمعوا إلى حديثي هذا وأنتم تظنون ​فيَّ الغباء.

فبراير ١٩٢١

 

 

ليست هناك تعليقات: