بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 مارس 2020

مسرحية: الشباب والموت تأليف: ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي


الشباب والموت

مسرحية: ريونوسكيه أكوتاغاوا
ترجمة: ميسرة عفيفي



لا تُستخدم أية خلفيات من أي نوع.
يظهر على المسرح اثنان من الخصيان وهما يتحدثان لبعضهما البعض.
- ستلد ستة من الأميرات في هذا الشهر أيضا. وإذا عددنا غيرهن من ذوات الحمل ربما يصل العدد إلى عشرات.
- ألا تعرف من فعل ذلك؟
- لا، لا أحد يعلم. فالأميرات يقمن في قصر الحريم ولا يمكن دخوله لأحد سوانا، هذا أمر مستحيل الحدوث. ومع ذلك من العجيب أن تستمر الأميرات في ولادة الأطفال شهرا بعد شهر.
- أما من احتمال لتسلل أحد الرجال إلى داخل القصر؟
- أنا أيضا في البداية فكرتُ في ذلك. ولكن مهما زدنا عدد جنود الحراسة، لا تتوقف الأميرات عن ولادة الأطفال.
- ألم تعرف شيئا بسؤال الأميرات؟
- هذا هو الأمر الغريب. فعند سؤال الكثيرات منهن وتقصي الأمر، عرفنا أن رجلا يتسلل إلى داخل القصر. ولكنهن يقولن إنهن يسمعن صوته فقط ولا يستطعن رؤيته.
- حقا! إنه أمر عجيب!
- إنها حكاية تشبه الأكاذيب! ولكن تلك على أي حال هي المعلومة الوحيدة المتعلقة بذلك الرجل المتسلل، لذا يجب علينا بطريقة ما التفكير في وسيلة للحماية منه. ما رأيك أنت؟
- ليس لديّ فكرة ألمعية بشكل خاص. ولكن على أي حال مجيء ذلك الرجل حقيقة، أليس كذلك؟
- بلى إنها حقيقة.
- حسنا، ما رأيك لو نثرت رمالا فوق الأرض؟ سيختلف الأمر لو كان ذلك الرجل يأتي طائرا في الهواء، ولكن إن كان يأتي مشيا على قدميه فمن المفترض أن يترك آثار أقدامه فوق الرمال.
- جميل جدا. تلك فكرة مدهشة. وإذا تتبعنا تلك الآثار فستدلنا عليه، ويمكن أن نلاحقه ونقبض عليه.
- كما يقال التجربة خير برهان، لنفعل ذلك ونرى ما سيحدث.
- لنفعل ذلك على وجه السرعة. (يغادر الاثنان خشبة المسرح)


عدد كبير من خادمات القصر ينثرن الرمال.
- حسنا لقد نثرنا الرمال في كل مكان
- لا، ما زال ذلك الركن متبقيا دون رمال. (تنثر رمالا في الركن)
- هيا ننثر في الممر. (تغادر جميعهن المسرح)


يجلس شابان تحت إضاءة الشموع
ب: لقد مر عام كامل منذ بدأنا التردد على ذلك المكان.
أ: الزمن يمر سريعا، لقد كنا حتى عام واحد مضى لا نتكلم إلا الكلام المكرر عن الجوهر والخير الأكثر علوا.
ب: الآن نسينا حتى الحديث عن الأنا العليا.
أ: أنا أيضا قلتُ لفلسفة الأوبانيشاد: "الوداع" منذ زمن بعيد.
ب: في ذلك الوقت كنتَ تفكر في أمر الموت والحياة بجدية كبيرة.
أ: ماذا! الأمر فقط أنني كنتُ وقتها أتحدث عما أفكر فيه. أما عن التفكير نفسه، فأنا الآن أكثر تفكيرا في ذلك الأمر.
ب: حقا؟ ولكنني منذ ذلك الوقت لم أعد أفكر في الموت البتة.
أ: إن كنت تستطيع ذلك، فهو أمر جيد.
ب: ولكن أليس من الغباء التفكير في أمر لن تفهمه مهما فكرت؟
أ: سيأتي الوقت ويموت كلانا.
ب: ليس بعد. فلن نموت خلال سنة أو سنتين.
أ: من يدري؟
ب: ربما يموت المرء غدا. ولكن لو قلقت من ذلك، لن تستطيع الاستمتاع بشيء واحد على الإطلاق.
أ: أنت مخطئ ألا تعتقد أن المتعة التي تأتي دون توقع الموت هي متعة لا معنى لها؟
ب: لتكن بلا معنى أو لا تكن، ولكني لستُ بحاجة لتوقّع الموت.
أ: لكن ألا يعني ذلك؛ العيش مفضلا خداع الذات؟
ب: ربما كان ذلك صحيحا.
أ: لو كان الأمر كذلك فلا حاجة بك لتعيش حياتك الحالية. فحتى أنت، ألا تعيش مثل هذه الحياة من أجل تدمير الخديعة؟
ب: على كل حال أنا حاليا فقدت أية رغبة في التفكير، ومهما قلتَ أنت، فلن أتغير عما أنا عليه الآن.
أ: (بأسى) إذا كان الأمر كذلك فلا عليك.
ب: لقد تأخر الليل أثناء هذا الجدال الفارغ. ألم يحن وقت رحيلنا؟
أ: بلى.
ب: حسنا ناولني تلك العباءة التي نرتديها فتختفي هيئتنا. (يأخذ أ: العباءة ويناولها له. وعندما يرتدي ب العباءة يختفي عن الأنظار. ويتبقى صوته فقط) حسنا هيا بنا نذهب (يرتدي أ: العباءة وبالمثل يختفي ويظل صوته فقط) وندى الليل يتساقط.


يُسمع صوتيهما فقط في الظلام الدامس
صوت أ: ظلام حالك.
صوت ب: كنتُ على وشك أن أطأ على طرف عباءتك.
صوت أ: صوت الرياح شديد.
صوت ب: أجل، فلقد وصلنا أسفل الشرفة.


ظلام خافت. نساء عاريات بعدد كبير منهن الواقفة والجالسة والنائمة
- لم يأتِ بعد هذه الليلة.
- لقد أوشك القمر أن يأفل.
- ليته يأتي سريعا.
- لقد فات الوقت المفترض أن نسمع فيه صوته. أليس كذلك؟
- أنا أشعر بعدم الاكتفاء لأنه صوت فقط.
- أجل ولكن رغم ذلك أنا أحس بلمساته.
- أول الأمر كنت خائفة.
- أنا قضيت الليلة كلها أرتعش من الخوف.
- وأنا كذلك أيضا.
- ولكن رغم ذلك يقول لا ترتعشي! أليس كذلك؟
- أجل، أجل.
- كنت أخاف أكثر وأكثر.
- هل أنهت الأميرة التي هناك حملها؟
- أجل منذ زمن بعيد.
- لا بد وأنها في غاية السعادة.
- طفلها رائع جدا.
- أنا أيضا أريد أن أصير أما.
- أنا لا أرغب بتاتا في ذلك وليس لدي أي نية.
- حقا؟
- أجل، أليس شيئا كريها؟ أنا فقط أحب تدليل الرجال لي.
- حقا!
صوت أ: الليلة ما زالت الإضاءة مشتعلة. إن بشرتكن في غاية الجمال وهي تتلألأ خلف الغلالة الشفافة التي على أجسادكن.
- ماذا! هل وصلت؟
- تعال هنا.
- الليلة تعال لي هنا.
صوت أ: أراكِ تضعين حلقة ذهبية حول ذراعك.
- أجل، وماذا في هذا؟
صوت ب: لا شيء. إن رائحة عطر الياسمين تفوح من شعركِ.
- أجل.
صوت أ: أما زلت ترتعشين؟
- إنها رعشة السرور.
- تعال هنا.
- هل ما زلت عندك؟
صوت ب: يا للدونة يديكِ.
- دللني وقت ما تحب.
- لن أدعك الليلة تذهب لأخرى.
- أكيد. هذا جيد.
- آه ... آه.
صار صوت المرأة يتحول تدريجيا إلى تأوهات هامسة ولم يعد يُفهم ما تقول. صمت.
فجأة يظهر من مكان ما عدد كبير من الجنود حاملين في أياديهم حراب. صوت الجنود:
- ثمة هنا آثار أقدام.
- وهنا أيضا.
- انظر، هنا كذلك.
- هنا هرب من هنا.
- لا تدعه يهرب.
تحدث فوضى، فتهرب النساء جميعهن وهن يطلقن صرخات عالية. يتابع الجنود آثار الأقدام ويلاحقونها هنا وهناك. تُطفأ الإضاءة ويظلم المسرح.


يظهر أ وب بالعباءة ومن الناحية المقابلة يظهر رجل ملثم بقناع أسود.
ظلام خافت
أ وب: من هناك؟
الرجل: حتى أنتما، لم تنسيا صوتي، أليس كذلك؟
أ وب: من أنت؟
الرجل: أنا الموت.
أ وب: الموت؟
الرجل: لا يجب أن تندهشا لتلك الدرجة. فأنا موجود من الأزل، وموجود الآن وسأظل موجود إلى الأبد. وعلى الأرجح ربما أنا فقط من يمكن القول عنه إنه "موجود" حقا.
أ: وما غرضك من المجيء؟
الرجل: من المفترض أن غرضي واحد دائما.
ب: وهل أتيت من أجل ذلك الغرض؟ آه، أأتيت من أجل ذلك الغرض؟
أ: حقا؟ هل أتيت من أجل ذلك؟ لقد كنت أنتظرك. الآن حقا يمكنني رؤية وجهك. هيا خذ روحي.
الرجل (موجها حديثه إلى ب): وأنت أيضا هل كنت تنتظر مجيئي؟
ب: كلا أنا لا أنتظرك. أنا أريد أن أعيش. أرجوك دعني أستمتع بالحياة فترة. فأنا ما زلت شابا. ما زالت الدماء الحارة تجري في عروقي. أتوسل إليك أن تدعني أستمتع بحياتي فترة قصيرة أخرى.
الرجل: أنت تعرف أنني لم أتأثر ولو مرة واحدة لرجاءٍ من أحد.
ب (يائسا): هل موتي محتوم؟ آه، يا ويلي. لِمَ يجب أن أموت؟
الرجل: أنت ميت منذ أن وعيت الحياة. ومن الأفضل أن تعتقد أن مكوثك حيًّا حتى الآن ما هو إلا رأفة مني بحالك.
ب: ليس حالي وحدي. فحمل عبء الموت منذ الميلاد هو مصير البشر أجمعين.
الرجل: أنا لم أقل ما قلت قاصدا ذلك المعنى. ألم تنسني أنت حتى اليوم؟ ألم تعش حياتك دون أن تستمع إلى أنفاسي؟ لقد حاولت أن تقضي على كل أنواع الخداع بطلب المتعة ولم تعرف أن ما تطلبه من متعة هي ذاتها مجرد خداع. في الوقت الذي نسيتني فيه، كانت روحك تجوع. والروح الجائعة، كما هو متوقع تسعى في طلبي. فمحاولتك تجنبي كانت على العكس استدعاء لي.
ب: آه.
الرجل: أنا لا أُميت كل شيء. على العكس أنا ألد كل شيء. أنت نسيتني، نسيت الموت أصل كل شيء. ونسياني يعني نسيان الحياة. ومن ينسَ الحياة يجب أن يموت.
ب: آه. (يسقط صريع الموت)
الرجل (ضاحكا): إنسان غبي (مخاطبًا أ) لا تخف. اقترب مني قليلا.
أ: أنا أيضا أنتظر. فأنا لست جبانا لأخافك.
الرجل: لقد كانت لديك رغبة في رؤية وجهي. إن الفجر على وشك المجيء. فلتتأمل وجهي جيدا.
أ: هل هذا هو وجهك؟ لم أكن أعتقدُ أن وجهك بهذا الجمال.
الرجل: أنا لم آت لأخذ روحك.
أ: لا فأنا أنتظرك. أنا إنسان لا أعلم أي شيء سواك. إنسان لا حيلة له في امتلاكه روح. أرجوك خذ روحي. أنقذني من ألمي.
صوت ثالث: لا تنطق بهذا الغباء. انظر إلى وجهي جيدا. إن الذي أنقذ روحك هو عدم نسيانك لي. ولكني لا أعترف بصحة كل أفعالك. انظر إلى وجهي جيدا. هل عرفت خطأك؟ استمرارك في الحياة من الآن سيعتمد على جهدك الذاتي.
صوت أ: أرى أن وجهك يرجع تدريجيا إلى الشباب.
الصوت الثالث: (بهدوء) الشروق. من الأفضل أن تأت معي إلى العالم الكبير.
يُرى الرجل ذو القناع الأسود يرحل مع أ في ضوء الفجر الخافت.


يسحب الجنود جثة ب العارية التي بها الكثير من الجروح.

– نقلا عن السيرة الشعبية للبوديساتفا ناغارجونا –
(اليوم الرابع عشر من الشهر الثامن للسنة الثالثة لعصر تايشو [14/8/1914])

ليست هناك تعليقات: