بحث في هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 مارس 2020

ثلاثة "لماذا؟" ريونوسكيه أكوتاغاوا ترجمة: ميسرة عفيفي


ثلاثة "لماذا؟"*

ريونوسكيه أكوتاغاوا
ترجمة: ميسرة عفيفي


1
لماذا قابل فاوست الشيطان؟


كان فاوست خادما للرب. وبالتالي كانت التفاحة بالنسبة له هي نفسها "ثمرة المعرفة". ولذا كان كلما رأى تفاحة يتذكر جنة عدن ويتذكر آدم وحواء.
ولكنه في عصر يوم توقفت فيه الثلوج، تذكر فاوست لوحة زيتية وهو يتأمل تفاحة. لوحة زيتية بألوان زاهية وندية موجودة في أحد الأديرة. وبالتالي منذ ذلك الوقت أصبحت التفاحة مع كونها "ثمرة المعرفة" في الماضي، بدأت تتحول أيضا إلى "جماد" في الحاضر.
وربما بسبب أن فاوست شديد التدين فهو لم يتناول التفاح مطلقا. ولكن في ليلة عاصفة، شعر فاوست فجأة بالجوع فقرر أن يشوي تفاحة ويأكلها. وعندها تحولت التفاحة بالنسبة له إلى طعام منذ ذلك الوقت. وبالتالي كان كلما رأى تفاحة يتذكر وصايا موسى العشر، ويتذكر الجماد في ألوان الرسم الزيتية ويحس أن معدته تشتكي من الجوع.
في النهاية اكتشف فاوست في صباح يوم طفيف البرودة وهو يتأمل التفاحة أن التفاح هو بضاعة بالنسبة للتاجر. وأنه في الواقع إن باع منها 12 تفاحة سيحصل على قطعة من الفضة. بالطبع تحولت التفاحة منذ ذلك الوقت بالنسبة له إلى عملة فضية.
في عصر يوم شديد الغيوم ظل فاوست وحيدا يفكر في التفاح؟ تُرى ما التفاح؟ وكان ذلك سؤالا لا يستطيع الإجابة عليه ببساطة مثل الماضي. وظل يردد بلسانه هذا اللغو وهو جالس في غرفة مكتبه:
"تُرى ما التفاح؟"
وعندها دخل غرفة المكتب كلب أسود رفيع لا يُعرف من أين أتى؟ ليس هذا فقط بل لقد ارتعش الكلب فتحول في الحال إلى فارس وانحنى بالتحية لفاوست.
لماذا التقى فاوست بالشيطان؟ السبب هو ما ذكرته آنفا. ولكن لقاءه مع الشيطان ليس هو الفصل الخامس من مأساة فاوست. في ليلة شديدة البرد تناقش فاوست مع الشيطان الذي تحول إلى فارس حول التفاح وهما يسيران في المدينة المزدحمة بالمارة. وعندها قابلا طفلا صغيرا يمسك بيد أمه الفقيرة ووجهه مبتلا بالدموع: "اشتري لي تلك التفاحة يا أمي!"
توقف الشيطان عن السير وأشار بأصبعه إلى الطفل وقال لفاوست:
"انظر لتلك التفاحة! إنها أداة تعذيب"
وهنا بدأت بهذه الكلمات ترتفع أخيرا ستارة الفصل الخامس من مأساة فاوست.


2
لماذا لم يتقابل سليمان مع ملكة سبأ إلا مرة واحدة فقط؟


لم يتقابل سليمان مع ملكة سبأ طوال حياته إلا مرة واحدة فقط. ولم يكن سبب ذلك أن ملكة سبأ تعيش في بلاد بعيدة. فقد كانت سفن ترشيش وسفن حيرام تحمل مرة كل ثلاث سنوات الذهب والفضة والعاج والقرود والطواويس. ولكن لم يتوجه رسل سليمان بجِمالهم ولو مرة واحدة عبر الصحاري والهضاب الصخرية التي تحيط بأورشاليم متجهين إلى بلاد سبأ.
كان سليمان يجلس اليوم كما هي عادته وحيدا في عمق قصره. وكان قلبه يشعر بالوحدة. ولم تستطع واحدة من زوجاته سواء المؤابيات أو العمونيات أو الأدوميات أو الصيدونيات أو الحثيات أن تُسري عنه. فقد كان يفكر في ملكة سبأ التي قابلها مرة واحدة فقط.
لم تكن ملكة سبأ جميلة. ليس هذا فقط بل كانت تكبره في العمر. ولكنها كانت امرأة نادرة ذات مواهب. لقد شعر سليمان في كل مرة يلقى عليها سؤال أن قلبه يتراقص من الفرح. كانت فرحة لم يشعر بمثلها في حواراته مع أي ساحر أو منجم من قبل. ولا شك أنه كانت لديه رغبة في الحديث إلى ملكة سبأ المهيبة مرة ثانية وثالثة أو ربما طوال العمر.
ولكن في نفس الوقت كان سليمان يخشى ملكة سبأ. والسبب أنه كان يفقد حكمته أثناء لقائه معها. أو على الأقل لأنه لم يستطع التفرقة بين حكمتها وبين حكمته التي يفخر بها. لقد كان سليمان لديه زوجات مؤابيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات ولكن كانت زوجاته تلك بمثابة جواري له من الناحية النفسية. وحتى عندما كان يداعبهن كان يحتقرهن خفية في نفسه. ولكن كانت ملكة سبأ الوحيدة التي تجعله في بعض الأحيان يخشى أن يتحول لعبد لها.
لا شك أن سليمان كان يخشى أن يصبح عبدا لها. ولكنه أيضا كان من ناحية أخرى يشعر بالفرحة. كان ذلك التناقض يسبب لسليمان معاناة لا يمكن وصفها. كان أحيانا يطلق زفرات الأسى الغليظة من فوق عرشه العاجي الكبير الذي يقف عليه أسد من الذهب الخالص. وكانت تلك الزفرات في لحظات معينة تأخذ شكل قصيدة من شعر غنائي.
إن حبيبي بين البنين
كالتفاح بين شجر الغابة
.................................................................
رايته ترفرف فوقي بالمحبة.
أرجو أن تسندوني بالزبيب
وتنعشوني بالتفاح
فأنا أعاني من مرض الحب
في غروب أحد الأيام صعد سليمان إلى سطح قصره، وظل يتأمل في اتجاه الغرب البعيد. بالتأكيد لم يمكنه رؤية البلاد التي تسكنها ملكة سبأ. وأعطى ذلك لسليمان إحساسا أقرب إلى الراحة القلبية.
ثم ظهرت صورة وهمية فجأة وسط أشعة الشمس الغاربة لأحد أنواع الوحوش التي لم يرَ أحد مثلها من قبل. كان الوحش يشبه الأسود ولكن له رأسين ويفرد جناحيه. بل وكان أحد الرأسين رأس ملكة سبأ والرأس الآخر رأسه هو نفسه. كان الرأسان يعض كل منها الآخر وتذرفان الدمع في غرابة. وبعد أن لاحت الصورة الوهمية لبعض الوقت، اختفت سريعا وسط الهواء مرة أخرى مع صوت الرياح القوية التي يتردد صداه. تبقى بعد ذلك فقط صف من الغيوم التي تشبه سلسلة فضية براقة تهتز بميل.
ظل سليمان واقفا بلا حراك فوق السطح حتى بعد اختفاء الصورة الوهمية. كان معنى الصورة الوهمية في منتهى الوضوح. وحتى وإن لم يفهمه أحد خلاف سليمان.
بعد أن تأخر الليل في أورشاليم، تبادل سليمان الذي ما زال شابا شُرب خمر العنب مع زوجاته وخدمه. كانت الكؤوس والأطباق التي يستخدمها جميعها من الذهب الخالص. ولكن لم يكن سليمان لديه الرغبة المعتادة في الحديث والضحك. بل أنه فقط أحس بقدوم مشاعر اختناق فياضة ومريبة لم يكن يعرفها حتى ذلك اليوم.
لا تلوم زهرة الزعفران على أنها صارت حمراء
ولا تلوم أغصان الكافور على رائحة عطرها
تُرى هل أنا حزين؟
أن الزعفران يصبح كثير الحمرة
وأن أغصان الكافور تصبح عالية الرائحة
عزف سليمان على قيثار كبير وهو يغني بهذا الشعر. ليس هذا فقط بل لقد انسابت دموعه بدون توقف. كان غناؤه يفيض بالنغم الهائج الذي لا يليق به. مما جعل جميع زوجاته وخدمه ينظرون لبعضهم البعض. ولكن لم يسأله أي منهم عن معنى أغنيته. وعندما انتهى سليمان أخيرا من الغناء انحنت رأسه المتوجة بتاج الملك، وظل فترة من الوقت بلا حركة مغمض العينين. وبعد ذلك، ... بعد ذلك رفع فجأة وجهه الضاحك وبدأ يتحدث مع زوجاته وخدمه كما هي عادته.
حملت سفن ترشيش وسفن حيرام مرة كل ثلاث سنوات الذهب والفضة والعاج والقرود والطواويس. ولكن لم يتوجه رسل سليمان بجِمالهم ولو مرة واحدة عبر الصحاري والهضاب الصخرية التي تحيط بأورشاليم أبدا متجهين إلى بلاد سبأ.


3
لماذا اقتنى روبنسون قردا


لماذا كان روبنسون يقتني قردا؟ لأنه كان يريد أن يرى رسما كاريكاتوريا له شخصيا أمام عينيه. إنني أعلم ذلك جيدا. كان روبنسون الذي يحتضن سلاحه يحتضن ركبتي سرواله الرث وتبرز على محياه ابتسامة عظيمة وهو يتأمل القرد دائما. القرد الذي ينظر عاليا نحو السماء في كآبة وقد تجهم وجهه الرصاصي.

(اليوم الخامس عشر من الشهر السابع من العام الخامس عشر من عصر تايشو [15/7/1926])

* نُشرت عام 1927 بعد انتحار المؤلف

ليست هناك تعليقات: