بحث في هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 مارس 2020

جسد امرأة تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي


جسد امرأة

تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا
ترجمة: ميسرة عفيفي

(ريونوسكيه أكوتاغاوا عملاق الأدب الياباني وصاحب الراشومون أشهر قصة يابانية في العصر الحديث والتي أخذ المخرج الشهير أكيرا كوروساوا اسمها وجزء منها مع قصته الأخرى "في غابة" "أو "في علم الغيب" ليصنع منهما ذلك الفيلم الرائع "راشومون" الذي حاز على جائزة الأسد الذهبي لأحسن فيلم في مهرجان فينسيا السنيمائي عام 1951 وكذلك على جائزة الأوسكار التقديرية لنفس العام كأول فيلم ياباني يفوز بهاتين الجائزتين، وُلد أكوتاغاوا عام 1892 أي العام الخامس والعشرون من عصر ميجي أي بعد ربع قرن من بداية حركة التحديث والتنوير اليابانية التي بدأت بإعادة الساموراي مقاليد السلطة والحكم إلى الإمبراطور. درس أكوتاغاوا الآدب الإنجليزي بجامعة طوكيو الإمبراطورية وبدأ في الكتابة والنشر وهو لا زال طالبا بالجامعة. يقول عنه أحد أصدقائه إن كان يستطيع قراءة ألف صفحة يوميا. انتحر أكوتاغاوا في سن الخامسة والثلاثين وهو في أوج مجده بتعاطي كمية كبيرة من الأقراص المنومة. بعد موته بثمان سنوات أطلق صديق عمره الكاتب والناشر "كان كيكوتشي" جائزة أدبية باسمه لتصبح أشهر جائزة أدبية في اليابان. ترك أكوتاغاوا ما يزيد على المئتين وخمسين عملا أغلبها قصص قصيرة. تعتبر أعماله قمة الأعمال الأدبية اليابانية التي كُتبت في بدايات القرن العشرين والتي لا تزال لها بريقها ورونقها حتى الآن. في هذه الأقصوصة يتضح تماما تأثره بكافكا، فيجعل بطله "يوبو" الصيني يتحول إلى قملة للحظات ليراقب جسد زوجته. / المترجم).


استيقظ الصيني "يوبو" في إحدى ليالي الصيف، بسبب حرارة الجو الشديدة والرطوبة العالية، وأثناء شروده في أوهام وخيالات لا معنى لها وهو يضع يده على خده، وهو يتكئ على أطرافه الأربعة، انتبه فجأة إلى وجود "قملة" تزحف على حافة الفراش. من خلال أشعة المصباح الخافت الذي ينير الغرفة، يشع ظهر القملة الضئيل وكأنه مسحوق من الفضة، ويبدو أنها تزحف بتلكؤ مستهدفة الوصول إلى كتف زوجته التي تنام بجواره. كانت زوجته نائمة عارية مولية وجهها من فترة تجاه "يوبو" وتصدر أنفاس نوم هادئة.
أخذ "يوبو" يفكر وهو يتأمل حركة تلك القملة شديدة البطء، في ماهية عالم تلك الحشرة الضئيلة. فما يمشيه هو في خطوتين أو ثلاثة خطوات، لا تستطيع تلك القملة سيره في إلا بعد أن تستغرق ساعة كاملة. بل ونطاق تلك المسافة التي تستطيع السير فيها هي المساحة التي فوق الفراش فقط. لو كان وُلِد كقملة، لكانت حياته بالتأكيد في غاية الممل. ...
أثناء تفكيره عديم الجدوى بهذا الشكل بدأ "يوبو" يغيب تدريجيا عن الوعي، بالطبع لم يكن ذلك الذي رآه حلما. ولكن مع ذلك لم يكن أيضا واقعا. هو فقط كان يغوص بدون غرق في قاع شعور قلبي غريب بالنشوة. وأخيرا عندما يعتقد أنه قد استيقظ وعاد إليه وعيه فجأة، وجد "يوبو" نفسه وقد دخلت روحه في جسد تلك القملة، ووجد نفسه يزحف فوق الفراش المليء برائحة العرق الكريهة. ولأن الأمر في غاية الغرابة بالنسبة لـ "يوبو" فقد توقف دون وعي فجأة من فرط الدهشة. ...
في الطريق التي أمامه يوجد جبل عالي الارتفاع. وهو يحتضن بدفء نفسه دائريا ويتدلّى منخفضا من مكان عال لا تراه عيني يوبو ويصل حتى سطح الفراش أمام عيني يوبو مكونا ما يشبه متدليات الكهوف. الجزء الملتصق بالفراش، به جزء بلون أحمر شفاف يأخذ شكل حبة من بذر الرمان، تجعلك تظن أنها تخفي بداخلها نارا مضيئة، ولو استثنينا هذه، الجبل الدائري كله، مهما نظرت في أرجائه فلا يوجد مكان غير أبيض. وذلك البياض هو بياض ذو لون سلس به لدونة مثل الشحم المتجمد، وحتى التجويف في ذلك المنحدر الذي في جنب الجبل، وكأنه تماما مثل أشعة القمر التي تشير إلى الجليد، يشع فقط ظلا أزرقا باهتا. وعلى العكس الجزء الذي يستقبل أشعة الضوء، يحمل لونا أصفر شفافا لامعا، راسما في السماء البعيدة خطا منحينا جميلا مثل القوس لا يمكن رؤيته في أي سلاسل جبلية أخرى. ......
فتح يوبو عيونه المنبهرة متأملا منظر ذلك الجبل الجميل. لكم كانت دهشته عظيمة عندما عرف أن هذا الجبل هو أحد نهديّ زوجته. لقد نسى الحب والكراهية وبل ونسى الشهوة الجنسية ذاتها، وظل يراقب ذلك الثدي العملاق الذي يشبه جبلا من العاج. ثم من فرط دهشته، ربما نسى حتى رائحة العرق الكريهة في الفراش، ولم يتحرك وكأنه قد تجمد في مكانه. ... لأول مرة يستطيع يوبو أن يراقب جسد زوجته الجميل بهذه الحيوية وهذا القرب بعد أن أصبح قملة.
ولكن بالنسبة لفنان بارع، الأشياء الجميلة التي رأها كقملة، لم يكن جمال جسد امرأته فقط.

(سبتمبر من العام السادس لعصر تايشو 1917م)

ليست هناك تعليقات: